الإثنين 2023/03/13

آخر تحديث: 13:21 (بيروت)

أوسكار 2023.. فوز التوليفة "المجنونة" حجب التماعات مُستحِقة

الإثنين 2023/03/13
أوسكار 2023.. فوز التوليفة "المجنونة" حجب التماعات مُستحِقة
جيمي لي كورتيس مع أوسكارها (غيتي)
increase حجم الخط decrease
تحققت التوقّعات: توَّج فيلم "كل شيء في كل مكان في وقتٍ واحد" ليلته بأفضل ما يمكن بعد فوزه بجائزة أوسكار أفضل فيلم، من إجمالي 7 جوائز حصدها. وبذلك، فاز الفيلم بأكبر عدد من جوائز أوسكار منذ العام 2009، عندما فاز فيلم "المليونير المتشرّد" بثماني جوائز.

منتج الفيلم، جوناثان وانغ، أشار إلى دور كل فرد شارك في إنجاز الفيلم، بقوله: "لا فيلم من دون طاقمنا وفريقنا الرائع"، مضيفاً "هذه الجائزة لنا جميعاً". واختتم وانغ حديثه قائلاً: "لم أعتقد أبداً أنني سأقول هذا: شكراً للأكاديمية". من جانبه، قال دانيال كوان، أحد مخرجي الفيلم: "لدي إيمان بالقصص وقدرتها على تغيير العالم".

وعلى الرغم من أنه بدأ الموسم بالخسارة أمام فيلم "أرواح إنشيرين" في حفلة جوائز غولدن غلوب، إلا أن هيمنة "كل شيء في كل مكان.." خلال موسم الجوائز كانت ساحقة. إذ حصد خمسة جوائز من "جوائز اختيارات النقاد"، بما في ذلك أفضل فيلم وإخراج وسيناريو أصلي وممثل مساعد. قبل أسبوعين، صنع التاريخ في الدورة الـ29 لجوائز SAG الممنوحة من نقابة ممثلي الشاشة، محطّماً الرقم القياسي للفائز الأكبر بفوزه بأربع فئات، بينها جائزة أفضل طاقم تمثيلي، المُحدّدة بشكل كبير لهوية الفائز لاحقاً في حفل أكاديمية هوليوود.

وكما لو أن هذا لم يكن كافياً، فاز في "جوائز نقابة كتّاب السيناريو" في فئة أفضل سيناريو أصلي، بينما حصل في "جوائز نقابة المنتجين" المؤثّرة على جائزة أفضل فيلم. تأثير الجائزة الأخيرة وازنٌ في حسابات جوائز أوسكار، إذ حصل الفائز بجائزة النقابة في 24 مرة سابقة  (من أصل 34) على جائزة أوسكار الأهم.

بدأت حفلة توزيع الجوائز بمونولوغ من مقدّمه جيمي كيميل مازح فيه المرشّحين حول أفلامهم. ستيفن سبيلبرغ، على سبيل المثال، أخبره أنه ينبغي أن يكون أكبر من أن يتخيّل "دخيلاً لا يمكنه الاتصال بالمنزل". فيما تعرّض طاقم فيلم "بابيلون"، أحد أكبر الإخفاقات التجارية لهذا العام، للسخرية بسبب "التوازن الاقتصادي السلبي". بينما تعرّض المخرج جيمس كاميرون، الغائب عن الحفلة، للغمز لكونه مغروراً، متهماً إياه بعدم الحضور لأنه لم يُرشَّح في فئة الإخراج. ثم اختتم الفقرة الأولى بإشارة حتمية إلى صفعة ويل سميث الشهيرة من حفلة السنة الماضية، بقوله: "لدينا قاعدة جديدة: من يرتكب فعلاً عنيفاً سيحصل على أوسكار وسيكون قادراً على التحدّث لمدة 19 دقيقة".

المونولوغ الافتتاحي كان مجرد البداية لما جاء حفلة باهتة وخالية تقريباً من المفاجآت. في ختامها، رفع جيمي كيميل لافتة كُتب عليها: "عدد حفلات الأوسكار بلا حوادث: 1".


(جيمي كيميل مع "الدعم العاطفي" - غيتي)

ربما هذه المرة كان الأمر يتعلّق بذلك حقاً. تقديم حفلة نظيفة وسلسة، دون أن يضرب أحد أحداً، أو يقرأ أحدهم أسماء خاطئة، أو يجري تكريم الأسماء المعروفة التي أتقنت لعبة هوليوود ووضعت القواعد لعقود. نجحت حفلة الأوسكار الـ95 في ذلك كله، وقدّمت "نمرتين" موسيقيتين من العيار الثقيل، لكنها أيضاً لم تخلُ من الملل.

الفائز الأكبر في الأمسية تناسبَ بدوره مع البرنامج الآمن لفقرات الحفلة، والذي حاول دائماً التحديث والتنويع على السطح. فاز فيلم "كل شيء في كل مكان في وقت واحد" بسبع جوائز أوسكار، وكانت خطابات القبول التي ألقاها أبطاله جيمي لي كورتيس، وكي هوي كوان، وميشيل يوه، ومخرجاه دانيال كوان ودانيال شاينرت من أكثر اللحظات إثارة وتأثيراً في الأمسية.

لكن هل الكوميديا المستقلة المجنونة والسوريالية، وفقاً لتوصيف محبّيها، هي حقاً الاختيار الجريء الذي تعد به الأكاديمية جمهورها في محاولتها إثبات تغيير جلدها؟ في جوهره، يظلّ الفيلم المبتكر بصرياً والمسرحي بشكل مثير للإعجاب قصّة عائلية وحكاية حبّ تقليدية؛ لا يستمر ابتكارها المفترض في رسائلها النهائية. غلاف مبهرج ولامع لحشوة تقليدية، مقاربة غريبة لاقتراح كلاسيكي.

كما لو كان عُرفاً هوليوودياً مُتبعاً للتعامل مع الفراغ الذي يتبع كل ذروة مكثفة ومحتدمة، بمجرد انتهاء موسم جوائز هوليوود، تبدأ لوائح المُرشّحين المحتملين لأهم فئات نسخة العام التالي في الانتشار بعد فترة وجيزة من حفلة توزيع جوائز أوسكار. لو أن أحدهم بعد أمسية العام الماضي، قال إن المرشّح المفضَّل للفوز في دورة العام المقبل سيكون إنتاجاً مستقلاً لاستوديو A24، بطاقم تمثيلي أغلبه آسيويون، ويتولّاه اثنان من المخرجين غير المعروفين عملياً، بحبكة تستغل وتسيء استغلال فكرة راسخة في سينما الأبطال الخارقين مثل الأكوان المتعدّدة؛ فمن المحتمل أن يُنعَت بالجنون. لكن هكذا حدثت الأمور في طريقها إلى حفلة توزيع جوائز أوسكار الـ95، بنهاية شهري موسم الجوائز الذي طبعته انتصارات "كل شيء في كل مكان..".

في هدوء شديد، وصل فيلم "ذا دانيلز" إلى مهرجان الجنوب الغربي السينمائي المستقلّ SXSW في العام الماضي، تائهاً وسط ضخامة كتالوغ العروض. لكن حتى ذلك الحين أصبح "فيلم الموسم"، الذي أشار إليه قطاع مهمّ من النقاد، بالتحالف مع القاعدة الجماهيرية الرقمية، باعتباره أقرب للأعجوبة الثامنة في العالم وتحفة فنية تهدف إلى إعادة اختراع السينما.

بعيداً من المبالغة، لا يمكن حرمان المخرجين من الاعتراف بقدرتهما على التناغم مع أجواء عصرهما. فإذا كان عالم "مارفل" Marvel السينمائي قد وضع مصطلح "الأكوان المتعددة" في أفواه الملايين وجعل الاستدعاء والتأشير ذاتي المرجع عنصرين لازمين بالنسبة لأي فيلم يطمح إلى ترسيخ نفسه في أوساط الجماهير الأصغر سناً؛ فإن المخرجين الشابّين قاما بضغط كل قطرة أخيرة من احتمالات الأكوان المتوازية المرتبطة ببعضها البعض وتضمين مليون مرجع خلال 140 دقيقة من اللقطات المكوّنة لفيلمهما الملتفّ حول نفسه.

السبب والمبرّر؟ قصة غريبة وفوضوية ومتقلّبة تتمحور حول إيفلين وانغ (أسطورة السينما الآسيوية ميشيل يوه، في طور ذروتها الأميركية)، وهي مهاجرة صينية تفعل ما في وسعها للحفاظ على نشاطها التجاري قائماً بينما تنهار عائلتها. زوجها (كي هوي كوان) يريد الطلاق، ووالدها المتسلّط العجوز يأتي من الصين ليستمتع بالتقليل من شأنها، أما ابنتها التي تحاول إقناعها أخيراً بمثليتها وبأن لديها لديها حبيبة فليست سوى الدليل الدامغ على إنهيار عالمها.

وفوق ذلك كله، تُحقّق مدققة حسابات (جيمي لي كورتيس) في بياناتها ولوائحها المالية وتهدد بإغلاق مغسلتها. وهكذا، تظهر سمّاعة أذن تسمح لها بالدخول إلى حقائق بديلة لحلّ مسألة لا ينبغي كشفها. وهذه مجرد بداية ما سيغدو استكشافاً لاهثاً لحقائق متعددة - بعضها مثير للسخرية، والبعض الآخر، مملّ إلى أقصى الحدود - والتي، فوق ذلك كله، تجبر الشخصيات على التوقف في منتصف العمل المحموم لشرح ما الذي يحدث وكيف هو "منطق" الأمر. كل ذلك بالطبع للوصول إلى محطة نهائية تحتفي بحب العائلة والأصدقاء والمجتمع والناس.


(كي هوي كوان مع ستيفن سبيلبرغ وكيت كابشو - غيتي)

أفلام أخرى، مثل "تار" لتود فيلد، أكثر صعوبة في الفهم، وأكثر انفتاحاً في خطاباتها. كان من الممكن أن تظهر بعض الشجاعة في جائزة تذهب لقصّة ليديا تار عن الفنّ وثقافة الإلغاء. إلا أن هذا لم يحدث، لا مع هذا الفيلم ولا مع غيره من أفلام أخرى نادى بها النقّاد، مثل "آل فابلمان" لستيفن سبيلبرغ أو "أرواح إنشيرين" لمارتن ماكدونا؛ واللذين خرجا من الليلة، مثل فيلم تود فيلد، من دون الظفر بأي جائزة.

في مقابل كل فوز، هناك خسارة. والخاسر الأكبر في حفلة أوسكار هذا العام كان "أرواح إنشيرين". فشل فيلم مارتن ماكدونا في تحويل أي من ترشيحاته التسعة إلى جائزة يتيمة، وخسر في فئات أفضل فيلم، وأفضل ممثل، وأفضل مخرج، وأفضل ممثلة مساعدة، وأفضل ممثل مساعد (بشكل مضاعف، حيث ترشّح بريندان غليسون وباري كيوغان)، وأفضل موسيقى تصويرية وأفضل سيناريو أصلي وأفضل مونتاج. للمفارقة، في المقابل، حصل الفيلم الألماني "كل شيء هاديء على الجبهة الغربية" على 4 جوائز من أصل 9 ترشيحات، ليصبح بذلك ثاني أكبر الفائزين بعد "كل شيء في كل مكان..". حظوظ وأرزاق.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها