الجمعة 2023/01/20

آخر تحديث: 12:29 (بيروت)

"ميغان" الرعب الصافي.. ما سرّ النجاح الكبير؟

الجمعة 2023/01/20
"ميغان" الرعب الصافي.. ما سرّ النجاح الكبير؟
يلعب الفيلم على وتر الخوف الإنساني من التكنولوجيا
increase حجم الخط decrease
أكثر من مليار مشاهدة على "تيك توك" لإحدى رقصات بطلته الشريرة، وأكثر من 50 مليون دولار في شباك التذاكر العالمي، لفيلم رعب لم تتجاوز كلفة إنتاجه 12 مليون دولار. ما السرّ وراء نجاح "ميغان" M3GAN المعروض حالياً في الصالات اللبنانية؟

يُصنع الرعب من أجل التعرّف على بعض المخاوف القديمة والأزلية، لمحاولة النظر إليها، وربما فهمها. طردها، في أحسن الأحوال.

المؤكد أن التكنولوجيا أضحت، بالنسبة للإنسان المعاصر، أشبه بطيفٍ غامر ينغمس فيه بكلّيته وفي الوقت ذاته يُساء فهمه وتقدير تبعاته: نستخدمها كل يوم ولا نعرف لها بديلاً، لكن نفوراً معيّناً يتسلّل داخلنا أيضاً، فضلاً عن أسئلة متعلّقة بتجاوز الحدّ الآمن للاستخدام والاعتماد عليها في حياتنا اليومية. علاقة معقّدة وإشكالية، استفادة محفوفة دوماً بالمخاطر.

الخوف من التكنولوجيا (لا سيما الروبوتات والذكاء الاصطناعي) ليس شيئاً جديداً في السينما. من فيلم "متروبوليس" لفريتز لانغ، إلى "ترميناتور" لجيمس كاميرون، نقل لنا عدد لا يحصى من السينمائيين مخاوفنا من خلق شيء يخرج لاحقاً عن سيطرتنا. علّمتنا سنوات وسنوات من سرديات الخيال العلمي ألا نثق كثيراً في الروبوتات أو الذكاء الاصطناعي. هل نعرف عن التكنولوجيا بقدر ما تعرفه التكنولوجيا عنّا؟

فيلم "ميغان"M3GAN، المعروض حالياً في الصالات، يلعب على هذا الوتر المُنذر: هذه الثقة، وفي الوقت نفسه، الخوف الذي يوّحدنا. في زمننا الذي يترك فيه الآباء أطفالهم بشكل متزايد أمام الشاشات أو ألعاب الفيديو لإلهاء أنفسهم، يقدّم المخرج جيرارد جونستون أمثولة أخلاقية مضحكة ومقلقة حول المخاطر التي ينطوي عليها ذلك النوع من الانغماس.

دمية قاتلة جديدة
الصغيرة كادي (فيوليت ماكغرو) يتيمة في الثامنة عمرها وعُهد بها إلى خالتها جيما (أليسون ويليامز)، وهي امرأة عاملة ومهندسة إلكترونيات في شركة ألعاب. على الرغم من أن جيما تعمل على نطاق مشاريع مثل دمى ناطقة تتغوّط بعد إطعامها عبر الكمبيوتر اللوحي، إلا أن لديها حلماً مؤجلاً في أدراجها (يُعطي الفيلم عنوانه): دمية بطول متر وثلاثين سنتيمتر مزوّدة بذكاء اصطناعي فائق التطوّر لجعل سواها من الألعاب الأخرى عديمة الفائدة.

وهكذا في يوم العرض التقديمي الكبير مع رئيس الشركة الراغب بشدّة في دمى متكلّمة وتُخرج الغائط، لكن أرخص، بعدما نَسَخت شركة منافسة الفكرة وباعتها بنصف السعر؛ تظهر جيما مع أعجوبتها ميغان. وتثير إعجاب الجميع. فدُميتها تفهم، وتعرف كيف تتحدّث إلى قلب فتاة صغيرة، وتمكّنت من الترفيه عنها وتعليمها، وقبل كل شيء، تملك جاذبية لا تُقاوم. باختصار، ستريدها الفتيات الصغيرات كلهن. لكن قبل الانتقال إلى المرحلة الثانية، تحتاج ميغان إلى قضاء بعض الوقت مع الفتاة الصغيرة التي ارتبطت بها، لأن هذه هي الطريقة التي يعمل بها ذكاؤها الاصطناعي: كلما زادت خبرتها في الحياة، كان ذلك أفضل لتطوّرها (مثلنا نحن البشر في هذا الشأن).


لكن، ولأننا في فيلم رعب، سرعان ما ندرك أن الدمية الأعجوبة تملك جانباً مظلماً وغريباً. في الأفلام، عادةً، عندما تخرج تطبيقات الذكاء الاصطناعي عن مسارها المفترض، تمرّ عبر طريق مألوف يؤنسنها ويجعلنا نفهم "منظورها". ومن الواضح أن الحاسوب الذكي "هال 9000" من فيلم "2001، أوديسا الفضاء" (1968، ستانلي كوبريك) هو النموذج الأسمى لهذه العملية برمّتها. إلا أن "ميغان" لا يقترب بالطبع من المسارات التي خاضها فيلم كوبريك الخالد. تبدو تلك الفتاة الشقراء المثالية، خطراً عاماً، وسرعان ما تكشف عن ذلك. في الفيلم العديد من الاقتراحات التي تثير أكثر من مجرد ابتسامة، وتمرّ دقائقه المئة بسلاسة، لكن سرعان ما يتعيّن على المرء الاستسلام للأدلة على أن فيلم "ميغان" ليس أكثر مما يبدو عليه: مجرد فيلم رعب صغير لا يتعمّق في أي شيء ويكتفي بكونه تمريراً مسلياً للوقت.

سرّ النجاح
سينما الرعب، بتنويعاتها المتعددة، واحدة من الأنواع الفيلمية القليلة التي تجد لنفسها مكانًا في لوائح الأعلى تحقيقاً للإيرادات، بعيدًا من الهيمنة المعتادة للأبطال الخارقين وأفلام الرسوم المتحركة. الميزانية المنخفضة نسبياً لإنتاجها، ووجود جمهور مخلص، وقدرتها على إعادة تدوير وتقديم أفلامٍ بصرخات ومباعث خوف... كلها عوامل ومتغيرات تفسّر الظاهرة التي يريد "ميغان" أن يكون جزءاً منها. الإنتاج الجديد لشركة "بلام هاوس" - الذي يضمّ المخرج الأسترالي جيمس وان، المخضرم في صناعة الرعب، كأحد المنتجين المشاركين ومؤلفي قصّته الأصلية - لديه ما يلزم ليصبح عملاً ناجحاً، أقلّه من الناحية التجارية.

منذ فترة معتبرة، بدأت الشركة المنتجة حملة دعاية مكثفة لفيلمها ركّزت على الشبكات الاجتماعية، خصوصاً "تيك توك". ومن ثمّ، فإن ابتعاد الفيلم الواعي عن سينما البالغين وتيماتها المعتادة، أزال تقريباً كل آثار العنف الصريح المألوف في مثل هذه الأعمال. الوعي مصطلح رئيسي في "ميغان"، إذ يأتي كتحديث شبابي للقصة الكلاسيكية عن الآلات المتمردة ضد صانعيها/ خالقيها.

إعادة صيغة
التحديث، في عُرف هوليوود المعاصرة، فإن إعادة صياغة الأفكار، تعني، بدلاً من إخفائها، جعلها صريحة من خلال مواقف مُحمّلة بـ"غمزات" وإشارات، مع القليل من الإيماءات الفكاهية. وهكذا يفعلها "ميغان" بالضبط، عبر مزجه - والتأكيد المتكررعلى ذلك - تقليدين شائعين بعينهما خلال ما يزيد قليلاً عن ساعة ونصف الساعة من اللقطات. نظراً لأنه فيلم عن الألعاب والتقنيات التي تستحيل كائنات مستقلة، متعطّشة للدمّ ومتلهّفة للفوضى، يبدأ بإعلان عن حيوانٍ محشو "ذكي" يشبه إلى حد كبير "غريملين" الفولكلوري، لكن من دون روحه الفوضوية. تحمل كادي واحدة من تلك الألعاب الطفولية عندما تصطدم السيارة، التي تسافر فيها مع والديها في طريقهم إلى رحلة تزلج موعودة، بكاسحة ثلج. الطفلة، الناجية الوحيدة من الحادث، ينتهي الأمر بها تحت رعاية خالتها جيما، التي لا تعرفها عملياً. ومن هنا تبدأ مصادفات وأقدار في ملاقاة بعضهما بعضاً.

كانت جيما، من قبيل الصدفة، تطوّر مشروعاً تجريبياً للذكاء الاصطناعي، وارتأت أن تعيد صياغة فكرتها قليلاً من أجل تكييفها مع حاجة اليتيمة الصغيرة البائسة إلى الرفقة والتسلّي. وهكذا "وُلدت" ميغان، كمزيج روبوتي يجمع بين العروسة تيفاني، صديقة الدمية القاتلة "تشاكي" في فيلم الرعب الشهير الذي حمل الاسم نفسه، ودمية باربي بكمية معتبرة من البوتوكس في وجهها وبقية جسمها؛ فضلاً عن اشتمالها على جهازٍ يسمح لها بإنماء ذكائها كلما تعرّفت أكثر على مرافقتها الصغيرة.

كل شيء يسير على ما يرام، حتى تتعلّم أكثر بكثير مما كان متوقعاً. الآلة التي صنعها الإنسان تنقلب ضده بعدما "اكتسبت وعياً" وأصبحت ذكية للغاية. تقليد أدبي وسينمائي يمتدّ، إذا صحّ القول، من "فرانكشتاين" إلى "بلايد رانر". لكن هنا لا أبحاث أو تأملات فلسفية حول الحالة الإنسانية، مجرد دمية شريرة بطول مراهقة في المدرسة الإعدادية تريد قتل الجميع. الباقي هو الطريق المعتاد لفيلم بطموح إنجاز سلسلة متوالدة من الأفلام حول الفكرة ذاتها. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها