الأحد 2022/01/02

آخر تحديث: 11:27 (بيروت)

"لامب" لفالديمار جوهانسون... أحداث الحيونة واطاحتها

الأحد 2022/01/02
increase حجم الخط decrease
قد تكون السمة الأساس لفيلم "لامب" لفالديمار جوهانسون، انه قدّم احداثه بكل روية من دون ان يتوقف عند ابرزها كما لو انها تُغير كل شيء في مساره. على العكس، بقيت هذه الاحداث على احتوائها فيه، وحتى حين تصل إلى أوجها، أي إلى موت بطل من الابطال، فهي لا تظهر كارثية، بل يجري تلقيها بصمت. ربما، سبب تقديم الاحداث هكذا يتعلق بأمرين. 

الامر الاول، هو محل دوران هذه الاحداث، أي أحدى المناطق الجبلية في ايرلندا الشمالية. فبفعل طبيعتها الشاسعة، التي تغطيها الثلوج أو التي تعصف بها الرياح، تبدو انها قادرة على تبديد كل ما يقع فيها، اي تضئيله امام رحابتها، التي سرعان ما تشتمل عليه، او تخفف وقعه. فمهما كان شكل الحدث وحجمه، في وسع محل حصوله الشاسع ان يترك اثره عليه، لا ليجعله فاترا، كأن لا وجود له، ولكن، لكي يبقيه فيه بمعنى انه لا يسنح له ان يغيره بالكامل. فعليا، ثمة صلة بين مفعول المحل في الحدث من جهة وشيوع طريقة تصوير في الفيلم من جهة اخرى.

فالكاميرا غالبا ما تلتقط ما يدور امامها من وقائع مهمة افقيا، اي تلتقطها في فضاء واسع، الذي يصير فضاءها. لا تعمد الكاميرا إلى التقاطها على "درونية" ما (درون)، ولا الى التقاطها في تفاصيلها، انما في مداها اذا صح التعبير، حيث، ومهما كان انبساطها، تستمر على الحضور فيه.
الامر الثاني، لا يتعلق في التقديم المكاني للاحداث، انما بشيء موازٍ له، وهو تقديمها السردي. قليل من التلخيص: ماريا وأنغفار يعيشان في منزلهما الجبلي المجاور لمزرعتهما ولارضهما. في يوم من الايام، تلد غنمة من قطيعهم، ينقسم مولودها الى جزء حيواني وجزء انسي، اي انها قريبة من كونها "مينوتور" (minotaure). ولادة هذه الكائنة هو الحدث الاساس في الفيلم، ولأنه ينطوي على معنى فانتازي نتيجة نقله عن قصة شعبية، فهذا كان قادرا على تحويل كل الشريط الى شريط رعب. ولكن، هذا ما لم يحصل، فقد سار الفيلم على وتيرة جنبته الإرعاب، متمكنا من رواية قصته، لا كقصة عادية، بل كقصة يمكن تلقيها على طرق عدة، وليس على الخوف منها فقط. في الواقع، الفيلم، وبشكل من الاشكال، بيَن دور من ادوار القصة الفانتازية، وربما، كل قصة، يمكن الاشارة اليه على هذا النحو: توليد احداث في مكان لا احداث فيه، وهذا، من دون ان تبدله. من هنا، يندرج تقديم الاحداث بروية في سياق إبعاد الفيلم، وفي نتيجة قصته، عن الانقلاب الى فيلم رعب. فلو ان تلك الاحداث أتت شديدة وسريعة لكان غدا الفيلم متوقعا للغاية من ناحية وجهته، تسلسله، فضلا عن مفعوله. الا أنه لم يصبح كذلك، بل ان رويته جعلته نوعا ما فيلما مميزا.

في الواقع، تترجم ميزته الرئيسة في إشكالية يمكن استنتاجها منه: ما محل الحيوان ذاك من اعراب العلاقة بين الزوجين؟ بالطبع، الاجوبة على هذا الاستفهام لا تنتهي، ولكن، وبحسب ما يمكن مشاهدته في الفيلم، يصح القول إن ذلك المحل هو: محل الرابط بينهما. فالنعجة بما هي "مينوتورية" هي التي توصل بين البطلين، وهذا، بوضعهما لها مكان ابنتهما التي ماتت منذ زمن، وبجعلها تحمل اسمها ايضا. غير ان وضعهما لها على هذا النحو يفرض حيالها شرطاً بعينه، وهو الاطاحة بحيونتها الفريدة، اي انسنتها بالكامل او طفلنتها بالتحديد. وبهذا، يصير كل ما يدور حولها يشترك في هذا النزع، فحتى اخ البطل، وحين يأتي لزيارة الزوجين، فهو يحاول بداية أن يقاوم عدم الانجرار الى تصورهما عن النعجة، وهذا، بمحاولة التخلص منها، لكنه سرعان ما يعود عن قراره وينظر اليها كأنها ابنتهما. على هذا المنوال، يدور الفيلم حول كيفية رسو تصور البطلين حول النعجة، واضعين إياها في صلبه، وكيف يسعيان الى حماية تصورهما عنها امام كل ما يمكن ان يشكك فيه. لهذا، لا يمكن الحسم ان كانت النعجة هي نعجة "مينوتورية" فعلا ام أنها كذلك في تصور البطلين. ولهذا ايضا، يمكن الاعتقاد ان جعل الاحداث على وقع خفيف في الفيلم يرتبط بإرادة تصور البطلين ذلك. فلكي يدخلان النعجة في تصورهما، ويجعلانها تعيش فيه، فتكون صلة وصل بينهما، احتاجا الى جعلها نصف حيوان ونصف انسان. كما احتاجا الى جعل كل الاحداث من حولها هادئة، لا تخرب التصور عنها، ولا الموضع الذي اعطي لها. وهذا، الى حين وقوع حدث قاتل في نهاية الفيلم، ويسحبها من بين البطلين، ومن طفلنتها. ولكن، حتى عندها أقدم الافق على احتواء ذلك الحدث، وجعله سراباً.. ملطخاً بالدم.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها