الأحد 2021/11/28

آخر تحديث: 09:05 (بيروت)

ماكينة مفروغ منها، تدعى آندي وارهول

الأحد 2021/11/28
increase حجم الخط decrease
قبل الحديث عما صنعه إريك لوريه في كتابه عن آندي وارهول، لا بد من الاشارة الى ان هذا الكتاب قد نشر في مجموعة، تصدرها دار les pérégines، تحت عنوان "ايقونات". هذه المجموعة تأخذ على عاتقها نشر نصوص بيوغرافية عن شخصيات لامعة من عوالم الفن والآداب والفلسفة والنظرية الخ. ما يميز هذه النصوص انها ليست سير ذاتية بالمعنى التقليدي للكلمة، بحيث تروي حوادث من حيوات تلك الشخصيات بطريقة متسلسلة. على العكس من ذلك، تدور هذه النصوص، بداية، حول صلة كتابها بتلك الشخصيات، اي مردات تناولهم لها، كما انها تنطلق من تخييلهم حولها بطريقة، ليست تأريخية، انما ترهينية اذا صح التعبير. هكذا اقدم مثلا لوران جولييه على الكتابة عن غي ديبور بالاستناد الى ما يعيشه هو اليوم. بالطبع، هذا لا يعني ان النصوص إياها لا تنطوي على تواريخ ووقائع، خلاف ذلك، هي تشتمل على بعضها، وبعضها الاساسي تحديدا، ولكن، من دون ان تكون مركز ثقالتها. فالحظ الزمني فيها هو خط متعرج، متقطع، مرة، يبرز، ومرة يغيب، وفي الكثير من المرات، يبدو ان همه ليس ما حصل، انما ما يحصل.

على هذا النحو ايضا، كتب لوريه سيرة وارهول، مذكرا، ومنذ مطلعها، بما يحاول ان يفعله خلالها: ليست الاجابة على استفهام "من كان آندي وارهول؟"، انما السعي الى ابانة ما كانت هذه العوالم الذي بناها وارهول، والتي لا تزال حية حتى اليوم. فعليا، تجنب لوريه البحث عمن كان وارهول هو، وبشكل من الاشكال، بمثابة نزول عند رغبة "بابا-البوب" نفسه. فوارهول، ومثلما يكرر لوريه، فعل كل شيء في حياته لكي لا يكون، او بالاحرى لكي لا يترك اثرا منه، وعندها، يتحدد على اساسه بأنه كان كذا او كذا، او بأنه كان هو على العموم. كانت استراتيجية وارهول لتحقيق ذلك تقوم بمفارقة واضحة. فهو لم يركن الى حذف اعماله واقواله، انما ذهب الى الإفراط في اظهارها. وهذا، لسبب معين، يتعلق بفلسفته، التي تفيد بأن نسخ صورة، يجعل الصورة حقيقية، اما، موضوعها، فلا يمكن التكهن ان كان موجوداً ام لا. كما فعل حيال مارلين مونرو، حين لم ينتج صورة لها، بل صورة لصورتها، فتلاشت، سحب وارهول الامر نفسه عليه: نوَع الصور حول صورته، اما، هو، فلم يكن.

لكي لا يكن، سلك سبيل معين في عيشه، يمكن تعيين ثلاث ركائز له. الركيزة الاولى، ان وارهول، وبما هو فنان الحداثة، لا سيما المتفاقمة، بنسختها الميديوية-البصرية، فقد جعل من فنه فنها. هذا الفن هو فن تلك الحقبة المستمرة، ولكنه، في الوقت نفسه، يسجل موته فيها. إنه تسجيل ساخر طبعا، تسجيل ليس لموت الفن فحسب، انما، وايضا، لموت الفنان، الذي لا يريد، في هذا السياق، وكما في وضع وارهول، سوى ان يكون سوبر-ستار. أهمية وارهول هو انه كان هذا السوبر-ستار، ولكن، كان ايضا شيء مختلف عنه. اذ انه لطالما قال إنه يبغي التحول الى ماكينة: ماكينة انتاج كل شيء واي شيء. فقبل ان يكون سوبر-ستار، هو هذه الماكينة، التي تجعل من النجومية جزءاً من انتاجها، الذي لا تتوقف عنه، بل تكثر منه في كل الجهات، اما، وحين تستريح منه، فتبدو على اوتوماتيكيتها. فوارهول، وفي حين كان يحقق بغيته الماكينية تلك، اطل في مقابلة معه، وقد اتت كل اجوبته خلالها على شكل "نعم" و"لا"، كما لو انه روبوت: "ما الفن الشعبي؟ -نعم". فعليا، ان كان وارهول السوبر-ستار هو فنان ميت، فماكينية وارهول تتيح له ان ينسحب من هذا الموت، من احتماله، الى وضع لا يكون فيه، وعندها، لا ينال منه موته.  

ولكن، لوارهول ركيزة ثالثة لكي لا يكون، وهي ان يكون "مفروغا منه"(tautologique). فيعود لوريه الى قصيدة جيرترود ستاين "إميلي المقدسة"، ومقطعها الشهير "الزهرة هي زهرة هي زهرة هي زهرة". من ناحية المعنى، لا زهرة في الجملة، ومن ناحية المبنى، بلى. وارهول كان كهذه الزهرة، يستوي تعريفه على هذا: وارهول هو وارهول هو وارهول... لكنه، لم يكن في اعماله، وهذا على الرغم من كونها تحتويه. فقد كان فارغا منها في حين انها لم تكن كذلك: "ان كنتم تريدون ان تعرفوا كل شيء عن آندي وارهول، انظروا ببساطة الى سطح رسومي، سطح افلامي، سطحي انا، فانا هنا، ولا شيء في الخلف".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها