الأحد 2023/11/05

آخر تحديث: 07:32 (بيروت)

الحرب وفلسطين اليوم..قضيّة حقّ تغلّفها مصالح الباطل

الأحد 2023/11/05
الحرب وفلسطين اليوم..قضيّة حقّ تغلّفها مصالح الباطل
القضية الفلسطينية على جدران مخيم البقعة في الأردن
increase حجم الخط decrease
القضيّة الفلسطينيّة لم تنتهِ يوماً لأنّها قضيّة حقّ: شعب أتى من يسلبه أرضه باسم إيديولوجيا قائمة على تزوير التاريخ وتأويلات عنصريّة للكتب المقدّسة، تطهير عرقيّ، تهجير، قتل واستباحة في أزمنة كان يستطيع العالم فيها أن يتظاهر بالجهل وأن يختبئ وراء ترف الصمت.

الحرب التي نشهدها اليوم لم تُعد إلى هذه القضيّة زخمها، فهذا الزخم لم ينقطع يوماً. لكنّها ذكّرت الناس الذين كانوا يتفكّهون بالنسيان أنّ ثمّة ما سيقضّ مضاجعهم ويؤرق رقادهم ويسحل راحتهم إذا هم استمرّوا في الحياة وكأنّ فلسطين غير موجودة. حتّى التعاطف الغربيّ الجارف مع دولة إسرائيل أتى مثقوباً: ثقبته أصوات الغربيّين، وعلى رأسهم الأمين العامّ للأمم المتّحدة، الذين هتفوا أنّ القضيّة أكثر تعقيداً من اختراق غلاف غزّة وقتل مئات المدنيّين هناك. ثقبته الأفلام التي توثّق الدمار العاتي (هل تذكرون؟ أيّام النكبة لم يكن هناك أفلام تصل بلمح البصر إلى العالم بأسره). ثقبه التضامن الكاسح مع فلسطين في غير بقعة في الأرض، ولا سيّما في صفوف كُثر من اليهود. وثقبه الصمت الذي يفوح من وجوه الذين يتضامنون مع القتلة لأنّهم يعرفون في قرارة أنفسهم أنّ جرائم الحرب ستبقى جرائم حرب حتّى بعد عشرات السنين، وأنّ الفلسطينيّ الذي لم يسكت في الماضي، ولا يسكت اليوم، لن يسكت في المستقبل. وسيحمل جروحه على راحتيه كي يكتب بمنطق الجرح خاتمة الحكاية. 

لكنّ الحرب الدائرة في فلسطين تغلّفها أيضاً مصالح الباطل. لا شيء يغفر لحركة «حماس»، وللإسلام الجهاديّ عموماً، مسعاهما إلى تحويل القضيّة الفلسطينيّة إلى قضيّة دينيّة فيما هي قضيّة إنسانيّة ووطنيّة تخصّ المسلمين وغير المسلمين؛ وتخصّ المؤمنين والعلمانيّين والملاحدة؛ وتخصّ الأحرار في الأرض كائنةً ما كانت مشاربهم؛ وتخصّ كلّ الذين يؤمنون بأنّ الحقّ، لا القوّة، يجب أن يكون المرجع، لا في السياسة فحسب، بل في الحياة برمّتها. لئن يحقّ للمرء أن يستمدّ طاقةً من دينه في سبيل مواجهة الظلم والقمع والعسف، إلّا أنّه لا يحقّ له أن يحوّل هذه المواجهة إلى معادلة دينيّة صرف. حريّ بالدين أن ينبجس منه العدل. لكنّ العدل لا يُختزل بالدين. تديين قضيّة فلسطين الذي اقترفته «حماس» كان الباب الذي نفذت منه دولة الملالي. فراحت تمارس زناها التوسّعيّ وتخوض صراعاتها الإقليميّة بالدم الفلسطينيّ. كان من «الطبيعيّ» أن تعلن دولة ولاية الفقيه أنّها لم تكن على علم بعمليّة «طوفان الأقصى» كي تحمي نفسها من أساطيل الفرنجة. فهذه هي الحجّة الوحيدة التي يمكن استخدامها لتبرير عدم فتح جبهة الشمال الإسرائيليّ ووضع الكيان الصهيونيّ بين فكّي كمّاشة كان يمكن أن يفضي إلى «تحرير القدس»، التي ما زال بعضهم يمنّي النفس بالصلاة فيها قبل أن يردّه الله إلى جوف الأرض. اليوم، وفي قراءة نقديّة للماضي لا بدّ منها، نكتشف أنّ الصوت الفلسطينيّ الذي فكّك الحلف بين «المتفقّهين» في إيران و«المتحمّسين» في فلسطين كان خافتاً على الرغم من حضوره. كذلك نكتشف أنّ السلطة الفلسطينيّة ضيّعت غير مرّة فرصة تصويب البوصلة، حتّى إنّها سقطت أحياناً في فخّ مغازلة المتديّنين وتبنّي بعض التأويل الدينيّ للقضيّة الفلسطينيّة من باب التنافس مع «حماس». 

غداً ينقشع دخان الحرب على الرغم من أنّ الطعنة التي تلقّتها إسرائيل في عنجهيّتها توحي بأنّ هذه الحرب ستطول. فهل تبقى القضيّة الفلسطينيّة في سوق النخاسة يتاجر بها رجل الدين الملتحي، أم إنّ ثمّة فجراً جديداً سيبزغ من قلب الكارثة التي تشلّع غزّة اليوم وتكاد تمتدّ إلى فلسطين بأسرها؟
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها