الجمعة 2023/12/08

آخر تحديث: 15:04 (بيروت)

قمة أدبية عربية أفريقية: ثقافة برقيات الشكر...وفرص ضائعة

الجمعة 2023/12/08
increase حجم الخط decrease
لم يستغرب متابعو اللشؤون العربية، إعلان المملكة العربية السعودية بتاريخ السابع من تشرين الثاني الماضي، تأجيل انعقاد القمة العربية الأفريقية الخامسة إلى وقتٍ يحدد لاحقاً. إذ إنّ ظروفاً قاسية ومرعبة، كحرب الإبادة التي ترتكبها إسرائيل في فلسطين، وعلى وجه الخصوص في قطاع غزة، استدعت من الدبلوماسيات العربية إعادة ترتيب أولوياتها، والعمل على انعقاد قمة عربية وإسلامية، كُرّست من أجل مناصرة الفلسطينيين.

القمة العربية الأفريقية لم تكن ذات بُعد سياسي بحسب البيان السعودي، بل ترتكز على البُعد التنموي والاقتصادي، وكان يُراد لها أن تشكّل "فاتحة شراكة واعدة من أجل إيجاد حلول عملية لدعم تطوير علاقات التعاون العربي - الأفريقي من جهة، واللحاق بركب القوى الدولية الصاعدة والمؤثرة في الساحة الأفريقية من جهة أخرى".

لكن ما صدر قرار بتأجيله في المشرق، وجد طريقه في المغرب العربي، عبر واجهة مختلفة، ومن خلال مؤسسات أخرى، تحاول أن تشق طريقها، أو تنوه إلى وجودها، في ازدحام المشهد العام، وفي عالم متوتر يقف على شفا الهاوية.

هكذا، ظهر رؤساء وممثلين لـ16 اتحاداً ورابطة للكتّاب العرب في العاصمة الموريتانية نواكشوط، ضمن إطار مشاركتهم في "القمة الأدبية العربية الإفريقية"، التي جمعتهم تحت شعار "القلم والقيم" مع بعض المؤسسات المشابهة في منطقة الساحل الأفريقي، وأفسحت لهم المجال كي يعقدوا اجتماعاً للاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب، قبل أربعة أيام.



القمة الأدبية، حدث جديد فعلاً، بل إن الجرس الموسيقي للعبارة يقع في الأذن بشكل مختلف، بعدما تكررت عبارة القمة العربية في آذان المواطنين العرب طيلة عشرات السنين، حتى باتت بلا أي قيمة، وبما يشبه فعلياً حقيقة أن القمم العربية بالمعنى السياسي، وما يلحق به، باتت ممجوجة، وبلا دسم... طالما أنها لا تخرج عن كونها نادياً للأنظمة، لا يحتوي فعاليات مؤثرة، بل ربما يشكل في ذاته إعادة إنتاج للحالة القهرية التي يعيشها العرب، في ظل تراجعهم على المستويات كافة، وبعدما أطاحت الثورات المضادة، حراك المنتفضين في "الربيع العربي" وآمالهم في الحرية والكرامة كأساس للتقدّم والتطوّر.

لكن الفرادة اللفظية لا تكفي لإسباغ المديح على حدث هو في مجمله انعكاس للمشهد العربي الرسمي، خصوصاً أن المؤسسات التمثيلية للكتّاب العرب، ذات الصفة الرسمية، هي في الحقيقة -حتى وإن ادعى كثير من الكتّاب عكس ذلك- ليست سوى كيانات تابعة للأنظمة السياسية، وتقوم على وضع شخصية الكاتب المحلي ونشاطه ونتاجاته في جيب النظام، فيمسي الكاتب عاملاً تحت سلطته، ويعيش على جعالاته.

في هذا المسار، لم يأمل أحد من هكذا اجتماع أن يخرج عن المعتاد. بل إن الغاية منه، وبحسب منظّميه، كانت "تسليط الضوء على الثقافة الإسلامية وتاريخها المجيد من أجل رسم لوحة تبعث تاريخ "أرض المليون شاعر" (موريتانيا) التي لطالما كانت جسراً واصلاً بين افريقيا والعالم العربي، وكذا تسليط الضوء على مناصرة القضية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الصهيوني".

أي أنه، من الناحية العملية كان، ومن حيث التوجه السياسي، أقل قيمة من أي اجتماع عربي أو دولي أو مشترك، تجاه ما يحصل في فلسطين. إذ يُظهر الإعلان هامشية القضية لصالح أهداف محلية موريتانية. فأهداف اللقاء حددها، وبحسب وكالة الأنباء الموريتانية، وزير التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي، وزير الثقافة والشباب والرياضة والعلاقات مع البرلمان، السيد المختار ولد داهي، في أن "يجسد في كل أبعاده رؤية فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني؛ الذي يرى الترابط التنموي العضوي بين العالمين العربي والإفريقي، ضرورة في استعادة الأمة الإسلامية لمكانتها الثقافية والأدبية من خلال بذل كل الطاقات والجهود لاستعادة مكانتنا الثقافية"!

تحت هذا المانشيت العريض، يمكن إجرائياً تمرير أي شيء، وتعريض وتطويل أي قصة، لتحمل المعاني الكبرى التي تليق بوجود رؤى رئاسية من نوع ما. وهذا ما يمكن استنتاجه من ندوات باردة عُقدت بمضامين وطروحات أرشيفية باهتة ومتخشبة، كتلك الخاصة بالأدب العربي في إفريقيا. إذ قدم المشاركون "صورة عن الشعر والأدب العربي عموماً في جنوب الصحراء من خلال نماذج من الشعر والشعراء في كل من النيجر والتشاد وغامبيا وساحل العاج".



إضافة إلى ندوة أخرى حملت عنواناً أشدّ سقماً هو: "القلم حارساً، لثوابت الهوية والقيم" حرصت الأقوال فيها على أهمية اللغة العربية!.. و"أن تظل حاضرة بمقولها ومنقولها وتراثها وموروثها".

الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب، وجد الاجتماع فرصة سانحة، لمجاملة المضيف الموريتاني، ومشاركته الغايات، فجعل "سبل توظيف القلم في حراسة القيم وثوابت الهوية" حاضرة في اجتماعه، وكذلك "سبل مد جسور التواصل بين الأدباء في العالم العربي وأشقائهم في دول إفريقيا"!

وفي النهاية خرج من اجتماعه بمقررات وتوصيات، لا يحتاج القارئ لأن يدقق فيها، فهي تكرار لجهة الإنشاء والتقليدية للنتائج التي خرج بها من اجتماع دمشق بتاريخ تموز/يوليو 2022. وكما شكر الأعضاء آنذاك، رئيس النظام السوري بشار الأسد، الذي سبق والتقى بهم، أرسل المجتمعون في نواكشوط آيات الشكر إلى رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، محمد بن الشيخ الغزواني.

كان يمكن لهذا الاجتماع أن يكون فرصة لتقديم خطاب مختلف حول كل القضايا التي تضغط على عقول الكتّاب العرب، لا سيما قضايا شعوبهم، وفي واجهتها القضية الفلسطينية. غير أن تحولات الواقع، تحت وقع الدمار وسيول الدم، ليس في غزة وحدها، بل في كل مكان حكمه طغيان الأنظمة القامعة للشعوب، ما أفضى، ومنذ وقت طويل، إلى حقيقة تلح على أصحابها، وتقول: إن تغيير الآفاق يبدأ من استبدال هذه المؤسسات "الأدبية"، أو الانفضاض عنها، فهي جزء من آليات السلطات، ليس لتأبيد القمع والسيطرة فحسب، بل لإعادة الثقافة والمثقفين إلى الوراء... وبدلاً من تحري القوى الثقافية والفكرية التي يمكن أن تساهم في دفع التنميط والوصم بالإرهاب عن ثقافة المقاومة الحقيقية، ينعزل هؤلاء أكثر فأكثر وراء أنظمتهم، ويغدون في النهاية أذيالاً لأذيال.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها