الأربعاء 2022/06/15

آخر تحديث: 13:45 (بيروت)

ماذا عن خاتمة النص؟

الأربعاء 2022/06/15
ماذا عن خاتمة النص؟
increase حجم الخط decrease
هناك فكرة ذائعة عن الشروع في كتابة نص ما، بحيث أنها تقدمه على أساس أنه عويص للغاية إلى درجة بعثه على نوع من الرهبة. ذيوع هذه الفكرة لا يعني انعدام دقتها بالنسبة لكثرة من الكتّاب، لكن هذا الذيوع يكاد يسبب بكسوف إشكالية أخرى متعلقة بالكتابة، وهي ترتبط بطريقة إنهاء نص ما، أي بلوغ محل خاتمته والإقدام على تدبيجها. يمكن الإشارة إلى وضعين، وبالتأكيد ثمة غيرهما، غالباً ما تدور الخاتمة عليهما.

الأول هو وضع التلخيص، اذ إن النص، وحين يصل إلى عقبه، يخصص شغيلة القسم الأخير منه للتذكير بكل ما جاء على طول صفحاته. عندها تبدو هذه الخاتمة أنها، بداية، تريد إعطاء القراء كل ما طالعوه قبلها بطريقة كثيفة، وبهذا، هي تسدي لهم خدمة جمعه وطحنه وتشذيبه وتقديمه بالرئيسي منه. وفي الوقت نفسه، هذه الخاتمة تظهر كأنها تعامل القراء إياهم كأنهم نسوا كل ما طالعوه، بحيث أنها، وبذلك، تذكرهم به مرة واحدة ونهائية. ما تطرحه هذه الخاتمة هو استفهام عن صلة النص بقرائه عند استكمال مطالعته: هل يمكن لهم أن ينسوه أم عليهم أن يتذكروه على الدوام؟ بطريقة أخرى: هل القراءة نسيان للنص أم تذكّر له؟ الخاتمة تلك تقول إن القراءة تذكر، بحيث تقفل نصها عليه، داعية القراء للأخذ بها وعدم نسيانها. فلا معنى، وبحسب منطقها، لقراءة لا تجعل القراء يتذكرون شيئاً ما من النص، بل إن كل معناها هو كونها تذكّراً لما يسمى "أهم ما جاء فيه".

على أن الخاتمة قد لا تأتي على هذا النحو التخليصي والتكثيفي، بل قد تحضر لمكان من أجل الوصول إلى شيء ما لم يذكر قبلها في النص، وبهذا، هي تبدو مساوية لكل أقسامه، وبالفعل نفسه، مختلفة عنها لأنها تحل في نهايته، التي تمدّها بوقع الخلاصة. هذه الخلاصة، بالطبع ليست تذكيراً بالمقروء الذي يسبقها، انما إلحاقاً لهذا المقروء بما قد يضعه خلفه، بما يتخطاه، لكي يغدو بعيداً منه. الخلاصة بهذا المعنى هي فتح مسافة في قلب النص بين أقسامه وخاتمته، مسافة، يمكن الاعتقاد أنها لازمة لفعل القراءة نفسه. إذ إن القراء، وفي أثرها، قد يجدون أن الكاتب لا يتمسك بما طالعوه، لا يلزمهم به، مبتغياً ألا ينسوه، بل إنه يضعه جانباً، ويكاد يبدو، ومع خاتمته، أمراً مختلفا عنها. على هذا الشكل، تكون الخاتمة مكاناً من أجل غياب شغيلة الكتابة عن نصوصهم، وفي الوقت ذاته، مكاناً لحضورهم بطريقة أخرى، يعني أنها مكان لانتهائهم من النص، لكن انتهاءهم هذا لا يعادل أنهم ينتهون معه، إنما، وعلى العكس، يبدأون بغيره.

في هذا السياق، يمكن القول، وعلى سبيل التعميم الذي لا بدّ منه، أن أفضل خاتمة هي تلك التي يمكن أن نقع فيها على فكرة ما سنتناولها من بعدها. وبهذا، لا تعود الخاتمة مجرد نهاية لنص، انما بداية لسواه: لا تنطوي على "أهم ما جاء فيه" بل على "ما سيجيء في غيره". يمكن الإضافة أن هذه الخاتمة لا تشتغل كأنها تقول أن نصها قد اكتمل بمعنى أنه تجوهر، بل إن اكتماله يعني أنه يفتح الطريق نحو سواه. فثمة، في هذه الناحية، معنى آخر للاكتمال، بحيث أنه ليس اشتمالاً على كل شيء، إنما هو إشارة إلى كون أشياء أخرى تقع بعده، ولهذا، لا بدّ من نص مقبل غير نصه السابق. الخاتمة هي اكتمال النص بطريقة مفارقة، إذ يكتمل عندها لكي يظل على فراغ فيه، يكون شرط مجيء نص آخر من بعده... بعبارة واحدة، الخاتمة هي بمثابة مكان لفراغ النص، لا لإفراغه بكثافة فيه وحبسه داخله.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها