لكن، ولأننا في فيلم رعب، سرعان ما ندرك أن الدمية الأعجوبة تملك جانباً مظلماً وغريباً. في الأفلام، عادةً، عندما تخرج تطبيقات الذكاء الاصطناعي عن مسارها المفترض، تمرّ عبر طريق مألوف يؤنسنها ويجعلنا نفهم "منظورها". ومن الواضح أن الحاسوب الذكي "هال 9000" من فيلم "2001، أوديسا الفضاء" (1968، ستانلي كوبريك) هو النموذج الأسمى لهذه العملية برمّتها. إلا أن "ميغان" لا يقترب بالطبع من المسارات التي خاضها فيلم كوبريك الخالد. تبدو تلك الفتاة الشقراء المثالية، خطراً عاماً، وسرعان ما تكشف عن ذلك. في الفيلم العديد من الاقتراحات التي تثير أكثر من مجرد ابتسامة، وتمرّ دقائقه المئة بسلاسة، لكن سرعان ما يتعيّن على المرء الاستسلام للأدلة على أن فيلم "ميغان" ليس أكثر مما يبدو عليه: مجرد فيلم رعب صغير لا يتعمّق في أي شيء ويكتفي بكونه تمريراً مسلياً للوقت.
سرّ النجاح
سينما الرعب، بتنويعاتها المتعددة، واحدة من الأنواع الفيلمية القليلة التي تجد لنفسها مكانًا في لوائح الأعلى تحقيقاً للإيرادات، بعيدًا من الهيمنة المعتادة للأبطال الخارقين وأفلام الرسوم المتحركة. الميزانية المنخفضة نسبياً لإنتاجها، ووجود جمهور مخلص، وقدرتها على إعادة تدوير وتقديم أفلامٍ بصرخات ومباعث خوف... كلها عوامل ومتغيرات تفسّر الظاهرة التي يريد "ميغان" أن يكون جزءاً منها. الإنتاج الجديد لشركة "بلام هاوس" - الذي يضمّ المخرج الأسترالي جيمس وان، المخضرم في صناعة الرعب، كأحد المنتجين المشاركين ومؤلفي قصّته الأصلية - لديه ما يلزم ليصبح عملاً ناجحاً، أقلّه من الناحية التجارية.
منذ فترة معتبرة، بدأت الشركة المنتجة حملة دعاية مكثفة لفيلمها ركّزت على الشبكات الاجتماعية، خصوصاً "تيك توك". ومن ثمّ، فإن ابتعاد الفيلم الواعي عن سينما البالغين وتيماتها المعتادة، أزال تقريباً كل آثار العنف الصريح المألوف في مثل هذه الأعمال. الوعي مصطلح رئيسي في "ميغان"، إذ يأتي كتحديث شبابي للقصة الكلاسيكية عن الآلات المتمردة ضد صانعيها/ خالقيها.
إعادة صيغة
التحديث، في عُرف هوليوود المعاصرة، فإن إعادة صياغة الأفكار، تعني، بدلاً من إخفائها، جعلها صريحة من خلال مواقف مُحمّلة بـ"غمزات" وإشارات، مع القليل من الإيماءات الفكاهية. وهكذا يفعلها "ميغان" بالضبط، عبر مزجه - والتأكيد المتكررعلى ذلك - تقليدين شائعين بعينهما خلال ما يزيد قليلاً عن ساعة ونصف الساعة من اللقطات. نظراً لأنه فيلم عن الألعاب والتقنيات التي تستحيل كائنات مستقلة، متعطّشة للدمّ ومتلهّفة للفوضى، يبدأ بإعلان عن حيوانٍ محشو "ذكي" يشبه إلى حد كبير "
غريملين" الفولكلوري، لكن من دون روحه الفوضوية. تحمل كادي واحدة من تلك الألعاب الطفولية عندما تصطدم السيارة، التي تسافر فيها مع والديها في طريقهم إلى رحلة تزلج موعودة، بكاسحة ثلج. الطفلة، الناجية الوحيدة من الحادث، ينتهي الأمر بها تحت رعاية خالتها جيما، التي لا تعرفها عملياً. ومن هنا تبدأ مصادفات وأقدار في ملاقاة بعضهما بعضاً.
كانت جيما، من قبيل الصدفة، تطوّر مشروعاً تجريبياً للذكاء الاصطناعي، وارتأت أن تعيد صياغة فكرتها قليلاً من أجل تكييفها مع حاجة اليتيمة الصغيرة البائسة إلى الرفقة والتسلّي. وهكذا "وُلدت" ميغان، كمزيج روبوتي يجمع بين العروسة تيفاني، صديقة الدمية القاتلة "تشاكي" في فيلم الرعب الشهير الذي حمل الاسم نفسه، ودمية باربي بكمية معتبرة من البوتوكس في وجهها وبقية جسمها؛ فضلاً عن اشتمالها على جهازٍ يسمح لها بإنماء ذكائها كلما تعرّفت أكثر على مرافقتها الصغيرة.
كل شيء يسير على ما يرام، حتى تتعلّم أكثر بكثير مما كان متوقعاً. الآلة التي صنعها الإنسان تنقلب ضده بعدما "اكتسبت وعياً" وأصبحت ذكية للغاية. تقليد أدبي وسينمائي يمتدّ، إذا صحّ القول، من "فرانكشتاين" إلى "بلايد رانر". لكن هنا لا أبحاث أو تأملات فلسفية حول الحالة الإنسانية، مجرد دمية شريرة بطول مراهقة في المدرسة الإعدادية تريد قتل الجميع. الباقي هو الطريق المعتاد لفيلم بطموح إنجاز سلسلة متوالدة من الأفلام حول الفكرة ذاتها.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها