الأحد 2021/05/23

آخر تحديث: 10:37 (بيروت)

ماذا نفعل بالإسرائيليين؟

الأحد 2021/05/23
ماذا نفعل بالإسرائيليين؟
إسرائيل هي المشكلة، فلسطين هي الحلّ.
increase حجم الخط decrease
لنبدأ من الطرف الآخر: ماذا نفعل بالفلسطينيين؟
 لإسرائيل، ينكأ مثل هذا السؤال أزمة وجودية. فالدولة الصهيونية لم تكلّل مسعاها في إقامة وطن قومي لليهود بالتخلص تماماً من الوجود الفلسطيني، فظلّ بعد سبعين عاماً هاجساً ومؤرقاً أساسياً، كمرآة لإجرامها وسياستها الاستيطانية الإحلالية وتذكير دائم بمصير أسود محتمل للدولة العنصرية على غرار ما حدث في الجزائر وجنوب أفريقيا. لم تفلح محاولات التهويد المحمومة ولا مناهج التعليم وإحلال العبرية بديلاً للعربية، ولا أسرلة عرب الداخل مثلما الحديث عن محاولات إدماجهم أو التعايش المحلوم بين فلسطيني 48 والمستوطنين الإسرائيليين وبيع وهم الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. ببساطة، لم ينجح السيناريو الأميركي والأسترالي في الإحلال والإبادة في اقتلاع الفلسطيني من انتمائه وجذوره وأصوله.

رغم ذلك لا تتوقف إسرائيل عن محاولاتها، بل تتزايد وتيرتها وتنكشف بجاحتها في أوقات مثل تلك التي نعيشها، مطبوعة بضعف الدول الإقليمية وسيادة الصوت اليميني المتطرف داخل إسرائيل. غير أن ما لا تدركه إسرائيل أن لا حلّ نهائياً للقضية الفلسطينية (والقضية الإسرائيلية أيضاً) إلا بنهاية المشروع الصهيوني، أو بعبارة أخرى بنهاية إسرائيل نفسها. وهذا لن يكون برميها في البحر أو بإبادة الإسرائيليين، فليس هذا من الواقعية في شيء، بل بإنهاء الإطار العنصري الذي تعرّف وتحدّد إسرائيل نفسها به. كلما ظلّ هذا الكيان الإسرائيلي أسير عنصريته ونموذجاً للنظام العنصري فلا سبيل واقعياً أمام أي حلول سلمية وإنسانية داخل إطار ديموقراطي، أو أي محاولة لتخيُّل أشكال جديدة للعلاقات السياسية والإنسانية بين الدولتين المفترضتين في حلّ الدولتين الذي يتبنّاه المجتمع الدولة.

بهذا المعنى، يبدو الحديث الأخير للرئيس الأميركي جو بايدن حول أن قيام دولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل هو الحل الوحيد الممكن للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، مع إلزام دول المنطقة بالاعتراف بحق إسرائيل في الوجود.. كلاماً فارغاً، أو مضلِّلاً في أفضل الأحوال. فطالما ظلّت الدولة الصهيونية على حالها، من عنصرية وسياسات استيطانية إحلالية، يغدو مطلب الاعتراف بإسرائيل مسألة غير أخلاقية مبدئياً، وخطوة غير عملية وحلّاً لاواقعياً من الناحية السياسية. لاواقعيته تأتي من الفشل التاريخي في التعويل على تحقيق مكاسب جزئية بالتوازي مع إدامة الكيان العنصري.

ما يطلبه بايدن هو في جوهره تكريس لهذا الكيان العنصري وشراء الوقت له وإعطاؤه التبرير الأخلاقي لاستمرار ارتكاب جرائمه، وهو نهج لا يختلف كثيراً عن أسلافه من الرؤساء الأميركيين الذين دعموا حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بأي شكل من الأشكال. خطورة مثل هذا الطلب يتمثّل في توقيته، بعد إعلان الهدنة بين إسرائيل وحماس، وصعود المؤشرات على عودة الجانبين لطاولة التفاوض، برعاية الرباعية الدولية على الأغلب، ما يعطي الانطباع بأن التفاوض سيكون مرة أخرى على هوامش القضايا وصغائر المسائل، بدلاً من الذهاب إلى جذور الشرّ وأصله المقيم بيننا: الاحتلال والاستيطان والعنصرية. 

التفاوض يجب أن يبدأ من الحديث عن إسرائيل نفسها كمشكلة، وليس البحث عن حلول لترضيتها أو تهدئة مشاعر قلقها على أمنها. ولِدت الدولة الصهيونية بذريعة التكفير عن خطايا أوروبية بحق اليهود، ثم اخترع مؤسسوها أساطير مؤسِّسة لتسبيب اختيار فلسطين وطناً لمشروعهم، ثم استولت على الأراضي الفلسطينية بالمال أولاً ثم بالحرب والتهجير، بادئة مسيرة ممتدة للشتات الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها. من هنا نبدأ، كما بدأ نضال السود في أميركا، عبر خيال جديد ولغة جديدة يفهمها العالم، لعله يفيق ويحنّ علينا بانتباهه واهتمامه. 

إذا بدا هذا الكلام سعياً مثالياً وخطاباً متفائلاً، فلتكن البداية من جانبنا، بدراسة وتفكيك إسرائيل ككيان عنصري ورسم ملامح الوجود الفلسطيني بنهاية وجود المشروع الصهيوني، بدلا من الارتهان كل فترة للدخول في حرب جديدة معها وعضّ أصابع الندم واليأس والدخول في دائرة إلقاء الاتهامات وتوزيعها على المقاومة المسلّحة أو السلطة الفاسدة أو الجماهير الصامتة.
آن الأوان للكتابة والحديث عن فلسطين بوصفها أملاً ووعداً لا عبئاً ومشكلة، وجودها وتأييده يعني الانحياز للإنساني والعادل، بمواجهة آلة الدعاية الصهيونية البارعة في تلفيق المغالطات وقلب الحقائق واللعب على عقدة الذنب الغربية ورمي العرب بخطايا الأوروبيين أنفسهم (كما في التهمة العجيبة بمعاداة السامية لكل مَن يعارض إسرائيل). الآن الفرصة لنسج الصوت الفلسطيني داخل حراك عالمي يوحّد أصوات المطالبين بالحرية والعدالة والحق، في وقتٍ لم يعد مشعلو الحرائق ومدمّرو العالم موضع ترحيب. 

هذا ممكن، وما أظهرته الأسابيع الأخيرة من حراك فلسطيني في كامل فلسطين، وإزالة الحواجز النفسية والعاطفية الفاصلة بين فلسطينيي الداخل وبيئتهم الفلسطينية في الضفة وغزة، وإعادة الاعتبار للهوية الفلسطينية رغم قمع الاحتلال وعدوانه.. بيان ناصع لكل ذي عينين على تمكُّن هذا الجيل الفلسطيني الواعد من الانفصال عن هوية الضحية والوعي الانهزامي، بعدما نجا من العنف الإسرائيلي المنهجي والعنصري والمؤسسي. هؤلاء الشجعان أدركوا أنه حتى مع توفُّر التعليم الجامعي الجيد والحياة المهنية المرموقة والدخول الأعلى مقارنة بفلسطينيي الضفة وغزة؛ فلن يضع أيٌ من ذلك حدّاً لاحتلالهم والظلم الواقع بحقّهم تاريخياً ومعيشياً. فهموا المعادلة: إسرائيل هي المشكلة، فلسطين هي الحلّ.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها