الأربعاء 2021/11/03

آخر تحديث: 13:40 (بيروت)

حكومة الواتسآب

الأربعاء 2021/11/03
حكومة الواتسآب
قيل أن الرئيس ميقاتي بعث برسالة، في مجموعة واتسآب تضم وزراءه، مفادها حضّ قرداحي على الاستقالة
increase حجم الخط decrease
يقول الخبر إن رئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، بعث برسالة على مجموعة تضم كل وزراء حكومته في "واتسآب"، مفادها حضّ جورج قرداحي على الاستقالة، قبل أن ينهيها بـ"اللهم قد بلغت".

ما يهم في هذا الخبر هو الوسيط الذي تستعمله هذه الحكومة، أي "واتسآب"، من أجل التحادث على سبيل تنظيمها لعملها. بالطبع، قد لا يكون صعباً التكهن بأن حكومات أخرى سبقتها إلى ذلك. لكن، وفي حين أن هذه الحكومة تتقدم على أساس أنها ستخلص البلد من انهياره، وفي حين أنها أيضاً تسقط في مأزق قد يردي بها، يبدو أن استنادها إلى ذلك الوسيط فيه شيء من الخفة. إلا أن هذه الخفة لا تنم عن الوسيط، إنما عن وضعه بين أيدي هؤلاء المقيمين في الحكومة، إذ أنهم يجتمعون فيه، أو داخل مجموعة ينشئونها داخله، تماماً ككل مستخدميه الذين يتواصلون عبره. وهذا بالتحديد، ما يشير الى أمر بعينه.

إذ أن عمل الحكومة، في صعيد التواصل، هو قريب من عمل المجموعات الواتسآبية، التي نكاد جميعنا ننتسب اليها عبر هواتفنا، والتي نغادرها مرة من دون قصد، ومرة بسبب تعب من كثرة المشاركات فيها. فمجموعة الواتسآب، وأياً كان سبب إنشائها، تقوم بما يشبه المبدأ التواصلي: الرسالة التي تبعث فيها تعني كل عضو في المجموعة، لكن كل عضو يمكن له ألا يرد عليها من باب أنها لا تخصه هو بالتحديد، إنما يتركها لغيره. وحتى حين تحتوي هذه الرسالة على اسمه، فمن المتاح له ألا يرد عليها من ناحية أنها لم ترسل له على "الخاص".

فالتواصل في المجموعة بما هو تواصل في "العام"، يسنح بالتسرب من تلقيه، أي يسنح بفرار متلقيه من وجهه. وعلى هذا النحو، تسرب متلقيه يجعله تواصلاً بلا اثر، أي تكديس رسائل لا مجال لقراءتها كلها، أو الرد عليها كلها. بالتالي، حين تصير الحكومة، أو بالأحرى حُكمها، بوصفه تنظيماً وتشاوراً وقراراً، متعلقاً بالتواصل المجموعاتي عبر واتسآب، يغدو قريباً منه، أي أنه في "العام"، بلا متلقٍ محدد، بل بمتلقٍ متسرب. أما عندما تصير مجموعة الحكومة في لائحة تضم مجموعات غيرها، فإنها تصير مجموعة من المجموعات في الهاتف، ويغدو التواصل فيها ككل تواصل في سواها، وهو قد يتحقق، وربما لا. إذ تتكدس الرسائل فيه، ولا تجد من يطّلع عليها.

فعلياً، في تواصل الحكومة عبر مجموعة واتسآب، ضرب من وهم الدمقرطة، التي تشير في هذا السياق إلى كون الوزراء ورئيسهم، يشبهون كل المستخدمين، وفي النتيجة، أي مستخدم قد يغدو واحداً منهم. فالدمقرطة تلك، تعني أن الحكومة و"مواطنيها" هم معاً في تطبيق واحد، بحيث أنه لا فرق بينهم، من ناحية التواصل، ومن ناحية الفعل المرتبط به، أي الحكم. إنها دمقرطة تقنية، تجعل من الجميع مستخدمين، وتجعل من الوزير أي أحد، ومن أي أحد وزيراً!

يمكن القول إن هذه العلاقة بين السلطة والوسيط، التي أدت الى تلك الدمقرطة الوهمية، قد بدأت قبل استخدام واتسآب، يوم كان الوزراء أو الزعماء على عمومهم يظهرون في صورهم بالقرب من وسيط قديم، أي الهاتف "الثابت". فوقوفهم إلى جانبه، أو رفعهم لسماعته، والتقاط صورهم في أثناء استخدامهم له، كان يذيع أنهم منهمكون، أو أنهم "يجرون اتصالاتهم" من أجل حل هذه المشكلة أو تحقيق ذاك الحل. فقد كان الهاتف يحضر كوسيط في دعاية "رشدهم" السياسي، إذ يقوم على أن "كلمتهم مسموعة". كان الهاتف يربط أصحاب "الكلمة المسموعة" بمتلقيها، الذي لم يكن، وفي مقابلها، يتسرب. وفي الجهة عينها، كان الهاتف، هو أيضاً، يحيل باستخدامه من قبل هؤلاء، إلى كون أي من مستعمليه قد يتحول إليهم، مثلما أنهم ليسوا بعيدين منه: يكفي أن يقف مثلهم الى جانب الهاتف، يحمله، ويبدو عليه أنه في صدد المهاتفة، لكي يكون على "مسؤولية" ما. وفي هذه الجهة، قد يكون الإنتقال من الهاتف الى واتسآب، الى مجموعته، كناية عن انتقال من دعاية "الرشد" و"الكلمة المسموعة" و"المسؤولية" إلى الخفة، والتواصل العام، والتسرب من التلقي. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها