الإثنين 2021/10/04

آخر تحديث: 12:50 (بيروت)

سهوة في التواصل.. أو التشويش كفرصة

الإثنين 2021/10/04
سهوة في التواصل.. أو التشويش كفرصة
increase حجم الخط decrease
بعدما صار رائجاً، بفعل الكورونا، استعمال برنامج "زووم" لغاية نقاشية وسواها، أدى ذلك الى بروز أمر بعينه، وهو سهوة تقنية، غالباً ما يقدم عليها مستخدموه: عدم الانتباه إلى كون ميكروفوناتهم مفتوحة، أي تسجل ما يقولونه أو ما يصدرونه حولهم من أصوات، في حين أن اجتماعهم "التزويمي" دائر. بالتالي، بفعل تلك السهوة، هم يقطاعون هذا الاجتماع بأحاديثهم أو بضجيجهم أو بأي صوت، فيوقفون به الاجتماع اياه، أو بالأحرى دورانه لوقت قليل قبل أن يُستأنف.

تحيل هذه السهوة التقنية إلى سهوة أخرى، على مقربة منها، رغم أن مكانها ليس افتراضياً، أعني حين لا ينتبه مشاهد مسرحية أو فيلم ما، إلى ان هاتفه ليس مطفأ، وفجأة، يتصل به أحدهم بعد بدء العرض، فتكسر رنّته سكون القاعة. النقطة المشتركة بين السهوة "الزوومية" والسهوة هذه، هي أنهما، وبما ينتجانه، أي الصوت المنبعث من الميكروفون أو موسيقى الهاتف، يعلقان التواصل أو التفرج، بواسطة التشويش عليهما. صحيح أن هذا التشويش، يمكن تقديمه على أساس أنه جزء من توقيف الدائر في "الزووم" أو في الصالة، إلا أن ذلك لا يَفيه معناه. فالتشويش لا يرمي إلى تعطيل ما يدور في "الزووم" أو سواه، لا يريد أن يعطل التواصل والتفرج، إنما هو فعلياً يبدو أنه يؤدي الى شيء مختلف: إزعاج من يريد هذا التواصل والتفرج، وإزعاجه بطريقة تبدي تمسكه بهما بحسب ردّ فعله عليهما. فهناك مثلاً مستخدمون، وحين تقع السهوة في "الزووم"، يبدأون بالتأفف، أو حتى يبدأون بتلقين الدروس عن أهمية احترام المتحدثين الخ. فالتشويش يطلق فيهم نوعاً من العدائية اللفظية التي، ومهما كانت كبيرة، لا تستطيع أن تقبض عليه، أو تتخلص منه بسهولة. على العكس، فكلما كان التشويش على معناه، تستوي هذه العدائية اللفظية على غلاظتها، من دون أن تتمكن بذلك من ضبطه، إنما تخلص إلى إخفاقها.

لكن إزعاج التشويش للمأخوذين في التواصل والتفرج، لا ينم فقط عن كونه يصيب انخراطهم كما لو أنه يمنعهم عنه، إنما -وهنا الاشارة إلى سهوة "الزووم" حصراً- يصيب كل حيزهم الافتراضي، ويفتحه على ما لا يجب أن يكون فيه من أصوات. تأتي هذه الأصوات إلى هذا الحيز، وتعبر فيه من دون إدراك إن كانت تقصده أم لا. وسِمَتها هذه تترك المقيمين فيه، بدايةً، على تباغتهم بها، ثم تحملهم إلى الاستفهام عن مضمونها، قبل أن يتساءلوا عما يفعلون بها.

يمكن التنبه إلى اللحظات الأولى لتشويش هذه الأصوات على التواصل "الزوومي"، إذ أنها ليست لحظات يُعلّق خلالها كل حديث فحسب، بل أيضاً هي وقت للخشية، التي تنطوي على ذلك التساؤل: ما هذه الأصوات، كيف نتدبر أمرها؟ بالطبع، هناك من يطلب من المشوشين إقفال ميكروفوناتهم، وهناك من يطلب من المسؤولين عن الإدارة التقنية لـ"زووم" أن يفعل ذلك نيابة عنهم. لكن، في كل الحالات، وخلال تلك اللحظات، ثمة ما يحتل الحيز التواصلي من دون إذن. وهو فعلياً، أياً كان شكله وأياً كان مضمونه، يكون وقعه محدداً بأنه قدر من المجهول وقد قفز إلى آذان المستخدمين. في هذا السياق، يمكن الإضافة إلى أن وقع التشويش يزداد حين يكون مصدره مكتوماً، بمعنى أنه يصدر عن مستخدم لا صورة له، ولا حتى اسم، بحيث أن شبّاكه يحمل ماركة هاتفه أو حاسوبه، أو أي علامة لا تعيّن هويته. بالتالي، يغدو ذلك التشويش مضاعفاً، وعندها، بالتحديد، ترتفع حدة الازعاج منه، ومعه العدائية اللفظية اتجاهه.

في الواقع، يمكن رد هذه العدائية إلى كونها أيضاً مسعى لردع التواصل عن تحوّله الى اتصال، بحسب التمييز الشهير الذي أقدم عليه دومينيك ولتون بين الفِعلَين. فأن يكون التواصل اتصالاً، فهذا يعني تحقيق مكان لمتلقيه الذي يتوجه منه إليه، وهذا بديهي من خارجه. بالتالي، أول خطوة له صوبه هي التشويش عليه باعتباره الشكل الأوّلي لانتقاله إلى مكانه نحوه. فالتشويش، بهذا المعنى، هو أول تحوّل التواصل إلى اتصال، أول جعل هذا التواصل مستقبلاً لمتلقيه، وأول ذهاب هذا المتلقي صوبه. على هذا النحو، يمكن الاعتقاد بأن السهوة "الزوومية" تشير إلى إمكان أن يصير البرنامج اتصالياً، غير أن هذا الإمكان سرعان ما يتبدد. كما لو أن السهوة في التواصل هي فرصته، لكن "برمجته" تعمد إلى جعلها فرصة ضائعة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها