على الرغم من أن أساس الفيلم تاريخي، إلا أن مملكة داهومي كانت في الواقع في صراع مع مملكة أويو في العام 1823، أنهاه الملك الشاب غيزو، بالقوة، وهو الذي وصل إلى السلطة بطريقة مثيرة للجدل قبل بضع سنوات فقط. وبالتالي، فجوهر الفيلم محض خيال وزخارف تتزايد طوال مدته (138 دقيقة).
لا يهتم الفيلم بالتاريخ أو التدقيق، إلا بالقدر الذي يخدم حكايته و"درسها المستفاد"، إذ ينصبّ تركيزه على نساء الأغوجي، اللواتي يوصف نظام تدريبهن الصارم بالتفصيل. لا تذهب الشابات دائماً طواعية إلى قصر الملك، إذ يعشن فقط من أجل القتال بلا أي ظلّ يتيم لرجل، بينما الملك يحظى بأكثر من زوجة. يختبر المُشاهد هذا العالم من خلال عيون المُحارِبة الشابة ناوي (ثيسو مبيدو)، التي، نسبياً على الأقل، تقدّم نظرة جديدة للظروف الاجتماعية والسياسية في أفريقيا بالنسبة لسينما هوليوود: نرى دولة منظّمة تماماً، اقتصاد فاعل، دولة واحدة تتمتّع بالسيادة والثقة.
رغم ذلك، فالواقع التاريخي معقَّد، وكقاعدة عامة لا يتناسب مع المخططات البسيطة التي تفضّلها السينما التجارية (التي ينتمي إليها الفيلم بكل تأكيد). جدير بالذكر أيضاً أن جزءاً من واقع غرب أفريقيا، والمتمثل في شيوع تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، لم يكن ليتحقق لولا المشاركة النشطة للشعوب الأصلية. لا شك في أن جوع العالم الغربي لكميات هائلة من العمالة الرخيصة هو الذي أوجد طلباً هائلاً لم يكن في مقدور أو في إرادة أي شعب إفريقي مقاومته.
ومع ذلك، بالكاد توغّل تجار الرقيق إلى داخل القارة، فقد بنوا الحصون على السواحل الإفريقية، كما في، على سبيل المثال، ساحل العبيد في غانا اليوم، أو في داهومي، ومن هناك زُوّدوا بالعبيد من قبل وسطاء سود. تستند ثروة داهومي بشكل خاص إلى حد كبير على هذه التجارة، التي أراد ملوك داهومي مواصلتها حتى عندما حُظرت تجارة الرقيق، رسمياً على الأقل في العام 1808.
من ناحية أخرى، فإن ما يقوله "المرأة الملك" يبدو مختلفاً تماماً. صحيح أنه لا ينكر وجود الرقيق وتجارتهم في داهومي بالكلّية، لكنه يقلل من شأنها ومن دور رجال ونساء المَلك في ازدهارها. يُؤخذ العبيد هنا فقط كغنائم حرب، ويُعاملون معاملة حسنة. وفوق هذا كلّه يخالف الفيلم مسار التاريخ الدقيق في سبيل إثراء حكايته وجعلها أكثر إثارة وبطولية: نانسكا، المُحارِبة التي لا تُقهر والقادرة على مجابهة أي فحل، ومستشارة ملكها غير القابلة للفساد، تتطور إلى مُعارِضة شديدة للاسترقاق وتنذر نفسها (ورفيقاتها) للقتال ضد أعداء انتهكوا شرفهن واستعبدوا شعبهن وهددوا بتدمير كل ما عشن من أجله.
لفترات طويلة، يتحرك الفيلم في مسارات سردية تقليدية تزخر بجميع عناصر السينما السائدة، لكنه يفعلها بأبطال جُدد يهيمن عليهم منظور الصوابية السياسية. هنا الأبطال، أو البطلات بالأحرى، من "خارج الصندوق"، نساء أفارقة سوداوات محاربات. في النهاية، يُتخلّى عن كل علامات السرد التاريخي، وبدلاً من ذلك تُعلن رسالة (بالمعنى الأخلاقي للكلمة) إفريقية، لا ينبغي أن تعني نهاية العبودية فحسب، بل أيضاً نهاية النظام الأبوي.
لم يعُد لهذا أي علاقة بالواقع التاريخي، بل بروح العصر و"ترنداته"، من التمكين مروراً بالانتقام في مواجهة الإساءة الذكورية، وصولاً إلى تمجيد البطولة الأنثوية. يأتي هذا كلّه متوافقاً مع تصاعد خطاب أنغلو-أميركي يطالب هوليوود بتزويد السود -وخاصة النساء- أيضاً بشخصيات بطولية نموذجية عصرية. ويمكن للمرء أن يخطئ في اعتبار ترجمة الفيلم لهذا التطوّر/المطلب باعتباره تقدّماً. في الواقع هو أقرب للهروب إلى الأمام.
(*) يُعرض حالياً في بيروت.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها