الخميس 2023/11/02

آخر تحديث: 13:53 (بيروت)

جاكلين سلام لـ"المدن": الأدب شاهد على زلزال الهجرة العنيف

الخميس 2023/11/02
جاكلين سلام لـ"المدن": الأدب شاهد على زلزال الهجرة العنيف
كلمة سياسي، صارت متسخة بسبب قبح السلطات السياسية
increase حجم الخط decrease
بعد حوالي ربع قرن قضته في المهجر، قررت جاكلين سلام أن توثق تجربتها، لا من خلال كتابة سيرة ذاتية تقليدية، لكن عبر سرد مجهودها في التواصل مع "وطنها" الجديد، وتقصي أثر الهجرة بشكل عام في الحياة اليومية وما ينتجه المهاجرون من نصوص. فأصدرت الشاعرة والمترجمة السورية-الكندية مؤخراً كتاباً بعنوان "حوارات على مرايا الهجرة" يضم حوارات أُجريت معها، وعشرة حوارات أجرتها هي مع كتّاب كنديين ومهاجرين من أصول عربية، بالإضافة إلى عشرة مقالات بحثية ومترجمة من الإنكليزية إلى العربية، بما يشكل بانوراما ثقافية فكرية اجتماعية انطلاقاً من أولى الهجرات إلى كندا من بريطانيا العظمى، وصولاً إلى هجرة العرب والمسلمين من الشرق الأوسط، وانعكاسات الأثر في الكتابات الأدبية على تنوع أجناسها.

وتتناول جاكلين سلام في مقالاتها وحواراتها أعلام الأدب والجوائز الأدبية الكندية وبعض الفائزين بها، والاحتفالات الشعبية والمهرجانات التي تقام في الشوارع والمراكز الثقافية على مدار العام، بالإضافة إلى أفكار أخرى عن الشعر والحداثة، والتعددية الثقافية، والحرية المدنية والقمع، وتحولات الكتابة النسوية عربيًا ودولياً، وغيرها.

تقول جاكلين لـ"المدن" إن الحوارات والمقالات التي اختارتها للنشر انتخبتها من بين عدد كبير من المقالات الأخرى المنشورة في الصحافة العربية والمهجرية كي تكمل الثيمة الأساسية للكتاب؛ آثار الهجرة في وجوهنا ومرايانا، قصصنا وقصائدنا ورواياتنا.

الثقافة الكندية بكل أعراقها لها نصيب كبير من اهتمام جاكلين لأنها كما تقول: "بيتي ولغتي اليومية منذ ربع قرن". قرأت ما استطاعت من نتاج أدباء كندا، حضرت مهرجاناتهم، التقتهم شخصياً وكتبت عنهم وهي تختبر الغربة وتتعلم، تتعثر وتقف وتتابع من جديد. وفي حوارات الآخرين معها، كانت أيضاً معنية بتلمس أبعاد الهجرة عليها وعلى أشباهها في هذا المضمار الشرس، لذا تلخص الأمر بقولها: "قد تكون هذه الكتابة شهادة وسيرة شخصية وعامة محورها الرحلة المهجرية المشتتة الثرية بالاكتشافات والعثرات".

- يمكن اعتبار الكتاب نتيجة 25 عاماً من العمل الصحافي. فهل كنت تطمحين من وراء تجميع هذه الحوارات، إلى أرشفة تاريخ شخصي تخشين عليه من الضياع؟ أم كتابة تاريخ جديد لعلاقتك وعلاقة من حاورتهم مع المهجر؟ ولماذا اخترت هذا العنوان؟ ما دلالته بالنسبة لك؟

* الحوارات الرسمية عادة تجري هنا حول طاولات مستديرة وغالباً من خشب فخم معتق. لكن هذه الحوارات تعكس صور الأنا والآخر في مرايا الواقع والذي يعيش بعيداً من البيت. والمرايا أحياناً تكون خادعة وتغرقنا في الذاتية، لكنها مرايا الحوار مع الآخر وليست بحيرة نرسيس والأنانية والتوحد.
هذا كتاب يقول للعالم: بهذه الصورة كنا نعيش ونكتب ونتألم ونعشق ونعمل ونحلم، أنا والذين في صحبتي من رفاق القلم. حين وجدتني مأخوذة بالكتابة الصحافية، كان البُعد الإنساني والعالم الأفضل هاجسي. وفعلت ما أستطيع عبر البحث الاجتماعي والأدبي والنقدي. كل كتابة هي هجرة من واقع الحال إلى ما بعد حدود الخيال.
وضعت لبنة عوالمي المتخيلة بحرية ممزوجة بالقلق والحذر. لم أتبع في بحثي خطاً أكاديمياً أو مهنياً مقولباً من أجل إيصال فكرتي إلى القارئ. مارست كتابة ما أحب بشغف. في مسيرتي هذه كنت سيدة قراري لم أكتب بناء على طلب لأي جهة ولم أخضع لأي املاءات وهذا صنيعي وبصمتي التي أتمسك بها.

يتقصى الكتاب أثر الهجرة، ليس في اللحظة الحالية فقط، لكن عبر فترة زمنية ممتدة، والحقيقة إنه في فترات سابقة كان هناك تركيز واهتمام بفكرة الحضور والتأثير العربي في الغرب، لكن بهت الأمر الآن وعاد لخموده القديم خاصة في أعقاب الانشغال الداخلي بعد موجات الثورات العربية. أو ربما كانت هذه الثورات نفسها هي السبب بعدما دفعت بعدد كبير من البشر في محطات الهجرة الاختيارية أو الإجبارية، فأصبحت الاهتمامات تجري في اتجاهات أخرى وتغيرت في الوقت نفسه خريطة الأدب العالمي. في هذا السياق: كيف ترين التأثير العربي في الغرب حالياً؟ وكيف يؤثر ذلك في عرب المهجر؟

* المواطن العربي قديماً وحديثاً ضحية الاستبداد الداخلي والخارجي والسلطات التي تغير قبعتها وألوانها ولا تغير جوهرها إلا بما يسمح لها بالبقاء أطول فترة ممكنة تمتص فيها خيرات البلاد وتقتل الأحلام وتنفي عشاق الحرية والكتب الناقدة. وهذه المنظومة خلقت بدورها صورة مسبقة "ستريوتايب" عن العرب في أذهان الآخر /الغرب. وصار على العربي/الشرقي المعاصر أن يحاول كسرها وترميم إطار وجوده المعرفي والفكري من خلال كتابة تتجاوز الموروث والسلفي وأمراض العصر.
لنقل إن التأثير الذي يرجوه أي طرف منتج للمعرفة الكونية هو أن يرسخ قواعد بناء مجتمع قائم على التفاهم الحضاري والقبول وليس على الصراع والسيطرة والعدوان.
الحراك الهائل للمهاجرين واللاجئين صوب الغرب -المنقذ والذي تسببت به الثورات العربية الفاشلة والتي عجزت عن الإتيان بحاكم أفضل من الديكتاتور الأسبق، طرح مأساة أخرى لن تظهر نتائجها بسرعة. الأثر النفسي والمادي والمعنوي سيكون له ارتكاس على طبيعة العلاقات الأسرية، وسينسحب على أنماط التفكير العرقية والتي لها سطوة قوة رأس المال وأخلاق السوق الاقتصادية التي تلعب بالبشر، بيوتهم الزوجية، علاقات الأهل بالأولاد، وتلك القسوة/الشتات المريع. هناك الآن حركات جديدة تقترب من النازية في طروحاتها العرقية. هناك كراهية متبادلة بين هذا العرق وذاك، بين المواطن الأصيل واللاجئ. وهناك شريحة قليلة سلمية إنسانية، تريد أن تصنع التوازن بين الألوان والشعوب. وهذا من مهام المفكرين والشعراء الأحرار.
وهذه الانقلابات لم تقلب الطاولة على رأس الأشرار والطغاة، بل دفع المواطن العادي الثمن، وما زالت البدائل عاجزة عن تحقيق نصف حلم الكرامة والعدالة والحرية والأمان وأبسط مقومات العيش الكريم للمواطن.

- كيف سيكون إذاً شكل التأثير وفق هذه الرؤية؟

* أعتقد هناك من يتسول تعاطف الغرب، ويشق قميصه وجرحه كي يقنع الغربي بحجم المأساة ويفرح بكتاب له منشوراً بلغة الآخر إذا قدر له الله، وتوجهات السوق العالمية وكواليسها. وسيكون هناك ضحايا لهذه الهجرة-القسرية الطوعية- سيأكلهم الصمت والحزن. هناك مأساة اللغة الجديدة وتعلمها مع التقدّم بالعمر، وفرص إيجاد العمل المناسب لأصحاب الكفاءات. كل هذا سيخلق نقمة وأمراضاً نفسية تنخر لب المجتمع وسيكون الأدب شاهداً ومرآة. سنقرأ خسائر البشرية في الكتب بصور شتى إثر هذا الزلزال الكوني الاقتصادي العنيف والعدواني.
الكاتب العربي عليه أن يكافح بشراسة كي يثبّت قدماً في الغرب ويحتاج الأمر إلى "سلطة ما" كي يصل إلى الناشر والقارئ الأجنبي. موضوعات الأدب وثيمة الكتاب لها حيز كبير في النجاح. الدارج اليوم عالمياً من فنون: ما بعد الخيال العلمي، المثلية الجنسية والتحول الجنسي، العلاقة بين الحيوان والإنسان، وهناك موضوع مهم ومطلوب وهو: البيئة وخسائر الطبيعة والكوارث، وهناك قطبي المأساة: لون الجلد: الأبيض والأسود، البني ونحن الذين نعتبر من الأقليات والشعوب الملونة.

شاركتِ مؤخراً في اليوم العربي الأول بمهرجان تورونتو الدولي للمؤلفين. وبالعودة للسؤال السابق ما الذي يمكن أن تقدّمه فعاليات كتلك للأدب والكتاّب العرب من أثر وتأثير متبادل؟

* هذا المهرجان الدولي للمؤلفين في تورونتو كان تتويجاً لحصيلة عملي الطويل والميداني في الشارع الكندي وفي الكتابة. المهرجان يقدم نافذة للتواصل مع الآخرين على اختلاف توجهاتهم. وهو فرصة للحوار مع القراء وهذا ما يبحث عنه كل مبدع. لفت نظري حضور الشباب الواضح، مع نسبة أكبر للمعمرين من رجال ونساء من كل الإثنيات.
وأهمية هذا المهرجان أنه يعطينا فرصة كي نقرأ في الصالة نفسها التي يقرأ فيها البرتو مانغويل، مارغريت أوتوود، سوزان سوان، وآخرون لا حصر لأسمائهم، وللأسف الأسماء الكندية غير معروفة عربياً بسبب قلة التراجم في هذا الباب.
هذه فرصة لكل كاتب أن يضع بصمته الفردية في البيت الكندي. أعتقد أننا ككتّاب قادمين من الشرق، لا نتشابه في أفكارنا وطروحاتنا وطريقة معالجتنا لما نعرف ونشهد وما نتخيل. الأدب وثيقة فردية بالدرجة الأولى، ولها بصمة المكان الأول والثاني، بلا شك.
شخصياً، أتحدر من أرومة سريانية، لكني أجيد العربية وأكتب بها، وأشتغل وأعيش من مهنتي كمترجمة بين العربية والإنكليزية. هذا المهرجان يشفي نقصاننا وشعورنا الدائم بالهامشية، وبمعادلة غير متوازنة بين اعتبارات التفوق بين الشرق والغرب. نحن نريد حصتنا من خبز الحياة والكرامة. صوتنا الفردي عربون وجودنا كعالكين ومنتجين للمعرفة الإنسانية، وقدرنا أننا نكتب لغة جميلة الحرف ومن اليمين إلى اليسار.

الحقيقة إن الأسئلة التي طرحها البرنامج العام للمشاركة العربية في المهرجان ملفتة جداً وأحب أن أعرف رؤيتك حول المواضيع التي طرحتها. ويمكن تقسيمها أولاً لمحور الهجرة وسؤاله الأساسي كان: هل محكوم على الكاتب العربي أن يعيش في أي مكان بصفته كائناً سياسياً؟ وهل هو مجبر فعلاً على حمل أثقال الداخل أكثر من الكاتب في الداخل؟ ما الذي تخفف منه الكاتب العربي في المهجر وما الذي أثقله؟

* أعتقد أنني معنية أكثر بالكائن الاجتماعي وسيرورة المجتمعات في بنيتها الأساسية/الأسرة والفرد والرجل والمرأة ومن الذي يريد أن يسود ويسيطر. هذه سياستي في قراءة الخريطة العربية.
كلمة سياسي، صارت متسخة بسبب قبح السلطات السياسية التي لها الكلمة الفصل. شخصياً، أميل إلى نبذ السياسي والتقرب من العقل النقدي والمفكر والمحلل للظاهرة الاجتماعية والأدب. سياسة الأديب صنع الجمال وتزيين الكون بأبجدية التسامح والسلام والكرامة للجميع وهذه سياسة بأدوات مغايرة.

- المحور الثاني كان محور الإبداع أو الشعر على وجه الخصوص وسؤاله: ما هو دور الشعر اليوم في ظل انحسار الإقبال عليه من الناشرين في مقابل تغوّل الرواية؟ هل استقال الشعر من أدواره القديمة؛ صوت المقهورين والمنسيين والضعفاء؟ هل استقالت القصيدة الجديدة من فكرة الالتزام بقضايا الشعوب وتوقها للحرية؟

* الشعر ليس في منافسة مع الرواية وليس أقل منها ولا أكثر. ولو قدر لصاحب المال العربي أن يطلق جائزة ثمينة للشعر الحر لأصبح نصف الصحافيين والروائيين، شعراء أو مدعي شعر.
الشعر اليوم أكثر حرية وصدقاً وواقعية مما كان حين يلتزم بالخطابة الرنانة والحماس القومي.  الشعر الذي أحبه وأنحاز إليه هو الذي يكسر قالب الشكل المتزمت، ويطرح جماليات اللحظة، والشراكة الروحية بين الطبيعة والإنسان، والجمادات من حولنا. سياسة الشاعر تهذيب الروح والانطلاق إلى أعلى منابر الحكمة والفلسفة من دون أن يطغى القول المباشر على الصوت الشعري والفنية المطلوبة من القصيدة التي ليست بياناً اجتماعياً أو سياسياً.
القصيدة استقالت من الخطابة بصوت حاد وواعد ومتوعد. قضيتي كامرأة هي جزء من قضايا الشعوب وإشكالات الحرية والعبودية. ما تزال المرأة تقتل بسبب اختياراتها الشخصية في العشق والزواج والطلاق وما إليه. الجسد والعشق قضية إنسانية كبرى بمثل أهمية شجرة التفاح ومعصية آدم وحواء.

تقولين في إحدى تدويناتك: "حين ينبثق أمامك نص يسخر أو يبتسم، لا تمتعض وتقُل: هذه خفة لا داعي لها ونحن في زمن الحرب والقضايا الكبرى". لكن ألسنا فعلاً في زمن الحرب والقضايا الكبرى؟ ماذا كنت تقصدين تحديداً؟

* السخرية المبطنة والناقدة سلاح قوي يخيف أصحاب الشأن والسلطة، لذلك نسمع عن اعتقال وتصفية فنانين يعملون بفن الكاريكاتير في الغرب كما في الشرق. الضحك خطاب خطير ولاذع وذكي ولا تتقبله بعض السلطات في العالم. إذا نظرنا إلى أي بلد عربي، سنتعرف على عدد من الساخرين الكبار الذين لهم أدواتهم في إعلان الغضب على الواقع وشن الحرب على نواقصه. الساخر جورج برناردشو، كان مدرسة فكرية وسياسية وفنية بسخريته الحادة الجريئة الناقدة. هنيئاً لمن يستطيع أن يكتب بسخرية ليعري أمراض المجتمع. الساخر والمرح لا يقل أهمية عن صاحب الخطاب السياسي والبرامج الإصلاحية. الساخر فنان ماهر وله توجهات سياسية بلا شك.

أنجزتِ ستة كتب في الشعر والصحافة، لكن الحقيقة إن الوصول إلى هذه الكتب ليس أمراً سهلاً. إلى أي حد ترين أنك تضررت من عدم توافر الأعمال أو صعوبة الحصول عليها؟ وهل تسعين لإعادة طبعاتها أو تجميعها؟

* بدأت بكتابة المقالات في الصحف الورقية. أول ديوان لي نشر الكترونياً في موقع المرايا الثقافية. ثم نشرت الدواوين الأربعة الأخرى ورقياً في بيروت وفي دبي. كانت التجربة مع الناشرين قبل وبعد النشر أسوأ مما تخيلت، بل كانت قبيحة. توجهت أخيراً هذا العام إلى النشر عبر منصة الكترونية كي أخفف عن نفسي مأساة التعامل مع الناشر قدر المستطاع.
نعم يهمني أن يصل كتابي إلى القارئ ولذلك أعدت نشر ديوان واحد العام الماضي وقد أفعل ذلك مع البقية لأنني أثق بتجربتي وبلا غرور، وإلا لماذا أكتب أساساً! أؤمن أن النص المكتوب يموت بموت القارئ.

على ذكر البدايات، ربما بدأت الكتابة في مرحلة مبكرة، وبالتأكيد الكتابة من المهجر مختلفة تماما عن الكتابة من الوطن الأم، لكن لماذا تأجلت مرحلة النشر حتى الوصول إلى كندا العام 1997؟ وكيف تنظرين الآن للسنوات التي قضيتها منشغلة في تثبيت وإثبات نفسك في مكان جديد بعيد من الوطن، هل أضرك ذلك على مستوى الكتابة؟

* أعتقد أن وجودي خارج النسق والتيار العام العربي نعمة وليس ضرراً. التنازلات والمحسوبيات والمؤامرات الصغيرة والكبيرة في بيوت الثقافة العربية لا تستهويني وأرى آثارها جلية في الساحة. ولو أردتُ الانخراط في "الركب" لأمكنني ذلك. فالشرق ما زال يعامل المرأة التي في الخارج كما لو أنها (برنسيسة) أو طريدة أو ما شابه. وهناك نساء يسعين إلى ذلك ويجدن مكاناً وتوصيات وبطاقات ترضية لعبور المهرجانات وما إليه. أما أنا فلم يكن هاجسي في ربع قرن سوى الكتابة في أجناس عديدة والتعبير عن أفكاري بحرية وضمن إطار الحد المسموح به عربياً.
في كندا خلقت لنفسي حيزاً من الحرية كانت ضريبته باهظة على كل الأصعدة. ربما حرضني جني الشعر الذي في رأسي على كسر الإيقاع والخروج من القوقعة كي أبحث عن صوت جاكلين وأفقها الغائب. وجدت بعضاً من صوري وأنا أصطدم بجدران المكان الكندي وأبجديته.
هل تأخرت في النشر؟ لا أعتقد أن هناك عمراً محدداً لنضج الفعل الإبداعي. بعضهم يكتب مبكراً ثم يندم على ارتكاباته الأولى.

وهل من جديد على هذا الصعيد. صعيد النشر؟

* لدي مجموعة قصصية، وترجمات وديوان شعر، لا مناص من أن أتورط في عملية النشر من جديد بعدما كان آخر ديوان شعري "جسد واحد وألف حافة" قد صدر في 2016.

كيف تطورين علاقتك مع القارئ العربي الذي تكتبين له في ظل هذا الغياب الاضطراري؟ وإلى أي حد أفادتك وسائل التواصل الاجتماعي؟ وكيف ومتى تفكرين في القارئ، قبل الكتابة أم بعدها؟

* حين يتعطل الانترنت قليلاً، أشعر بالاختناق. لأن عملي اليومي مرتبط بالشبكة الالكترونية. وهذه حالة كونية، ثمة انزياح لعالم قديم وآخر قادم مسلحاً بالفضائيات والخيال العلمي والذكاء الاصطناعي. نحن وكتبنا على الحافة، والمجاهيل كثيرة، لذلك لجأت مكتبات عربية كبرى وعالمية إلى ترقين محتوياتها في مخطوطات الكترونية لحفظها من التلف المتعمد والكوارث العرضية المحتملة.
منصات التواصل الاجتماعي صارت أكثر أهمية من العالم الورقي الآن. لدي صفحة فايسبوك للعموم، وأخرى شخصية أنشر فيها أفكاري وتدويناتي طازجة ومن دون تحفظ. أنشر أحياناً قصائد من دواويني المنشورة سابقاً بشكل ورقي. أعتقد أن الشعر ضحية هذه الحقبة بسبب الخلط ما بين الجيد والرديء المنشور بغزارة وسهولة.
أفكر بالقارئ في المراحل الأخيرة من تنقيح نص شعري أو قصصي، وأشعر بالرهبة في تلك اللحظة التي أقرر أن أطلق كتاباً أو نصا شعرياً. أكتب للقارئ الذي أختلف عنه ومعه. لا يهمني أن أكتب فقط للذين يحبون صوتي. مهمة الكاتب التسبب في الصدمة الجمالية وطرح الاختلاف بصدق فني.
أنا قارئة بالدرجة الأولى قبل أن أكون كاتبة، وأحترم قلم الكاتب الذي يحرضني على التفكير بطريقة طازجة، مغايرة، مثيرة، وبأدوات الفن الصادق. أحلم بقارئ يعرفني من كلماتي بأكثر مما أعرف روحي التي بين صفحات الكتاب.

- أخيراً، أنت شاعرة، مترجمة، صحافية، كيف تحبين أن يتم تعريفك الآن؟

* أحب أن يمثلني منجزي كامرأة مشروعها الجمالي توسيع رقعة الفرح والسلام على وجه هذا الكون. أحب تعريفي بأنني كائن لا يسلم القلب والروح كاملاً إلا للغة وسحرها الذي ينقذني من ميراث الخوف والخسارات ليعيدني عاشقة حالمة. كل ما أكبته كصحافة وشعر وترجمات ينتعش في هذا الحقل الأخضر.
________________


جاكلين سلام:
شاعرة ومترجمة وكاتبة صحافية سورية، هاجرت إلى كندا العام 1997، صدرت لها دواوين شعرية، هي: "تطعم الغيمات برتقالاً"، و"رقص مشتبه به"، و"جسد واحد وألف حافة"، و"المحبرة أنثى"، و"كريستال"، و"خريف يذرف أوراق التوت".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها