وبطبيعة الحال، نالت النساء النصيب الأكبر من السخرية والتنمر، إما لأنهن يغالين في إظهار أجزاء من أجسادهن خلافاً للعادات العربية، أو لأن هذه المغالاة "لا تتناسب مع سنّهن"، وهي سردية غالباً ما نسمعها في العالم العربي، تحمل في طياتها كراهية مزدوجة ضدّ النساء المتقدّمات في السنّ وتدعوهن الى التستّر والتخفي. ومن الفنانات اللواتي "أخفقن" في امتحان اخفاء السنّ، وفق التغطيات الاعلامية، الممثلة الخمسينية ليلى علوي التي ارتدت فستاناً "لا يتناسب مع ذراعيها" وشيرين رضا التي أطلّت بفستان "لا يتناسب مع منطقة البطن" الخ..
إن هذا النوع من التعليقات والتقييم القاسي لمظهر النساء ليس بالأمر الجديد، وهو نابع من تقليد قديم قائم على خلق أجواء من المنافسة بين النساء، ووضعهن في مواجهة بعضهن البعض في سعيهن للحصول على استحسان المجتمع ورجاله. وانطلاقاً من روح المنافسة هذه، تبذل النساء جهدهن للفت الأنظار وسرقتها من زميلاتهن، فنرى أزياء وإطلالات غرائبية، مثل فستان الفنانة نجلاء بدر في مهرجان الجونة، والذي استلهمته من زي لاعب مصارعة.
من جهةٍ أخرى، يحرص النجوم، وهذا ينطبق على الجنسين، على استعراض ثرائهم وذلك من خلال ارتداء أزياء من تصميم مصممين عالميين، اذا لا يكفي أن يظهر النجم بـ"ماذا يرتدي" بل "من يرتدي" أيضاً، وهو سؤال أولت له المهرجانات الغربية، الأميركية خصوصاً، اهتماماً كبيراً، اضافة الى اهتمامها بالمجوهرات التي خصّص لها ما يدعى بـ "Mani-Cam" وهو صندوق تضع فيه النجمات أصابعهن كي تلتقط الكاميرا صوراً مقربة لخواتمهن المرصعة بالألماس والأحجار الكريمة.
|
إن هذا النوع من التسييس ما زال غائباً في المهرجانات العربية، لكن في بلادٍ تضع قيوداً صارمة على جسد المرأة، ألا يمكن اعتبار خيار فنانة مثل رانيا يوسف بإظهار جسدها و"مفاتنه" في أكثر من مناسبة، رغم الانتقاد والتنمر والاستنفار الذي وصل الى حدّ تقديم أكثر من بلاغ ضدّها ومطالبة نقابة الممثلين بتعليق عضويتها، ألا يمكن اعتبار ذلك موقفاً سياسياً شجاعاً في الدفاع عن الجسد وحقه في الظهور؟
الأزمة ليست في استعراض الفساتين، فلطالما كانت الموضة جزءاً من السينما باعتبار الأخيرة فنّا بصرياً مرتبطاً بشكل مباشر بالجماليات وإثارة الرغبات. المعضلة الحقيقية هي في استئثار إطلالات المشاهير بالأضواء، بينما تقبع الأفلام والصناعة السينمائية في الظلّ. واللوم هنا ليس على الفنانين أنفسهم بل على الجهات المنظمة، إضافةً الى الاعلام المواكب لها. والحقيقة هي أن المشاهير، والنساء خصوصاً، ورغم مشاركتهن في الترويج لثقافة الجمال المحدّد بمقاييس غير عادلة، وثقافة تعييب الأجساد التي لا تنطبق عليها هذه المقاييس، الا أنهن أولى الضحايا لها، لما يتعرضن له من ضغوطٍ من أجل الظهور بحلّةٍ تنال موافقة الشرطة المجتمعية وتجنبهن التنمر. لكن قلّما يحصل ذلك.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها