الجمعة 2023/11/10

آخر تحديث: 14:24 (بيروت)

خالد المطاوع لـ"المدن": "ألبوم ليبيا" طريقتنا الأنقى للانتماء للوطن

الجمعة 2023/11/10
خالد المطاوع لـ"المدن": "ألبوم ليبيا" طريقتنا الأنقى للانتماء للوطن
إن كل ماض بإمكانه أن يصبح زمناً جميلاً
increase حجم الخط decrease
"إن الأوضاع في بلادنا سيئة، ولكن هل هذا كل ما لدينا لنقوله عنها؟".
سؤال طرحته مجموعة من المثقفين والفنانين الليبيين، وجاءت إجابته في المشروع الذي أطلقته مؤخرا مؤسسة أريتي للثقافة والفنون. مشروع "ألبوم ليبيا"، والذي يجمع صوراً وقصصاً من السير الشخصية للعديد من الأدباء والشعراء والفنانين والمثقفين الليبيين، في فسيفساء سردية تغطي جوانب متعدّدة من حياة الليبيين منذ منتصف القرن الماضي. المشروع يضم كتاباً فخماً، وموقعاً في الإنترنت، ومعرضاً للصور أقيم في ليبيا ويطمح القائمون عليه الخروج به لمناطق أخرى من العالم.

يحاول المشروع استعادة الوجه الحقيقي لليبيا، الوجه الإنساني المختفي وراء غبار المعارك وضجيج الخلافات. فعبر الصور والحكايات الشخصية يقول المشاركون أن حياة طبيعية كانت تجري هنا، وسنحاول استعادتها ولو من الذاكرة. الكتاب حسب تقديمه: "قصيدة حب جماعية أشعلتها شرارة الحسرة والشجن"، يجرّب أن يعطي صورة مختلفة عن ليبيا، التي لطالما تمت تغطيتها في الإعلام العربي والعالمي من وجهة نظر سياسية بحتة تركّز على النفط والحكم الديكتاتوري والصراع على السلطة، يتصدّى للصورة التي يرسمها السياسيون وصراعاتهم عنها وحولها، كما أنه محاولة لاسترجاع هذه المسؤولية وتسليمها لليبيين كأشخاص، لفنانيهم وأُدبائهم ليعطوا صورة إنسانية عن بلادهم. هو في مجمله، رسالة حب لوطننا ولأهلنا ومواطنينا الليبيين، ولن يغيب عنهم أن هذه الرسالة الجماعية هي نتيجة تفاعل مع الوضع السياسي والاجتماعي المعاصر في ليبيا. وضعنا -الذي لا يخفى على أحد- هو حالة من التشظي والعبث وإهدار الفرص نتج عنها حروب ضاع فيها الكثير من الأبرياء الذين كانوا يتمنون مستقبلاً أفضل، ولعل أفدح ما عانيناه في ليبيا في هذه الآونة الأخيرة أننا تهنا عن أنفسنا، أو عن الذات التي كنا نعرفها والتي نطمح أن نكون".

هنا يتحدث لـ"المدن" المشرف على المشروع، الشاعر والأكاديمي الليبي خالد المطاوع، ويكشف تفاصيل أكثر عنه وعن خطواته المقبلة.

- متى حضرت الفكرة، وكم استغرق تنفيذها فعلياً؟

* لا أذكر بالذات متى أتت الفكرة، لكني كنت كتبت أول تصوّر للمشروع في 2015، وكانت الفكرة نضجت في ذهني حينها. كنت دائماً أجد تجاوباً جميلاً مع الصور القديمة ضمن الأصدقاء، وكنت استغرب حضور الذاكرة وكيف أن الناس في ليبيا، خاصة في المدن، يعرفون بعضهم البعض، وأن شبكاتهم الاجتماعية واسعة. اتضح لي أن هناك ذاكرة جماعية حميمة بين الليبيين وأنها غيبت في زمن القذافي لأنه كان يريد أن يكون الرمز والصورة الطاغية في مخيلة الليبيين وفي نظرة العالم لليبيا.

خلال التحارب بعد الانتفاضة، وشبه انقسام البلد منذ العام 2014، بات ضرورياً أن نجمع أجزاء من هذه الذاكرة الجماعية/الاجتماعية ونقدمها لليبيين بكل الوسائل المتاحة. تطلب تنفيذ ذلك، تكوين فريق يشمل الفنون التي يستخدمها المشروع (كتابة، تحرير، صور، وفن التصميم)، وهم ريم جبريل، ليلى المغربي، وطه كريوي، وأنا.. ثم بدأنا فعلاً العمل على المشروع في العام 2019، أي أربع سنوات.

- كيف كانت آلية اختيار المشاركين وأجواء التحضير بشكل عام؟

* آلية الاختيار كانت شمولية وعشوائية في الوقت نفسه. وضعنا لائحة لحوالى 400 أديب وفنان وإعلامي وناشطين في المجتمع المدني، ومَن تجاوب معنا ووفى بمواصفات الفكرة، نشرنا له. كثر لم يفهموا الفكرة، وأكثر من ذلك لم يردّوا على مراسلاتنا. أردنا أن يكون هناك تنوع ليشمل أكبر عدد ممكن من الخلفيات والأعمار، وأن يكون هناك توازن جندري، وهو بالذات ما قد يجعل هذا مشروعاً مختلفاً بشكل حقيقي. كما ركزنا على الجانب الشخصي، وأن كل فرد يتحدّث عن ذاته ولا يشعر أنه يمثل منطقة أو توجهاً سياسياً، ولا أن يكتب لنا خطاباً طناناً عن حب الوطن، الخ. بعض الأشخاص أرسلوا لنا حكاياتهم بسرعة، وأرسل آخرون نصوصاً قصيرة حاولنا أن نجعلها أطول وأعمق، وهناك من أرسل نصوصاً طويلة كان لا بد من اختصارها لحد ما. بعض النصوص وجدناه منشوراً سابقاً فحاولنا تحويره لكي يكون مناسباً لغرض الكتاب. كما كان انتقاء الصور ذا أهمية، وفي بعض الحالات النادرة التي كان الكاتب يفتقد لصورة ترافق حكايته، وجدنا طرائق لتوفير صور مناسبة.

المقدمة تصف الألبوم بأنه "قصيدة حب جماعية أشعلتها شرارة الحسرة والشجن"، لكن في ظني أنه أكبر بكثير من ذلك. ما الذي تطمح إليه من وراء هذا المشروع؟

* الحسرة والشجن ربما أشعلتا المشروع، لكنهما لم تكوّنا المشاعر التي جعلتنا نداوم فيه. أولاً، شعرنا بأن هذه الحكايات يمكنها أن تصنع فسيفساء، وأن كل حكاية بسيطة، بالرغم من محدوديتها وخاصية همومها، عندما تلتحق بالحكايات الأخرى فهي تضيف لصورتنا عن ليبيا والليبيين بشكل ملحمي لأنها توسّع رقعة المشاعر المرتبطة بالمكان وتنوع الخبرات، وتجعلنا مذهولين بأن هذا البلد يحتوي على هذا التنوع العاطفي والإنساني. وجدنا أن هذا الاكتشاف بإمكانه أن يعطينا طرقاً أخرى للانتماء، بل وللطريقة الأنقى والأصدق للانتماء، ألا وهي أننا ننتمي للوطن من خلال الآخرين الذين يقطنونه، الذين يختلفون عنا، لكنهم يشاركوننا خبرة إنسانية معينة لها علاقة بالمكان والعادات والتقاليد والمحن والمسرات المشتركة. أردنا أن تكون هذه الصور والحكايات وغيرها من المصادر، مثل الأدب والفنون والذوق عموماً، هي منبع الانتماء الأساسي بدلاً عن الحكايات الكبرى التي تمليها الحكومات والسلطات المهيمنة الأخرى على الناس.

- تحاول رسالة الكتاب الابتعاد قليلاً عن السياسية، فإلى أي حد نجحتم في تجنبها أو تحييدها وهل يمكن ذلك بطبيعة الحال في بلادنا؟

* من الصعب ربما تجنب السياسة، لكنها ليست كل شيء، وهذا ما علينا أن نتذكره. في ليبيا كثيراً ما تجد العائلات مقسومة وفقاً للتيارات والجهات السياسية المختلفة، ويحدث هذا الانقسام بالرغم من أن ما يجمع هؤلاء الناس أعظم وأهم لهم. وأتضح أيضاً أن التيارات المهيمنة في ليبيا فشلت في لمّ شمل البلاد، بل وتستمد قوتها من إبقاء البلاد في هذا التشرذم. لذا كان لا بد من ترك السياسة جانباً والدعوة لنوع آخر من الحوار ينمي التماهي والالتئام. أظن أن محتويات المشروع نجحتْ في ذلك إلى حد كبير. بالنسبة لبلادنا عموماً، أظن أننا فعلاً محتاجون، على المستوى الاجتماعي، أن نسترد حق تعريف ذاتنا من الكيانات السياسية التي تريد أن تقولبنا /أو تفرقنا حسب احتياجاتها السياسية. نحن بحاجة أن نكون صورة لأنفسنا في مخيلتنا الجماعية أمتن من التمييع والتمييز الذي تعتمد عليه السلطة.

- فكرة الموقع الالكتروني والمَعارض المتجولة، ربما تعنى استمرار المشروع وإمكانية الإضافة إليه مستقبلاً. هل هذا صحيح؟ وإن صح فلماذا كانت الطباعة الآن؟

* الأمل هو أن يستمر الموقع سنوات عديدة، ليضم عدداً أكبر من الصور والحكايات. لكن الموقع لا يجلب الناس للمادة وللحوار بالشكل الذي يمكن أن يحدث في المعارض والندوات المصاحبة لها، لأن مشاهدة الصورة الأصلية بشكل يشبه الألبوم والتحاور حولها ومع بعض كتّابها، يولد أفكاراً وانطباعات جديدة وملهمة لدى المشاهدين ويتبادلونها معنا وفي ما بينهم. طبعنا الكتاب لأنه، كما اكتشف الكثير من الناس، له قدرة البقاء بشكل أفضل من المواد الرقمية والمواقع في الانترنت التي بإمكانها أن تختفي أو تغلق في أي لحظة. كما أنّ الكتاب أعطانا فرصة، وهي أفضل فرصة، لعرض الصور بالشكل الأمثل والأجمل.

- تقول في مشاركتك "إن كل ماض بإمكانه أن يصبح زمناً جميلاً إلا إذا حاولت أن تعيده ثانياً". كأنك تريد أن تقول إننا لا نأخذ من استعادة الماضي إلا الحسرة، وهذه الفكرة تبدو مغايرة لرسالة الألبوم الأساسية، ففكرته كما وصلتني صرخة في وجه العالم مفادها: "لدينا أشياء أخرى غير الحروب والانقسام والاختلاف، كانت لدينا حياة عادية أو شبه عادية". ألا يمكن أن نتمنى استعادة تلك الحياة أو حتى محاولة الاقتراب منها؟ أتمنى لو توضح لنا فكرتك..

* ربما أنا أسأت التعبير. ما قصدته هو أن محاولة إعادة الماضي وعيشه مرة أخرى، كأن كل التحولات التي طرأت منذ ذلك الوقت لم تحدث، غير مجدية. هنا تصبح محاولة عَيش الماضي صراعاً مع سنّة الحياة وهي التجدد. لكن دراسة الماضي والتمعن فيه بشكل موضوعي مهم جداً ومفيد لنا، وقد يعطينا فكرة أخرى عن حياتنا وخبرتنا لم ندركها بعد. العقل الباطني والذاكرة يطمسان الماضي لمصلحة حاجاتنا النفسية الآنية، فهناك من يقنع نفسه أنه عاش طفولة بائسة، لكن ربما إعادة النظر في الماضي بشكل منصف قد توحي بغير ذلك. ويحدث العكس عندما تطغى النوستالجيا إلى ماض جميل قد تجعلنا لا نرى إيجابيات ما هو حولنا. يحدث طبعاً، وهذا ما ذكرته في حكاياتي، أن نرجع لأماكن الماضي رغبة في تناسي أو إزاحة ما هو مؤلم في حياتنا الآن، وهذا طبعاً غير مُجدٍ أيضاً. "ألبوم ليبيا" يحاول أن يقدم صورة حميمية لماض جماعي، فيه خبرات مختلفة، قد تحفزنا لإيجاد الجمال المشترك بيننا، وأن نقبل حياتنا بما فيها من بهجة وأسى.

- هل فكرتَ في تنفيذ فكرة مماثلة خاصة بمدينة درنة مثلاً، بعد الطوفان، أم أن الكارثة ما زالت قائمة ولا مجال لأفكار من هذا النوع الآن؟

* نتحدث مع بعض الزملاء بخصوص مشروع حول درنه لأننا ندرك أن الكثير من ذاكرة تلك المدينة وأهلها قد يختفي تماماً. لكننا نحتاج لبعض الوقت للتخطيط ولإيجاد الموارد المطلوبة.

- ما الفعاليات المرتقبة الخاصة بالألبوم وبمؤسسة آريتي؟ وهل هناك مجال لإقامة المعرض خارج ليبيا؟

* نخطط لعرض مشروع الألبوم خارج ليبيا، في مصر وانكلترا تحديداً، وربما الولايات المتحدة. أما بالنسبة لمؤسسة أريتي، فنعمل على مشاريع عديدة، منها محترف الرواية الليبية، وموقع قصائد للحياة، وفصلية "الغرفة 211." وهي كلها مشاريع جديدة اطلقت هذا العام بدعم من الصندوق العربي للثقافة والفنون.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها