الأربعاء 2021/02/10

آخر تحديث: 12:49 (بيروت)

تراجيديا القتل العمد.. قُبلةُ أو لَمسةُ الإِعدام

الأربعاء 2021/02/10
تراجيديا القتل العمد.. قُبلةُ أو لَمسةُ الإِعدام
(غيتي)
increase حجم الخط decrease
فيروس "كورونا" أضعفُ مِنْ أضعف طلقة مسدَّس، يُهدِّدُ مليارات البشر، ويُجبرُهُم على سجن رؤوسهم بما تحمل من أفكار اختراعية، داخل غرف، بقدر ما كانت هذه الغرف قصوراً أو خيماً ومعها الحدائق والغابات والأنهار والبحار، بقدر ما صارت زنازين. فالحريَّة ليست هي المطلب. بل الخوف من الحرية؛ الخوف من أن تصافح أو تلامس أو تُقبِّل أحداً أنت بشوقٍ لملاحمته، فتكون هذه القُبلة أو الملامسة هي الأولى والأخيرة كونها لمسة الإعدام، لمسة موتك.

هو اللهيب الكوني، فيروس يصنع "ثورة" وجودية، يقهرنا، يعذبنا من دون أدوات التعذيب، ترتعد أعصابنا من اسمه فنتذمَّر منه، لكنَّنا نخضعُ له، بل نرتعش من مخلبه القاسي. فيروس كورونا أصغر من حجم الذرَة، لكنه أكبر من حجم الكرة الأرضية. هو يستقوي، بل يستعمرُ الأرض ومَن عليها. فيهزُّ، يكسرُ، يخلعُ مساميرَ الأمن الدولي التي غرزتها/ دقَّتها أميركا في كل مساحة قدمٍ لبني آدم، فلا يصافح أحداً ولا.. ولا أمن ولا أمان، وكلُّ الترسانات الحربية بأنواعها عند الدول العظمى والدول الكبرى والصغرى والأصغر من الصغرى في حالة عجزٍ وإفلاسٍ غير قادرةٍ على محاربة هذا الفيروس القرصان.

لقد بدت الدول، رغم جبروت حكَّامها المستبدين الذين يستقوون على معارضيهم بذبحهم بالسكاكين والخناجر وتذويبهم بالأفران، أجبن وأضعف من أضعف كائن على هذه الأرض. فلقد أفزعهم هذا الفيروس، وحجروا أنفسهم داخل الجدران، بل وفاضَ حنانُهم وأظهروا خوفهم لا جُبنهم على شعوبهم، بل وتواضعوا وصاروا يترجُّون بني أوطانهم بألا يخرجوا من البيوت حتى لا يفتك بهم هذا العدو الفيروس، يا ألله ما هذا الحب الروحاني، ما هذه الاشراقات الوحدانية الصوفية عند حكَّام الأرض، هل نحن في حُلمٍ أم في عِلم؟ للمرَّة الأولى يحدثُ أن يتوحَّد حكَّام الأرض ضدَّ عدوٍ واحدٍ بعدما كانوا ضدَّ شعوبهم وضدَّ بعضهم البعض. إنَّه الفيروس الدودة الذي ضربَ كل استراتيجياتهم، فلا رصاصهم ولا قنابلهم ولا صواريخهم ولا ولا.. قادرةٌ على هزيمته. لقد حوَّل هذا الفيروس كل أسلحة الدمار الجزئي والشامل إلى أسلحة بالية انتهت صلاحيتها، لأنَّها عاجزةٌ عن محاربة هذا الكورون، فهو وحده صاحبُ الحلِّ والربط، لا أحدَ يُنافسه أو ينازعه في سلطته أو يشاركه فيها أكان في السطح أو العمق، مرئياً أو غير مرئي.

أمام كورونا، وخلف كورونا، ما من رئيسٍ أو ملكٍ أو قاضٍ أو جنرال أو مُنتج دراما عربية أو شرطي، بإمكانه أن يحمل ميزاناً فيقرِّر به الحقائق أو العدل. كلُّ الحروب في التاريخ الإنساني نشبت وقُتل فيها من قُتل لأنَّ مُشَعليها من حملةِ هذا الميزان، وكأنَّ العدل يقوم فوق بحر من الزئبق. ما يكشف؛ وإنْ بدأت حربٌ باردة بين أميركا والصين حول مَنْ فَلَتَ هذا الكورون من حجره أو مربضه أو عرينه ليرعى في أرواح الناس؛ أنَّه في داخل كل واحدٍ وحشٌ مفترس، كلَّما كثُرت ضحاياه امتدَّت حياته. أليس الإنسانُ مخترعُ هذا الفيروس هو أشدُّ وحشية من الحيوانات الضارية. شرٌّ لا محدود، تراجيديا لم يسبق أن كتبها يوربيدس أو شكسبير أو بريخت، تقومُ على الخطأ أو المصادفة أو الطبع. تراجيديا تقوم على القتل العمد- الحيوانات لم تفعلها، وكأنَّ إبادة الآخر مهما كان دينه وعرقه ولونه هو هدف الأهداف، وكأن القتلُ الموتُ الشرُّ هو جوهرُ الحياة.

فواجع، كوارث، ما علينا إلاَّ أن نُذعن ونستسلم لها، هذا من قبل ومن بعد، ترفضه الشرائع الأرضية والسماوية. حتى في المسرح، وإن كان الإنسان خاصة في المسرح اليوناني يستسلم لمشيئة القدر، فإنَّه في مسرح غوته وشكسبير يرفض ويقاوم، وهذه ألغاها، اغتالها فيروس كورونا- لا رأيَ لك، لا حقَّ لك في أن تقول وتفعل ما تريد، أكنتَ ملكاً أو خادماً.

مُتْ؛ يعني مُتْ. ومن دون أن يهزَّ موتك القلوب. ما هذه التراجيديا التي يصنعها هذا الفيروس، مَنْ يكون هذا الكورونا، مَنْ أبوه كانَ فيروساً لقيطاً/ابن حرام، أو كان ابن ملك، خاصة وأنَّه مولودٌ خارق الذكاء، عبقري العباقرة. في الجاهلية؛ وإن كنتُ لا أحبِّذُ إطلاق هذا المصطلح على عصر ماقبل النبوَّة- كان العرب يقتتلون على تبني أولاد زواج القحاب طبعاً الذكور- ومنهم صحابي مشهور، أو زواج الاستبضاع من فارسٍ أو شاعرٍ. الآن لا أحد يتبنى هذا الولد الذي يفتكُ بالناس؛ عشراتُ القتلى، بل مئاتٌ يومياً، ولا أحد يعترف بأبوته، كانت أميركا أو الصين أو.. وكأنَّه ولدٌ غير شرعي، ولدٌ من دون والد، ولدٌ قويٌّ بإمكانه أن يفني البشر كل البشر، رغمَ ورغمَ ما يملكون من أسلحةٍ فتَّاكة، وفايسبوك وانستغرام وواتسآب وأقمار صناعية ومسلسلات عربية وفضائيات ثورية. ولا أحد يتبناه، أو يقاتل كما كان في الجاهلية في سبيل تبنيه!

ترى هل هو والدُ نفسه؟ وهل حقيقةً لا علاج له، والأمل بالشفاء منه ضعيف، وهذا ما تركنا نفزع ونجبن ونتكورن في بيوتنا. أميركا تَتَّهمُ الصينَ بأنَّها والده، والصينُ لا ترد. هل المذنب في التراجيديا يُعاني؟ أميركا لا تُعاني رغم أنَّ كورونا يفتك بالأميركيين؛ كذلك الصين. ماذا نفعل نحنُ الضحايا المتفرجين، والقوتان المتصارعتان تفنيان وتتفانيان في نبذ الولد الوليد وتتبرآن من أبوته؟ ألا تشعرون بالشفقة على هذا الكورونا، ألا ترون أنَّ من الواجب الإنساني- وأنَّ الرجولة- لا الفحولة، تتطلَّب منَّا أن نتسامى على خلاف القتلة كانوا من كانوا، ونتبنى هذا الولد الفيروس الكورون من باب الفروسية والمروءة؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها