الثلاثاء 2023/03/21

آخر تحديث: 12:56 (بيروت)

في يومه العالمي.. 10 أفلام لمحبّي الشعر

الثلاثاء 2023/03/21
increase حجم الخط decrease
الشعر أحد أشكال التعبير الإنساني وأحد مظاهر الهوية اللغوية والثقافية، وهما ما يعتبران أغنى ما تمتلكه الإنسانية، فمنذ قديم الزمان، عرفت كل القارات بمختلف ثقافاتها، الشعر، إذ أنه يخاطب القيم الإنسانية التي تتقاسمها الشعوب، فالشعر يحول كلمات قصائده البسيطة إلى حافز كبير للحوار والسلام. ولذا، خصّصت اليونيسكو يوم 21 مارس/آذار من كل عام يوماً عالمياً للشعر.

ذات مرة قال برناردو برتولوتشي، الشاعر قبل أن يصبح مخرجاً، أن الشعر هو أقرب تعبير للسينما من بين جميع الفنون. وأوضح هذا بقوله أن لا وجود لوسيط بين الفكرة والقصيدة، مثلما لا وجود لوسيط بين الفكرة والفيلم أيضاً.

من السخرية المشينة إذن أن السينما التي تتناول الشعر والشعراء تأتي في معظمها أقرب لكوارث فنية. إذ تُضاف إلى المشاكل المعتادة في سينما السيرة الذاتية، تلك الصورة النمطية المفترض بها اختصار التعقيد الذي يجعل فنان الكلمة يخلق إرثه للعالم محنياً على طاولة ويفكّر ملياً في ورقة بيضاء موضوعة أمامه. بالطبع، صورة شخص يخربش الأوراق لن تحتوي العديد من المشاهدات. إذا أضيف عنصر شرح العمل، يصبح الفيلم تفصيلياً وممطوطاً. إذا كان العمل، علاوة على ذلك، شاعرياً، يصير في تلك الحالة مغرقاً في ذاته وغامضاً بشكل يستعصي على الفهم.

والنتيجة؟ عادة ما تأتي أفلام الشعراء على هيئة ميلودراما مليئة بشخصيات "من أزمنة ماضية"، تكون فيها هستيريا البطل مرادفة لعبقريته، ما يترك المُشاهد المسكين متسائلاً بحيرةٍ حقيقية عن أي جزء من تلك الحياة الغريبة له علاقة بتلك العبقرية المفترَضة.

لذا، فأفلام الشعراء نادرة، ولسببٍ وجيه كما يتضح، والأندر منها الأفلام الجيدة عنهم. نادراً ما يكون ممكناً حتى اختبار عملية الكتابة الصامتة والإبداعية، حين ترجمتها إلى الشاشة. الأمر أشبه بتربيع الدائرة، إذا جاز التعبير. في هوليوود، كما في السينما العربية، الشاعر أشعث، بعيونٍ غائبة، في حالة هيام، نصف مجنون، نيران الرغبة والروحانية تلمع في عينه. علاقات الحب بالنسبة للشاعر مستحيلة، واتصاله بالواقع ضئيل، ولياليه مليئة بالكلمات، وسريره يتجعّد بأجساد النساء نهاراً، فيما الحبّ الحقيقي (والطبيعي) لا ينبغي أن يُعاش، لأن الشعراء موعودون بالعذاب الأبدي!

غالبية الأفلام التي تدور حول الشعراء أو الفنانين بشكل عام، تشوهّهم وتصوّرهم كحيوانات ذكية تقضم ذيولها، لدرجة أننا نتعلّم منها أن نأخذ أعمق رغباتنا واحتياجاتنا باعتبارها غير قابلة للتحقّق في مواجهة وفرة من المخدرات المُلطِّفة وعملية إفساد للموضوعات الحقيقية والحقائق الموضوعية، ما يجعلنا في النهاية أكثر قابلية للاستهلاك ومشياً مع التيار السائد (في الحياة كما في أي شيء آخر). لكن الشعر، كما نعلم جميعاً، لا علاقة له بالعبقرية أو الإلهام أو البطولة. إنه عمل. عادي للغاية، مملّ، طويل الأناة وشاق يتطلّب مثابرة وإرادة، وفي بعض الأحيان خروج على القواعد. مثل أي عمل ونشاط إنساني آخر.

إلا إنه، رغم ذلك، تبقى حياة الشاعر، أي شاعر، مطبوعة بشيء من الأسطورية، هالة مميّزة، وربما كانت أكثر تعقيداً مما تبدو عليه سيرته الذاتية، كما تخبرنا سير الأسماء الشهيرة المنتمية لهذا المجال والتي عانت مصاعب وفوضى شخصية في الوقت ذاته، وفي جميع الأوقات، الأمر الذي أدّى لاحقاً إلى ظهور بعض من أجمل القطع المكتوبة في العالم.

لتكريم هؤلاء الأشخاص المُعقّدين والغامضين، هنا قائمة بأفلامٍ عن الشعر والشعراء وما تفعله الكلمات والأقدار والتقاطعات في حياة البشر والبشرية:

"جمعية الشعراء الموتى"، 1989، بيتر وير.
(ملخص: في مدرسة خاصة نخبوية صارمة في نيو إنغلاند، ستكتشف مجموعة من الطلاب، الشعرَ، ومعنى الاستمتاع بـ/وعيش اللحظة، والأهمية الحيوية للقتال في سبيل تحقيق الأحلام، وذلك بفضل السيد كيتنغ، مدرس الأدب الذي سيوقظ عقولهم بأساليب تعليمية غير تقليدية).

تبدأ السنة الدراسية الجديدة في أكاديمية ويلتون الموقرة. تشتهر المدرسة الداخلية للبنين المحافظة في ولاية فيرمونت الأميركية بسياستها الصارمة والعدد الكبير من خرّيجيها الناجحين. نظراً لأن شقيقه الأكبر كان أحد أفضل هؤلاء الخريجين، يُسمح للوافد الخجول تود أندرسون (إيثان هوك) بالانضمام للمدرسة، حيث سيتعرّف الصبي بدوره على زميله الجديد نيل بيري (روبرت شون ليونارد)، لكن الاكتشاف الأكبر يأتي عندما يلتقيان بمعلّم اللغة الإنكليزية الموكل بتدريسهما. جون كيتنغ (روبن ويليامز)، وهو طالب سابق في أكاديمية ويلتون، يثير إعجاب الوافد الجديد بأساليب التدريس غير التقليدية وطريقته المنفتحة تجاه الطلاب. يشجع كيتنغ الأولاد على التفكير والتصرف بشكل مستقل. مثلاً، للتدليل على كيفية عمل تغيُّر المنظور، يتعيّن على الطلاب في حصص كيتنغ أحياناً الصعود على الطاولات أو التدريس في فناء المدرسة أو تلاوة القصائد التي كتبوها بأنفسهم.

كل هذه الأشياء توحّد أفراد الفصل معاً أكثر فأكثر، ويذوب فيها الطالب الخجول ببطء. في الكتاب السنوي للمدرسة، يعثر الأولاد على مجموعة سرّية أنشأها خريجون سابقون تسمّى نفسها "جمعية الشعراء الموتى". كان كيتنغ نفسه أحد أعضائها ويشرح لطلابه الفضوليين أن الأعضاء السابقين التقوا في كهفٍ داخل غابة ومارسوا الشعر المُحرَّم هناك. بالطبع، الطلاب الجدد يحاكون الفكرة، وشيئاً فشيئاً يجدون متعة في امتلاك زمام حياتهم بأيديهم وقصائدهم. لكن الأمور لا تستمر على هذا المنوال الحالم، لأنه بطبيعة الحال، يتسلل الطلّاب للانخراط في أنشطة إبداعية (كالتمثيل والمسرح) لن تحظى برضا أهلهم الذين لم يدفعوا تكاليف تعليم أبنائهم الباهظة حتى ينتهي بهم المطاف شعراء وممثلين.

هذا واحد من الأفلام العابرة للزمان القادرة على كسب مشاهدين ومحبّين بمجرد مشاهدته، والقادر أيضاً على ترك بصمة لا تُمحى في نفوس مَن شاهده في إحدى فترات تكوينه وتطوّره الفكري. قصة كلاسيكية عن مواجهة السلوك المحافظ والملتزم متدثرة بوداعة ورقّة استثنائيتين. في مواجهة الأحكام المسبقة والعداء المجتمعي، فإن الرسالة الأساسية للفيلم ليست فقط حبّ الشعر، وإنما أيضاً التأكيد على الإرادة الفردية والاحتفاء بالشجاعة والمقاومة، وبالطبع، عَيْش اللحظة.

فاز الفيلم بجائزة أوسكار لأفضل سيناريو، ورشّح لجوائز أفضل فيلم، إخراج، ممثل. كما فاز بجائزة سيزار لأفضل فيلم أجنبي.


"جمال مختلس"، 1996، برناردو بيرتولوتشي.
(ملخص: بعد انتحار والدتها، الشاعرة، تغادر شابة أميركية لقضاء الصيف في قرية ريفية في توسكانا الإيطالية، حيث عاشت والدتها، وتقيم هناك مع بعض أصدقاء والدتها غريبي الأطوار. تكتشف الحبّ الرغبة. وفيما تقيم صداقة خاصة مع كاتب يعيش أيامه الأخيرة، تفكّر في إمكانية اكتشاف هوية والدها الحقيقي، السرّ الذي لم تكشفه والدتها قطّ).

هذا فيلم عن ملذّات الحياة الصغيرة والأخيرة، عن التقبيل وقطف الثمار الأولى، والبحث عن أبّ، ورجلٍ يبدو مناسباً لمشاركة مزايا الحياة الجنسية مع "لوليتا" الفيلم، لوسي (ليف تايلر)، في مرّتها الأولى كما تقول. وهذا ما يحدث بالفعل.

غارقاً في تصويرٍ سينمائي جميل (كاميرا داريوش خونجي) ومواقع إيطالية خلّابة، مع مشاهد يظهر فيها الشِعر حرفياً على الشاشة؛ ربما يقع المتفرج في حبّ هذا الفيلم المغمور في مسيرة مخرجه المشهور بأفلام أخرى أقل جمالاً. لا يعني هذا القول أن "جمال مختلس" فيلم جيد، فخلف البهرجة المعتادة من برتولوتشي لا شيء سوى سطحية متفشية في الأنحاء، باستثناء الدقائق الـ15 الأخيرة التي لا تُنسى مع فتاة جميلة وممثلة رائعة مثل ليف تايلر وممثل أيقوني من طراز جيريمي آيرونز. ثنائي من الكريستال يستحق أن يُشاهد في فيلم يحاول تقديم قصيدة مرئية في عشق الجمال، بغضّ النظر عن بقية نواقصه.


"نجم ساطع"، 2009، جين كامبيون
(ملخص: إنكلترا، القرن التاسع عشر. وقائع قصة الحب الملتهبة بين الشاعر الإنكليزي جون كيتس وفاني باون).

كما هو بائن من الملخص أعلاه، يحكي هذا الفيلم قصة حب بين الشاعر جون كيتس (بن ويشاو) وحبّه العظيم وملهمته، فاني براون (آبي كورنيش). كما يصوّر مرض وموت كيتس، الذي ترك شعره بصمة لا تمحى في قلوب الشعراء ومحبّي الشعر، قديماً وحتى أيامنا الحالية.

تناول كامبيون للسنوات الثلاث الأخيرة من حياة كيتس يتجنّب الانغماس في المأساة التي تبدو، في ضوء الحقائق الفعلية، خياراً طبيعياً. غرق كيتس في الفقر منذ طفولته، وطوال حياته ظلّ يعتبر نفسه شاعراً فاشلاً، حتى مات في سنّ الـ25 من مرض السلّ الذي دمَّر عائلته. حياته القصيرة وعاء مثالي لصورة نمطية مصنوعة خصيصاً لميلودراميات السينما البكائية والسنتمنتالية. ولكن نظراً لأن كامبيون هي راوية القصة، فلن يتركّز اهتمامها على الشخصية المأساوية للشاعر الرومانسي فحسب. "نجم ساطع" يتحوّل بتركيزه إلى ملهمة الشاعر، فاني براون، التي كرّس لها كيتس سونيتة يأخذ منها الفيلم عنوانه.

في فيلم كامبيون، تأتي شخصية براون على قدم المساواة مع كيتس. الفتاة الجميلة والبسيطة عملت في تطريز الملابس، وكانت تصنع ملابسها الخاصة وتستمتع مع أختها الصغيرة وشقيقها. في البداية كانت فتاة ضحلة تحب الرقص والمغازلة، لكن مع دخول الشاعر إلى حياتها انخرطت في مصاعب الحبّ المستحيل والشِعر المؤلم. نسجت براون رابطاً سرّياً مع الشاعر كان عاطفياً وأثيرياً، لم يتمّم بنهاية سعيدة للأسباب المعروفة (الفقر، وتدهور صحته). كان الحبّ العائش في مرجلٍ ملتهب السمة الفيكتورية المعتادة، وكان كل شيء، في النهاية، مناسباً لمزاج كيتس التأمّلي. فيلم جميل وحزين وآسر.

هنا القصيدة التي يرتكز عليها عنوان الفيلم، من ترجمة ماهر البطوطي:

أيها النجم الساطع

آه لو كنت أنا مثلك

ثابتا لا أتحرك

ولا أكون وحيداً

بل أزدهر في ما فوق الليل

أرقب كل شي

وجفناي الأزليان منفتحان

مثل راهب الطبيعة

صبوراً، لا أنام

والمياه التي تجري

إلى منتهاها المقدَّس

تطهِّر بصفائها

شطآن الإنسان في الأرض كلها

أو أحملق في قناع الثلج الجديد

الذى يسقط رقيقاً

فوق الجبال والمروج

ولكن، وفوق كل شيء،

قائما ما زلتُ

ثابتا ما زلتُ

متوسّداً صدر حبيبتي الناهد

كي ما أشعر أبداً

رقّة ثنياته وحركاته

وأنا يقظان أبداً

في اضطرابٍ عذب

وأظلّ ما زلت، ما زلت،

أسمع أنفاسها الرقيقة

فأعيش هكذا على الدوام

أو تأتيني غشية الموت.


"سيلفيا"، 2003، كريستين جيفز.
(ملخص: قصة العلاقة بين الشاعرين تيد هيوز وسيلفيا بلاث، وكلاهما يعد من أبرز شعراء القرن العشرين. في العام 1956، قابلت الشابة الأميركية سيلفيا، التي كانت تدرس حينها في إنكلترا بمنحة دراسية، تيد. شيئاً فشيئاً نمت بينهما جاذبية متبادلة، جسدياً وفكرياً. عندما أنهت سيلفيا دراستها وتُعرض عليها وظيفة مدرس في الولايات المتحدة، ينتقل الزوجان للعيش هناك).

عشاق الشعر لن يجدوا هنا شاعراً واحداً بل إثنين: سيلفيا بلاث (غوينيث بالترو) وتيد هيوز (دانيال كريغ). لكن كما يوحي العنوان، فالتركيز هنا على بلاث. مأساة بلاث أنها لم تحصل على تقدير لعملها إلا بعد انتحارها، ذلك المصير الذي حلّ بغيرها من الأدباء والفنانين العظماء. يعرض هذا الفيلم أي ذرى، وبخاصةٍ أي وديان، توجّب على هذه المرأة الذكية والعاطفية المرور بها قبل أن تصبح واحدة من أكثر الشاعرات المعاصرات تأثيراً، حتى أن البعض يعتبرها أعظم شاعرة أميركية في القرن العشرين.

"سيلفيا" هو ثاني أفلام المخرجة النيوزيلندية كريستين جيفز. تثبت غوينيث بالترو في هذا الفيلم أن لديها الصفات الملائمة لتجسيد بلاث، رغم أن العديد من محبّي ونقاد سيلفيا بلاث اعترضوا على افتقار تجسيدها إلى الجاذبية. نراها تتأرجح بين الفرح والأمل والخوف واليأس العميق. رغم اضطرابات حياة بلاث، إلا أن الفيلم يقدّم نفسه بالأساس باعتباره قصة حبّ. صحيح أنه حبّ صعب ومعذِّب، لكنه الإطار الناظم لحياة معقّدة ومكثَّفة. هناك تركيز أقل بكثير على أعمال بلاث وهيوز، وهذا قرار جيد من كاتب السيناريو جون براونلو، لأن قصة زواج معقَّد تتكشّف ستجذب الكثير من المشاهدين أكثر من عشاق الشعر فحسب. إنها قصة معروفة عن شخصين لا يستطيعان العيش مع أو بدون بعضهما البعض. يفهمان بعضهما البعض ولكن في نفس الوقت يخنقان بعضهما البعض. في النهاية، يعاني كل من هيوز وبلاث، بطريقتهما الخاصة، من رباطهما القمعي.

فيلم يحترم شخصياته ويحاول الحفاظ على مسافته اللازمة منها، دقيق في تقديمها، ومحايد، يبقى على مبعدة ليلاحظ الاستجابات المفصلية المحيطة بكافة أطوار الحياة. تماماً مثل كتابات بلاث.


"توم وفيف"، 
1994، بريان جيلبرت.
بالحديث عن الزيجات التراجيدية، لا يمكننا تجاوز ت.س.إليوت وعلاقته المضطربة مع زوجته الأولى فيفيان هاي وود، والتي يستكشفها هذا الفيلم بعمق، لا سيما كيف شكلّت المحبوبة كتاباته بشق الأنفس. تزوجّا في العام 1915 بعد فترة خطوبة قصيرة، ورغم أنهما انفصلا في العام 1933، إلا أنهما لم يُطلَّقا أبداً.

يستند سيناريو الفيلم إلى مسرحية من العام 1984 تحمل الاسم ذاته للكاتب المسرحي البريطاني مايكل هاستينغز حول الحياة العاطفية المبكرة للشاعر الأميركي. يلعب دور إليوت وزوجته كل من ويليام دافو وميراندا ريتشاردسون.


"كسوف كلي"، 1995،
 آجنيسكا هولاند.
وبالحديث كذلك عن العلاقات العاطفية المضطربة، ينبغي الإتيان على ذكر هذا الفيلم المغمور نسبياً في مسيرة المخرجة البولندية، حيث يلعب ليوناردو دي كابريو وديفيد ثيوليس دوري الشاعرين آرثر رامبو وبول فيرلين، وكيف أثرت علاقتهما بشكل مباشر على إبداعهما.

يستند الفيلم إلى مسرحية من العام 1967 لكريستوفر هامبتون، الذي كتب السيناريو أيضاً. استناداً إلى قصائد الشاعرين والرسائل المتبالة بينهما، يقدّم الفيلم سرداً دقيقاً تاريخياً للعلاقة العاطفية والعنيفة بين إثنين من أبرز شعراء القرن التاسع عشر الفرنسيين. عندما يلتقي فيرلين للمرة الأولى بالشابّ رامبو، يؤخذ بجماله الغضّ وسلوكه المتغطرس. لكنه لا يتخيّل احتمال أن يكون هذا الصبي هو نفسه الشاعر الذي أرسل له عينات من شعره، الذي يعتقد فيرلين أنه رائع. بظهور الوافد الجديد في حياته، رامبو، يجد فيرلين، الأكبر سناً، فيه مهرباً من حياته المعذّبة، دون أن يدري أنه فتح على نفسه بوابة عذاب من نوع آخر.
 

"شغف هادئ"، 2016، تيرينس ديفيز.
(ملخص: السيرة الذاتية لعمل وحياة إميلي ديكنسون، الشاعرة التي قضت معظم حياتها في منزل والديها في أمهيرست، ماساتشوستس. يُعد القصر الذي عاشت فيه بمثابة خلفية لبورتريه امرأة غير تقليدية لا يُعرف عنها سوى القليل. ولدت العام 1803، وكانت تعتبر طفلة موهوبة، لكن الصدمة العاطفية أجبرتها على ترك الدراسة. منذ تلك اللحظة، انسحبت من المجتمع وبدأت في كتابة القصائد. على الرغم من حياتها الوحيدة، فإن عملها ينقل قرّاءها إلى عالمها المثير. هذه قصة الشاعرة الأميركية إميلي ديكنسون، منذ طفولتها حتى أصبحت الأديبة الشهيرة التي نعرفها).

يملك السينمائي الإنكليزي تيرينس ديفيز حساسية خاصة لتصوير بطلاته. لكن الاقتراب من الحياة المأسوية للشاعرة إميلي ديكنسون (1830-1886) من دون الوقوع في تجاوزات أو استغلال أو ابتذال يؤكد أننا أمام أحد السينمائيين المعاصرين العظام.

لا تتجنّب السيرة التي يتخيّلها ديفيز الحبس المنزلي وخيبات الأمل والخسائر العائلية والمرض القاسي، بل إنها تجد في الرسائل والشعر طريقاً للهروب والحرية والفكاهة والمحبة. معجزة استثنائية يحققها المخرج، دون إهمال بحثه المعتاد عن الجمال البنائي والاهتمام بإعادة تقديم الفترة الزمنية، في فيلم لا يتوقف عن النمو مع مرور الوقت. بورتريه استثنائي وفاخر لديكنسون، زاخر بالميلانكوليا والرقّة، تحت سطحه الشفاف والرائق يكمن بناء رائع بقدر ما هو متقن.


"ديكنسون"، مسلسل تلفزيوني، 2018، ثلاث مواسم.
ما زلنا مع ديكنسون وسيرتها، لكن هذه المرة مع سيرة ذاتية فضفاضة ولعوبة تستكشف النزاعات الاجتماعية والعائلية والجنسانية التي عانت منها الشاعرة.

تلعب هيلي ستاينفيلد دور ديكنسون بأداء يتماشى تماماً مع مزاج المسلسل الذي لا يشبه أي سيرة للشاعرة سبقت أن ظهرت على الشاشة. ديكنسون هنا فنّانة فوضوية وجذّابة وذكية وممتعة للغاية. أشعارها حاضرة في كل حلقة تقريباً، كعنصر أساسي ولازم ضمن مزيج مشوّش من الحديث والقديم، من النغمات والنبرات، من اللغات واللهجات. لتمنح الأحداث طاقة جميلة وغريبة.

عمل غريب ومربك، رائع وممتع، تنفيسي وذكي، "فودفيل" لاهث ودراسة أدبية ما بعد حداثية أكثر من أي شيء آخر.


"نيرودا"، 2016، بابلو لارين.
(ملخص: في العام 1948، اتهم السيناتور والكاتب بابلو نيرودا الحكومة التشيلية بخيانة الشيوعيين في الكونغرس. ردّاً على ذلك، أمر الرئيس غونزاليس فيديلا بالقبض عليه. هرب الشاعر مع زوجته من البلاد. أثناء مطاردته من قبل الشرطة، بدأ نيرودا في كتابة ديوانه "النشيد الشامل" وأصبح رمزاً للحرية وأسطورة أدبية).

على الرغم من عنوانه، "نيرودا" بعيد كل البعد من كونه سيرة ذاتية تقليدية. هو فيلم شبه واقعي وخيالي، سيرة مضادة، إن جاز التعبير. يبتعد عن تقاليد السيرة الذاتية ليلعب مع الحدود بين الواقع والخيال، ليس فقط في حياة نيرودا وإنما أيضاً في ما يتعلق ببناءه السردي. تبدأ القصة مع نيرودا (لويس جنيكو) في مواجهة الحكومة وتهميشه واضطهاده، مثل جميع أعضاء الحزب الشيوعي في تشيلي العام 1948. ثم يختبئ الشاعر، مُطارداً من قبل محقق شرطي لم يتمكن من العثور عليه مطلقاً.

يُكشف عن اللعبة التي يقترحها لارين شيئاً فشيئاً. أولاً، يُظهر نيرودا برجوازياً ومتحذلقاً، أسير مصلحته لدرجة تناقض مبادئه السياسية، شغوفاً وخطّاءً، موهوباً ولكن بلا جدوى. يمكن للرجل أن يملي قصيدة شهيرة بينما يتحسّس عاهرة، ويذهب إلى حفلة ويعقد اجتماعات سياسية مع المسلّحين، كل ذلك في نوع من الهروب الدائري الذي لا يبدو كذلك.

أوسكار(غاييل غارسيال برنال)، المحقّق الذي يطارده، شخصية تأخذ الفيلم إلى أرض سينما النوار. هو الذي يروي القصة ويروي ما لا يُظهره الفيلم عن حياة الشاعر. مطاردة كلاسيكية بين قط وفأر تلفّ القصّة بأكملها، حيث يحاول أوسكار ونيرودا معرفة من يتفوّق على الآخر في هذه المطاردة. منافسة يشرع فيها كلاهما، وهي مسابقة تتضمّن كذلك دور بطولة الفيلم. شيئاً فشيئاً تورِّط تطوّرات القصة المشاهدين في دخول لعبتها حول مقدار الحقيقة في ما نراه وما مدى انعكاسه على الكتابة وخلق الشخصيات؟

بمزيج من الأساليب والتأثيرات المختلفة، يظهر نيرودا الذي يُقرأ ويُقتبس في الشوارع كبطل، لكنه لا يشبه كثيراً الذي نراه على الشاشة. لا توجد هنا محاولة لتجريد الأسطورة أو هدمها، ولكن من ناحية، لإضفاء الطابع الإنساني عليها، ومن ناحية أخرى، لفهم عمله من خلال عملية كتابة الفيلم. بهذا المعنى، يغدو "نيرودا" سيرة سينمائية متخيّلة أقرب لما كان سيكتبه نيرودا عن نفسه.

يتعرّف الفنانون والكتاب في أنحاء العالم على قصّة الشاعر المطارد ويطالبون بحريته. الشاعر، من جانبه، يواجه هذه الأزمة بعينٍ على الفرص والتطلّع الشخصي والمقاومة. وهو يستمتع بالمطاردة أيضاً. يتقاطع الشعر مع السياسة. مشاهدة واجبة ولازمة لكل مَن يعيش في عالمنا اليوم، خصوصاً في منطقتنا المنكوبة بقادة وحكّام يطاردون الكلمات والأشعار.


"عدالة شعرية"، 1993، جون سِنغلتون.
(ملخص: بعد مشاهدة مقتل صديقها الأول والوحيد، قررت الشابّة جاستيس ترك المدرسة الثانوية لتصبح مصففة شعر في لوس أنجليس. تتجنّب اكتساب أصدقاء جدد، والطريقة الوحيدة أمامها للتغلب على اكتئابها هي تأليف القصائد. في طريقها لحضور تجمّع في أوكلاند رفقة صديقتها، تضطر إلى مشاركة مقعد مع عامل بريد، تكتشف معه بشكل تدريجي صلات رومانسية).

تؤدي المغنية جانيت جاكسون دور البطولة في هذا الفيلم الأسود (مضموناً وأسماءً): شابّة تعيش صدمتها بعد مقتل صديقها، منغلقة داخل قوقعتها وتحاول تمرير أيامها بتأليف القصائد الغنائية (من تأليف مايا أنجيلو) كوسيلة للتغلب على أحزانها، إلى أن تلتقي ذات يوم بلاكي (توباك شاكور)، عامل بريد يربّي ابنة صغيرة. الرومانسية ممكنة، ولكن هناك الكثير من العقبات في هذه البيئة التي لا ترحم.

يروي سِنغلتون حكاية شبّان سود يعانون من تحديات العيش في مشهد حضري عنيف. تُقتل الناس في الشارع لأسباب تافهة، والأسلحة جزء من الحياة اليومية. إلا أن جاستيس ولاكي لا يريدان الانخراط في المذبحة، ويحاولان تجنّب الانجرار إلى الفوضى. السؤال هو ما إذا كان بإمكانهما إقامة اتصال حقيقي بالنظر إلى العوائق في حياتهما. هو يعمل على إعالة ابنته والتعامل مع والدتها المدمنة. بينما هي لم تتعاف تماماً من صدمة مشاهدة صديقها يُقتل أمام عينيها. حكاية بحث عن خلاصٍ من طريق الحبّ والشعر.

أفضل ما في الفيلم هي القصائد التي كتبتها مايا أنجيلو، والتي لعبت أيضاً دوراً في الفيلم. كما يتضمّن أداءً نادراً للمغني توباك شاكور قبل وفاته المأساوية المبكرة.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها