الخميس 2023/04/06

آخر تحديث: 13:59 (بيروت)

أرفو بارت..أكثر مؤلف كلاسيكي حيّ تُعزَف مقطوعاته في العالم

الخميس 2023/04/06
أرفو بارت..أكثر مؤلف كلاسيكي حيّ تُعزَف مقطوعاته في العالم
increase حجم الخط decrease
قبل أيام، فازت المغنية الفرنسية بينينية الأصل، أنجيليك كيدجو، بالجائزة الدولية لموسيقى الدول القطبية، متقاسمة اياها مع مؤسس شركة الإنتاج "آيلند ريكوردز" البريطاني كريس بلاكويل، والمؤلف الموسيقي الإستوني أرفو بارت. وكيدجو المولودة العام 1960 قبيل شهر من حصول بنين (غربي إفريقيا) على استقلالها، تغني منذ أكثر من 30 عاماً بلغتي والدها ووالدتها (الفون واليوروبا)، وبالفرنسية والإنكليزية كذلك. أما البريطاني كريس بلاكويل (85 عاماً) فأنشأ العام 1959 شركة "آيلند ريكوردز" التي باتت من أبرز الشركات بعدما تعاملت مع بوب مارلي وكات ستيفنز وفرقتي "روكسي ميوزيك" و"يو تو".
 
وأشارت لجنة التحكيم إلى أنّ الفائز أرفو بارت Arvo Pärt (87 عاماً) هو "أكثر مؤلف موسيقي على قيد الحياة تُعزَف مقطوعاته في العالم"، ويُنسب إليه ابتكاره في سبعينات القرن الفائت تقنية في الكتابة الموسيقية "تينتينابولي". ورغم أهمية هذا الموسيقار، هناك معلومات شحيحة عنه باللغة العربية، تقتصر على مقال نشره موقع "معازف" الموسيقى، وأخبار متفرقة حول بعض لقاءاته..

أرفو بارت، المولود في إستونيا العام 1935، من أكثر الموسيقيين الكلاسيكيين الأحياء، شعبيةً، حالة فريدة في تاريخ الموسيقى العالمية، المقدسة والدينية، خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وعرف في الأساس عبر أعمال الجوقات الكنسية الغنية بـ"النغمات الروحية". إذ طور أسلوبًا يعتمد على التعديل البطيء للأصوات مثل تلك التي تنتجها الأجراس ونغمات الصوت النقية، وهي تقنية تذكر بمدرسة نوتردام في العصور الوسطى والموسيقى المقدسة للأرثوذكسية الشرقية. تشمل أعماله الرئيسية كونشرتو الكمان تابولا راسا (1977)، كانتوس في ذكرى بنيامين بريتن (1977)، مانيفيكات أنتيفون (1988)، التطويبات (1991)، ورثاء (عُرض للمرة الأولى العام 2003). أكسبه صوته الليتورجي من العصور الوسطى جمهورًا واسعًا في الغرب خلال أواخر التسعينيات.


بدأ شغف بارت بالموسيقى في سنّ مبكرة، وبرز اهتمامه بالتأليف منذ المراهقة، ثمّ تلقى تدريباً موسيقياً على يد المؤلف الاستوني Heino Eller في احد المعاهد الموسيقية في مدينة تالين، ليبدأ مهمته لاحقاً كمؤلف موسيقي مع لجان الموسيقى والمسرح. في العام 1958، بعد إنهاء الخدمة العسكرية المطلوبة، التحق بمعهد الموسيقى في تالين، إستونيا. وبين العامين 1958 و1967 عمل في قسم الموسيقى في الإذاعة الإستونية. لاقت أعماله المبكرة استحسانًا في أوروبا الشرقية، خصوصاً بعد فوزه بالمركز الأول في إحدى مسابقات الملحنين الشباب في دول الاتحاد السوفياتي(السابق). واللافت أنّ بارت في بداية الستينات أبدى اهتمامًا متزايدًا بنظام الاثنتي عشرة نغمة، النظام الهارموني الذي ابتكره الموسيقار النمساوي أرنولد شونبرغ مطلع العشرينات، بل وقام في أعماله المبكرة بالتأليف والتجريب ضمن نظام شونبرغ شديد التعقيد، وفي العام 1960، ألف بارت أول مقطوعة أستونية للأوركسترا وفق هذا النظام، وأثارت المقطوعة جدلًا وردود أفعال متباينة نظرًا لطبيعتها الحداثية المناقضة للنهج السوفياتي، ووصفها رئيس اتحاد الموسيقيين السوفيات بأنها "موسيقى الطليعة البرجوازية". 


 في 1968، قدم بارت عمله الكورالي "كريدو" (عقيدة بالإيطالية)، مقطوعة للبيانو، الكورال، والأوركسترا. منعته سلطات الاتحاد السوفياتي، إذ تصرّح المقطوعة علانيةً بالإيمان بالمسيح بإنشاد الكورال في مطلعها: "أنا أؤمن بالمسيح". وبعد منع "كريدو"، دخل بارت في فترة من انقطاع التأليف استمرت سنوات، عُرفت في ما بعد ﺑ"سنوات الصمت"، قام خلالها بالبحث في الموسيقى منذ بدايتها المبكرة ودراستها. لقد طور طريقته المميزة في الكتابة، حيث قام بدمج الأساليب من الترانيم الغريغورية إلى الأساليب الحديثة البسيطة في أسلوبه الشبيه بالجرس "Tintinnabulum"، والذي يصفه بأنه "منطقة أتجول فيها أحيانًا عندما أبحث عن إجابات، في الحياة". وكانت أولى علامات اتجاهه الموسيقي الجديد هي السيمفونية رقم 3 (1971)، وهي واحدة من الأعمال القليلة التي أنتجها خلال "سنوات الصمت". لكن مع إصدار أعماله للأوتار في أواخر السبعينيات - وخاصة فراتريس (1977) - بدأت مؤلفاته تأخذ صوتًا بارتيًا واضحًا.


وفي العام 1980 انتقل بارت مع عائلته إلى فيينا؛ ولاحقاً استقر في برلين الغربية، حيث تشكلت هالته، ومثّل ذلك احتفاءً غربياً في مواجهة النظام الشيوعي. ترك بارت شكلاً عاماً ستفضي إليه التحولات الموسيقية، بعيداً من التعقيد. لكن المنحى الذي ستسلكه الموسيقى، وكان بارت أحد مراجعه، أخذ طابعاً حنينياً أو ماضوياً. أما أعماله الأكثر انتشاراً فتعود إلى نهاية السبعينيات..

في العام 1996 انتُخب بارت عضواً فخرياً أجنبياً في الأكاديمية الأميركية للفنون والآداب. واصل كتابة الأعمال الأوركسترالية والكورالية، والتي سُجِل العديد منها. تميزت موسيقى فترته اللاحقة بالإيقاع البطيء، وامتدادات طويلة من الصمت، والأجهزة النغمية والإيقاعية في العصور الوسطى، والاستخدام المتحكَّم فيه للتنافر، من بين ميزات أخرى. في 2009، ظهرت سمفونيته الرابعة وعُرضت/عُزفت للمرة الأولى في لوس أنجليس. وفي العام التالي، أنشئ مركز أرفو بارت، موطنًا لأرشيف الملحن، في Harjumaa، إستونيا. وافتُتح مبنى جديد في العام 2018، لتوسيع برامج المركز لتشمل الحفلات الموسيقية والأنشطة التعليمية. في العام 2014، حصل بارت على جائزة Praemium Imperiale للموسيقى من جمعية الفنون اليابانية... 


مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، كتب بارت رسالة للأوكرانيين باللغات الإستونية، الإنكليزية، الأوكرانية والروسية، قائلاً: "سامحونا لأنّنا لم نحمِكم من كارثة لا يمكن تخيّلها في عصرنا".

يبقى أرفو بارت الأكثر حضوراً بين مؤلفي الموسيقى الكلاسيكية الأحياء، ويُعتبر حلقة وصل بين الحداثة والمرحلة الراهنة. وفنه عبارة عن تجسيد أسلوبي للإيمان. في هذا التجسيد الأسلوبي توجه نحو التجريد الموسيقي، لذلك يكتسب الإيمان لديه أبعاداً أخرى، وينطلق من فضاء المعنى اللاهوتي إلى فضاءات أكثر إنسانية. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها