الأحد 2020/09/27

آخر تحديث: 12:02 (بيروت)

رياض الريس... بيروت تودع أحد آخر الكبار

الأحد 2020/09/27
رياض الريس... بيروت تودع أحد آخر الكبار
اخر الخوارج
increase حجم الخط decrease
بوفاة رياض الريس ترحل مرحلة كاملة هو أحد الباقين منها والشهود عليها والفاعلين الأساسيين فيها. وكان كتابه الأخير "صحافي المسافات الطويلة" بمثابة شهادة على هذه المرحلة التي ترجع إلى ستينيات القرن الماضي، حين كانت المنطقة تتجه نحو غد جديد. مرحلة الناصرية والبعث والشيوعية والقومية السورية. وكان رياض ابن البيت الوطني العروبي في مركز هذه الحراك الشامل، فهو نجل الصحافي والمناضل نجيب الرئيس صاحب نشيد "يا ظلام السجن"، ومؤسس صحيفة القبس التي توقفت خلال الوحدة المصرية السورية. وأراد أن يستعيدها، ويصدرها في فترة ربيع دمشق عام 2000، ولكنه لقي عدم تجاوب من السلطات السورية، والسبب واضح هو أن رياض الريس كان يريد أن يطلق صحيفة ليبرالية حرة في دمشق.

رياض أحد الذين عاشوا النهضة الاعلامية والثقافية وشاركوا فيها، وبقي وفيا لخياراتها واحلامها التي اطلقها هذا الجيل من امثال كامل مروة في الحياة، غسان تويني في النهار، سعيد فريحة في الصياد، ويوسف الخال في مجلة شعر، ولذلك ظل متنازعا بين الصحافة والثقافة. وعرفنا رياض صحافياً عمل في منابر هامة كالحياة والنهار والصياد والمستقبل، وإحدى أهم مراحل عمله حين كان صحافيا متنقلا، كاتب تحقيقات ومقابلات من شتى انحاء العالم ومع الكثير من الشخصيات السياسية، ويعد من أهم الصحافيين الذين أطلوا على منطقة الخليج في نهاية الستينيات وحتى الثمانينيات، وربطته صلات مع غالبية الزعماء والكتاب والصحافيين في المنطقة، وكان أن استقر في لندن منذ عام 1975 واصدر صحيفة المنار التي لم تدم طويلا بسبب ما واجهته من منع بسبب خطها السياسي، ومن ثم أسس مكتبة الكشكول ودار رياض الريس، وأطلق مجلة الناقد التي اصبحت معلما اساسيا في الثقافة العربية لأنها فتحت الباب واسعا أمام الأقلام العربية، وأسست لحوار حر ونشرت ملفات ثقافية على درجة عالية من الأهمية تتعلق بالحريات والثقافة والمنع..الخ، وكان هم رياض أن يعيد اصدار القبس، وحين عاد الى لبنان فقد كان هذا أحد أهدافه، ولكن لم تكن الحسابات كما اراد، ولم يسمح له النظام السوري الحالي بذلك، فاكتفى بالنشر واصدر مجلة النقاد ولكنها لم تكن بعيار الناقد لأن بيروت اليوم لم تعد بيروت الستينيات وليست لندن. ولكن دار رياض الريس استطاعت أن تحتل مساحة خاصة في عالم النشر، وأصدرت خلال فترة وجيزة عددا كبيرا من افضل الكتاب العربية، وترجمت في ميادين على صلة بأوضاعنا وهمومنا.  


لم تساعده صحته في العقد الأخير كي ينجز كل مشاريعه، فقد كانت صحته تتدهور، ولكنه بقي يعمل بدأب شديد، ويتابع مجريات اصدار كتب الدار، ويصر على التميز وابقاء مستوى الدار بين دور النشر الناجحة، ولم يكن هدف الريس تجاريا بل كان مخلصا للثقافة وحرية الصحافة. وفي آخر تواصل معه منذ اسابيع كان الريس في لحظة مرح وتجل واستعاد ذكريات بعيدة عن الشام، اللقاءات التي كان يعقدها مع المثقفين في دمشق ما بعد عام 2000 ووصول بشار الأسد إلى الحكم، وتحدث عن أماكن بعينها في دمشق، ولكنه في كل مرة يتكلم عن دمشق يرجع إلى بيروت التي ظل رياض متعلقا بها، يحبها وتحبه، وفي لقاءات مقهى سيتي كافيه في كانت طاولة رياض محجوزة يوميا وسط الصالة وعليها يلتقي شعراء وروائيون وصحافيون، وكان كرم رياض وطيبه ودماثته وثقافته الواسعة تحتضن الجميع.

تودع بيروت اليوم أحد آخر الكبار الذين عرفتهم، رياض نجيب الريس "ها أنت تقف وحيداً أمام صندوق حياتك، الذي كسائر صناديق الآخرين، لا يفتح بسهولة. وربما سيكون عليك كسره أو رميه على الأرض، ستجد في هذا الصندوق فتاتاً من بطاقات الآخرين البريدية أو قطعاً من صناديقهم فهذا ما يفعله الأصدقاء حين يغيبون. يتركون في ذاكرة من بقي حياً عاداتهم المفضلة، أصواتهم، رؤيتهم للحياة، ونكرانهم المتواصل للموت. وهذا ربما ما أفعله الآن". (من كتاب صحافي المسافات الطويلة 2017)
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها