السبت 2021/12/25

آخر تحديث: 12:41 (بيروت)

"بيت غوتشي".. خيانات وفضائح وتهريج

السبت 2021/12/25
increase حجم الخط decrease
تحبّ دارا أزياء فيرساتشي وغوتشي الخطوط المتوازية. ليس هذا فحسب، إنما يتشابه الاسمان البارزان في مسيرتهما ومآليهما. ليس منذ البداية، فقد وُلدت إمبراطورية غوتشي في بداية القرن العشرين، عندما افتتح مؤسسها، غوتشيو غوتشي، متجراً صغيراً للمنتجات الجلدية في فلورنسا، بعدما عمل عتّالاً في فنادق باريس ولندن. في الجانب الآخر، تأسست فيرساتشي في أواخر السبعينيات بمدينة ميلانو. أصبحت كلتا الشركتين من أكثر الشركات المرموقة في عالم الموضة العالمية، واثنتين من أقوى الشركات في إيطاليا. استحوذت مجموعة فرنسية عملاقة على غوتشي في نهاية القرن الماضي، ثم بعد عشرين عاماً استحوذت شركة قابضة أميركية على فيرساتشي. قُتل جياني فيرساتشي، مؤسس العلامة التجارية، في العام 1997.

قبل ذلك بعامين، لقي المصير نفسه ماوريتسيو غوتشي، حفيد مؤسس الشركة وآخر سليل من نسل العائلة التجارية. في عام 2018، بثت شبكة FX التلفزيونية الأميركية مسلسلاً قصيراً يروي حكاية اغتيال الأول - ضمن سلسلة تعتمد الجرائم متكئاً لسردها - بعنوان "قصة جريمة أميركية: اغتيال جياني فيرساتشي". بعد ثلاث سنوات، تصدر شركة يونيفرسال فيلم "بيت غوتشي"(*)، حول قصة مؤامرة باتريسيا ريجياني الزوجة السابقة لماوريتسيو غوتشي لقتل زوجها، والتاريخ المظلم للعائلة الأشهر في تاريخ الأزياء. فيلم بنهاية معلنة ومعروفة، يستند إلى كتاب يحمل عنوانه كل ممكنات الرواج "بيت غوتشي: قصة مثيرة عن القتل والجنون والسحر والجشع". "اشتره فوراً!"، كان يجب أن يضيفوا إلى العنوان.

الفيلم هو ثاني الأعمال المعروضة هذا العام للمخرج المخضرم ريدلي سكوت الذي يتمّ هذه الأيام عامه الـ 84، بعد أسابيع فقط من إطلاق فيلمه "المبارزة الأخيرة، ويحمل الرقم 27 في مسيرته الإخراجية الممتدة لأكثر من خمسة عقود. في غضون ذلك، يقوم حالياً بتصوير فيلم ثالث، ولديه ثلاثة أخرى في طور الإعداد (من بينها مقدمة لسلسلة أفلام Alien وتكملة لفيلمه الشهير "المصارع")، فضلاً عن مشاريع أخرى كثيرة يدخلها بصفته منتجاً. النشاط وغزارة الإنتاج لا يصاحبهما بالضرورة جودة تشمل كل المشاريع المنجزة، وهذه بالمناسبة صفة مميزة لمسيرته السينمائية التي تراوحت بين أعمال كبيرة ولافتة وأخرى أقل نجاحاً وقيمة. "بيت غوتشي" ليس أفضل أفلامه، لكن هذا لا يعني شيئاً، لأن - كما أسلفنا - هناك العديد من أفلامه التي ليست من أفضل أفلامه. وبدون اللجوء لقراءة البيانات والتقارير الترويجية حوله، يمكن القول إن الفيلم الجديد لسكوت لم يولد على هذا النحو، وإنما كسلسلة تلفزيونية أو مسلسل قصير. هذا ما يبدو عليه، بطوله الممتد لساعتين ونصف الساعة وكوكتيل الأنواع والأمزجة المتناثرة عبره، وكفاحه للعثور على نغمة/ نبرة تخّصه: ساخر جداً بالنسبة لإعادة بناء واقعية مبنية على أحداث موثّقة، لكنه جبان جداً بحيث لا يستحيل كوميديا ​​سوداء كاملة. وبالتالي، في بعض الأحيان، ينكشف قيده وقلّة حيلته، ليستقر هجيناً سينمائياً متوتراً بين ما يريد أن يكونه وما يجب أن يكونه.


كمصوِّر سينمائي سابق، من المستحيل العثور على فيلم يحمل توقيع سكوت ووصفه بأنه لا يبدو جيداً. تساعد التصميمات الخارجية الإيطالية المشمسة (رغم أن معظم الفيلم يدور في ميلانو غير المشمسة)، وإذا لم يكن الطقس الصيفي كافياً، فهناك الثلوج في سانت موريتز السويسرية. التصميمات الداخلية، المصوّرة بكاميرا داريوش فولسكي الأنيقة، فخمة وبهيّة و"مصروف عليها". المونتاج، تصميم الإنتاج، الإخراج الفني. كلها من الطراز الأول، كما يقول الأميركيون. في الأدوار الرئيسة، لدينا ليدي غاغا، التي حققت نجاحاً كبيراً في ظهورها السينمائي الأول، جنباً إلى جانب أحد أكثر الممثلين رواجاً في السينما المعاصرة، آدم درايفر (شارك أيضاً في بطولة "المبارزة الأخيرة"). يساندهما آل باتشينو وجيريمي آيرونز وغاريد ليتو. هل يمكن أن يفشل هذا المزيج؟ من حيث ما تسمّيه الصناعة السينمائية "قيم الإنتاج"، لا. كفيلم، نعم. وجَلّ مَن لا يفشل.

القصة عبارة عن حاصل مجموعة من الـ"ديجا فو" déjà vu والكليشيهات العرقية، مصوّرة بإتقان ومولَّفة على نحو رديء أحياناً. وريث شاب ساذج وغير مكترث (آدم درايفر) لا يريد وراثة أعمال العائلة، إلى أن يموت والده، فيقرر التصدي لذلك العبء، وبقبضة من حديد (مايكل كورليوني؟). حبيبة مغوية (ليدي غاغا) تستغل سذاجة الشاب وتتزوّج ثروته، وتبدأ نسج مؤامراتها منذ دخولها البيت (ليدي ماكبث؟) لحثّ زوجها على اكتساح بقية عائلته وأخذ (ثم بيع) جميع أسهم الشركة. عندما لا يحدث هذا السيناريو، ستتخذ باتريسيا تدابيرَ اختصّت بها عائلة كورليوني رجالها المنجزين، بمساعدة كاهنتها الناصحة(؟).

كل هذا، مصحوباً في بعض الأحيان بموسيقى أوبرالية، يمكن اعتباره تصغيراً مُجدّداً ومحدّثاً للسلسلة التلفزيونية الثمانيناتية Dynasty "سلالة"، حيث نرى كافة أنواع التحالفات والتواطؤ والخيانات والتبدّلات في نماذج الأعمال والاستثمار لعالم متزايد الضخامة والعالمية. في الواقع، ليدي غاغا تشبه جوان كولينز (بطلة السلسلة إياها) أكثر من إليزابيث تايلور، التي تُقارن بها أحياناً. لكن سكوت وكتّاب سيناريو الفيلم لم يقرّروا جعلها ألكسيس كارينغتون كما تُملي أوبرا الصابون إياها، وباتريسيا أيضاً أفضل من أن تلعب دور شريرة الفيلم. غير أن هناك مزلقاً أسوأ وهو ابن العم باولو (غاريد ليتو، مُسمّن وأصلع ولا يمكن التعرّف عليه كلياً)، الذي يرى سكوت فيه شبيهاً بـ"بولتشينيلا" أخرق وطَموح ومضحك. يأتي دوره هنا مثل قطعة بالية من ملهاة تهريجية في منتصف فيلم لا يُضحك.

(*) يُعرض حالياً في الصالات.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها