الأحد 2021/03/07

آخر تحديث: 21:26 (بيروت)

رحيل حسّان عباس... الثقافة السورية تخسر سفيرها

الأحد 2021/03/07
رحيل حسّان عباس... الثقافة السورية تخسر سفيرها
increase حجم الخط decrease
غيب الموت، يوم الأحد، الجامعي والناقد السوري حسان عباس، بعد صراع مع المرض، وهو من مواليد بلدة مصياف التابعة لمدينة حماة عام 1955.
 
من المفارقة ان حسان عباس، رحل بعد أيام قليلة على إصدار بحثه "الجسد في رواية الحرب السورية" عن "المعهد الفرنسي للشرق الأدنى IFPO" بيروت. وكتب زميله الشاعر فؤاد م فؤاد في الفايسبوك "رحل حسان عباس، الرقة والوداعة واللطف والموقف الصلب والشغف بالمعرفة، رحل الرجل الذي ادرك رحيله منذ زمن، فلم يتشبث كثيراً بالحياة. ولم يصارع المرض.. تركه ينهش في جسده ويترك في العينين حزناً عميقاً، منذ عامين، استقرت تلك النظرة المنكسرة والحزينة مكان النظرة الواثقة الضاحكة في عينيه، أدرك أنه راحلٌ فلم يقاوم، الرجل النبيل يمضي، سأبقى أنتظرك في الروضة يوم الأحد، لا تتأخر أرجوك".

وعباس من ابرز الناشطين الثقافيين في سوريا منذ التسعينيات، وحتى خلال عمله في مركز اصفري في الجامعة الاميركية(بيروت)، كان يقيم نشاطات متنوعة وجديرة بالاهتمام، سواء أكان يتعلق بالمسرح أو المواطنية أو الموسيقى، وعدا عن نشاطاته، فهو كان اكاديمياً وجامعياً محباً لمهنته، سئل: "كيف تفضّل التعريف بنفسك؟"، فأجاب: "أنا إنسان قضيت عمري بالتعلّم ولا أزال طالب علم، عدا ذلك، أعمل موزّعاً طاقتي بين ميادين ثلاثة: البحث والتعليم والعمل المدني. غايتي من البحث هي المساهمة في معرفة من نحن كبشر من هذه المنطقة، ولماذا صار حالنا إلى ما هو عليه من تأخر وفوات. غايتي من التعليم هي أن أنقل ما أتحصّل عليه من علم إلى أوسع شريحة من شباب بلدي. أمّا غايتي من العمل المدني فهي نشر ثقافة المواطنة بما تتطلبه من ديمقراطية وعلمانية وفكر نقدي".

وعباس الحائز وسام "السعفة الأكاديمية برتبة فارس" من فرنسا عام 2001، لكثرة نشاطاته. سيرته الاكاديمية والثقافية كانت خرقاً للواقع السوري في ظل البعث، فبحسب ما كتب فايز سارة في كتاب "حسّان عباس بعيون معاصرة"، عندما بدأ حسّان عباس وعيه يتفتح على الحياة، قفز عسكريو حزب البعث وبعض حلفائهم من المغامرين للاستيلاء على السلطة في سوريا عبر انقلاب عسكري في آذار عام 1963، وبعد ذلك بثلاثة أعوام قاد عسكريون من البعث إضافة إلى ميليشيا تتبع الحزب اسمها الحرس القومي، انقلابا جديدا على رفاقهم وقادتهم في الحزب والدولة، ثم قام حافظ الأسد أحد الذين تسلقوا على السلطة في انقلاب شباط 1966 بقيادة انقلاب على رفاقه في قيادة الحزب والدولة في تشرين الثاني 1970 ، وزج أبرزهم في السجن... هكذا كانت سوريا دوامة من الصراعات والانقلابات، وكلها انعكست على الواقع الثقافي... فقد أمضى حسّان عباس طفولته متنقلا بين مصياف مدينة الوالدة ودمشق، قبل أن يستقر في دمشق يافعا وشابا ليتابع تعليمه برعاية عائلة مميزة، حيث "الأب محام معروف والأم سيدة نذرتْ نفسها لخدمة أسرتها الصغيرة، المحسوبة في نخبة المجتمع الذي بدأ ينتقل في العهد البعثي من طابعه المدني، ليصير تحت سيطرة العسكر، ومن واقع النظام الليبرالي والتعددي إلى نظام سيطرة الحزب الواحد، ومن دولة المؤسسات والقانون إلى حكم الأجهزة العسكرية والأمنية، ومن التعليم المفتوح على الحياة والمعرفة إلى التعليم المقيد بألف قيد وقيد، لعل الأبرز في مؤشرات تغييره، اختفاء حصص الرسم والموسيقى والخط من مناهج التعليم، وإطلاق المنظمات الفاشية للعمل وسط التلاميذ والطلاب من المرحلة الابتدائية" والعبث بكل اشكال التعليم الجامعي... 

عندما سافر حسان عباس إلى فرنسا، قضى سنوات 1974-1977  في دراسة الطب في جامعة مونبلييه، لكن نفسه عافتها، أو فشل في هذا المجال، فعاد لدراسة الأدب الفرنسي في جامعة دمشق، وعاد إلى باريس في العام 1982 ليدرس النقد الأدبي في جامعة السوربون، عندما تخرج حاصلا على شهادة الدكتوراه في النقد الادبي عام 1992 عاد ليبدأ مشروعه السوري من جامعة دمشق، لكنه اصطدم برفض الجامعة تعيينه بين أساتذتها بفعل تقارير مخبري النظام(الاسدي)، التي كتبوها عنه في فترة دراسته الباريسية، فخسرت الجامعة وجوده فيها، وسرعان اختاره المعهد الفرنسي للدراسات العربية في دمشق، ليكون في عداد كادره الرئيس، وقدّم عباس خلالها ما يزيد عن 400 فعالية، وبموازاة هذا النشاط أدار ناديين للسينما، وساهم في تأسيس وإدارة عدد من الجمعيات المدنية العاملة في مجالات الثقافة والمواطنة وحقوق الإنسان، ودرّس عشر سنوات في (المعهد العالي للفنون المسرحية) في دمشق، ودُعي محاضراً في عدد من الجامعات والمعاهد العربية والأوروبية.

ويعرف عباس بانتمائه إلى النخبة السورية، التي رفضت الاستكانة لسياسات النظام السوري وممارساته... كان عباس ناشطاً ثقافياً واكاديمياً ومناصر للتغيير، هو الذي كتب في الذكرى الثالثة للثورة: "سمّوها ما شئتم، انتقدوها كما أحببتم، اخدعوها، راودوها، تحايلوا عليها، احفروا الأرض تحت أقدامها، لوّنوها، العنوها، افعلوا ما شئتم.. فهي، وبمحاكاة لما قاله غاليليو غاليليه لمرهبيه: ومع ذلك فهي تثور. هي باقية، وهي أصلاً لم تبدأ إلا لتبقى حتى تصل إلى ما يريده أهلها: حياة كريمة بلا ظلم ولا ظلامية".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها