الجمعة 2023/06/16

آخر تحديث: 11:57 (بيروت)

أيقونات كييف الآتية من سيناء وفلسطين

الجمعة 2023/06/16
increase حجم الخط decrease
أعلنت إدارة متحف اللوفر الفرنسي، نقلها 16 لوحة فنية من متحف خايننكو الأوكراني لحفظها بعيداً من مخاطر الحرب، وعرضتْ خمس أيقونات من هذه المجموعة من دون أن تفصح عن هوية الأعمال الأخرى. ويستمر هذا المعرض الخاص حتى الأسبوع الأوّل من تشرين الثاني المقبل، ويفتتح اللوفر رسميّاً جناحاً خاصاً بالفنون المسيحية الشرقية يضمّ مجموعاته الخاصة.

يقع متحف خانينكو في كييف، ويحوي مجموعة هائلة من الأعمال الأوروبية والآسيوية، إضافة إلى عدد كبير من الآثار التي تعود إلى ما يُعرف بـ"العالم القديم". يحمل هذا المتحف اسم يوغدان وفارفارا خانينكو، وهو قائم في قصر تاريخي من أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، تحوّل إلى متحف في 1919، بعدما وهبته فارفارا إلى "الأكاديمية الوطنية للعلوم في أوكرانيا" إثر وفاة زوجها. ضمّ هذا المتحف عند تدشينه المجموعة الخاصة التي جمعها الزوجان الثريان، وضمّت هذه المجموعة 3045 قطعة فنية.

في العهد السوفياتي، تحوّل اسم هذا الصرح إلى "متحف كييف للفنون الغربية والشرقية"، وجرى توسيعه بشكل كبير بعدما دخلته آلاف الأعمال الفنية، وبات واحداً من أكبر المتاحف السوفييتية. ومع انهيار الاتحاد السوفياتي، واستقلال أوكرانيا، استعاد هذا المتحف إسمَي مؤسّسيه رسميّاً في 1991، وأضحى "متحف يوغدان وفارفارا خانينكو". يتألف هذا المتحف من قصرين متجاورين. يعود القصر الأول إلى آل خانينكو، ويضم جناحاً خاصاً بالأعمال الأوروبية التي أنجزت بين القرن الرابع عشر والقرن الثامن عشر، وجناحاً خاصاً بفنون العالم القديم. أما القصر الثاني، فيعود إلى آل ساخنوفسكي المقرّبين من آل خانينكو، ويحوي أربع صالات تضم أعمالاً بوذية وإسلامية آسيوية.

يعرض متحف اللوفر اليوم خمس أيقونات خرجت من هذا المتحف، منها أربع أيقونات من القرنين السادس والسابع عاد بها الأرشمندريت بورفيريوس أوسبنسكي من دير القديسة كاترينة في سيناء-مصر في منتصف القرن التاسع عشر، وأيقونة بيزنطية من القرن الرابع عشر اقتناها يوغدان خانينكو. جاء بورفيروس أوسبنسكي إلى الشرق الأوسط في 1845، على رأس أول بعثة روسية كنسية الى فلسطين، وأسّس في ضاحية عين كارم ديرا حمل اسم القديس يوحنا المعمدان الذي وُلد في هذا الموقع بحسب التقليد. كان هذا الأرشمندريت ضليعاً بالعلوم المسيحية، وعاد إلى بلاده بمخطوط بيزنطي من القرن التاسع عثر عليه في دير القديس سابا، كما حمل معه أربع أيقونات من دير القديسة كاترينة في سينا، تُعتبر من أقدم الأيقونات.

حرب الصور
تعود هذه الأيقونات إلى الفترة التي سبقت ما يُعرف بـ"حرب الصور" في العالم البيزنطي، وهي الحرب التي امتدت من العام 730 إلى العام 843، وفيها تصدّرت قضيّة الصورة الدينيّة واجهة الحياة الكنسية والمدنية، وأصبحت ساحة لطرح الخلافات القائمة حول شخص المسيح وخصائص طبيعته الانسانيّة وصورته الماديّة. في العام 787، أعلنت الامبراطورة إيريني وقف حملات الاضطهاد، ودعت الى انعقاد المجمع المسكوني السابع، ودعا هذا المجمّع الى تكريم الأيقونات بالإكرام نفسه الذي يقابل به الصليب والأناجيل المقدسة. اندلعت الحرب من جديد بعد هدنة امتدّت 27 سنة، وانتهت في 843، حين اعادت الإمبراطورة تيودورا الاعتبار الى تكريم الأيقونات. من المفارقات، حفظ دير القديسة كاترينة مجموعة من الأيقونات التي تعود إلى الفترة التي سبقت هذه الحرب، وذلك بسبب وجوده جغرافياً في العالم "الإسلامي"، خارج سلطة أباطرة البيزنطيين المناوئين للصور.

المُعادي للأديان
حمل الأرشمندريت أربع أيقونات من هذه المجموعة، وعاد بها إلى موطنه، ودخلت هذه الأيقونات "متحف الأكاديمية الكنسيّة في كييف" في 1885، ثم انتقلت إلى المتحف "المعادي للأديان" الذي أنشأه السوفيات في العشرينات من القرن الماضي، وبقيت هناك إلى أن وجدت طريقها إلى "متحف كييف للفنون الغربية والشرقية" في 1941. مثل سائر الأيقونات القديمة المحفوظة في دير القديسة كاترينة، تعتمد هذه الصور على تقنية المواد اللونيّة الممزوجة بالشمع العسلي المحمي، وهي التقنيّة نفسها التي استخدمها المصريّون لتصوير وجوه موتاهم في العهد الروماني، وأشهرها تلك التي خرجت من مقابر الفيّوم، وباتت تُعرف بوجوه الفيّوم. تعود هذه الأيقونات إلى المرحلة التي شهد تحوّل الفن المسيحي الأوّل وانتقاله تدريجياً إلى فن قائم بذاته، وتمثّل بحسب وظيفتها مواضيع مسيحية: العذراء والطفل يسوع، القديس يوحنا المعمدان، القديسان سركيس وباخوس، والقديسان أفلاطون وغليكيرية.

أيقونة العذراء والطفل يسوع من الحجم الصغير، طولها 36 سنتمتراً وعرضها 20 سنتمتراً، وهي في الواقع جزء من أيقونة كبيرة تمثّل زيارة الملوك المجوس كما يرى أهل الاختصاص. تضمّ الأم ابنها بين يديها، وتحدّق باتجاه اليمين. وفي حركة موازية، يحدّق المسيح الطفل في الاتجاه نفسه، رافعاً ذراعه اليمنى، ومشيراً بيده إلى الملوك الذين لم يبق لهم أثر. يجمع المصوّر بين التلوين والتذهيب، وينمّ استعمال الذهب عن حرفيّة مدهشة، كما تشهد الهالتان التان تحيطان برأسي الأم والطفل، إضافة إلى الخطوط الذهبيّة التي تظهر في نسيج ثوبيهما. تتميز هذه الأيقونة بأسلوبها المتقن، وتُنسب انطلاقاً من هذه الخصائص الأسلوبية إلى القسطنطينية.

يوحنا المعمدان
أما أيقونة يوحنا المعمدان، فطولها 46 سنتمتراً، وعرضها 25 سنتمتراً، وأسلوبها أقلّ إتقاناً، وتُنسب إلى الهلال الخصيب. يقف القديس منتصباً على قدميه، رافعاً يده اليمنى نحو الأعلى، حاملاً بيده اليسرى رقّا طويلاً ضاع الجزء الأكبر من النص اليوناني الذي دوّن عليه، غير أن ما تبقّى من هذا النص يشير إلى القول الذي ورد في الانجيل: "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يوحنا 1: 29)، وهو القول الذي أشار به يوحنا إلى المسيح حين جاء ليعتمّد على يديه من مياه نهر الأردن. يرفع القديس يده اليمنى نحو الأعلى، ويظهر المسيح في إطار دائري مباشرة فوق يده. وفي الزاوية المقابلة، تظهر العذراء في إطار دائري مماثل.

نصل إلى أيقونة القديسين سركيس وباخوس، وهي كذلك من الحجم الصغير، طولها 28 سنتمتراً وعرضها 42 سنتمتراً، وأسلوبها مماثل للأسلوب الهلنستي الشرقي الذي تميّزت به المدن الصحراوية السورية. الوجهان متشابهان، ويمثلان شابين أمردين يحضران في وضعية المواجهة. العينان لوزتان واسعتان، الشفتان مطبقتان، والأنف خيط مستقيم، والأذنان محتجبتان. تتحوّل خصل الشعر الى تموجات متناسقة تلفّ الوجه وتحدده في إطار متين يعمّق ثباته وسموّه. تحيط بكل وجه هالة من الذهب، وبين الهالتين، تستقرّ في الأعلى هالة صغيرة يطلّ منها وجه المسيح في أسلوب مماثل. يحمل كل من القديسين صليباً يرمز إلى استشهاده، وتظهر في أعلى الأيقونة بقايا كتابة دوّنت في فترة لاحقة لانجاز الأيقونة تسمّي سركيس باخوس، القديسان السوريان اللذان نالا اكليل الشهاد في مطلع القرن الرابع، بعدما رفضا العودة عن إيمانها المسيحي وتقديم الذبائح للآلهة.

الأيقونة الرابعة هي الأقل إتقاناً، ولا يخلو اسلوبها من الفجاجة، وتمثل قديساً وقديسة في وضعية المواجهة، يحمل كل منهما صليباً يشير إلى استشهاده. كشف ترميم هذه الأيقونة عن بقايا كتابة مدوّنة في أعلى الصورة، وتشير إلى اسمي قديسين هما أفلاطون وغليكيرية. عاش القدّيس أفلاطون في مدينة أنقرة في زمن الإمبراطور مكسيميانوس في نهاية القرن الرابع، وجاهر بإيمانه وشجب عبادة الأصنام، فألقى حاكم أنقرة القبض عليه، غير أنه بقي ثابتاً في إيمانه إلى أن قُطع رأسه.

في المقابل، عاشت غليكيرية في مدينة تراجانوبوليس الأناضولية، وجاهرت كذلك بإيمانها، وحاول حاكم المدينة استمالتها نحو الوثنية، فرفضت، فلجأ إلى تعذيبها، وأمر في النهاية برميها للحيوانات المفترسة، حيثُ أسلمت روحها، وكان ذلك في منتصف القرن الثاني.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها