الجمعة 2020/08/07

آخر تحديث: 11:53 (بيروت)

بيروت زفرة العربي الأخيرة بين نكبات ثلاث

الجمعة 2020/08/07
بيروت زفرة العربي الأخيرة بين نكبات ثلاث
انفجار المرفاء في بيروت(علي علوش)
increase حجم الخط decrease
انفجار بيروت قد يكون من فعل فاعل، وقد لا يكون، لكنه جاء في توقيت كانت فيه كل المعطيات تنذر بحدث كبير في هذه المنطقة التي كانت تعيش حالة تأهب عسكرية بين اسرائيل حزب الله وإيران. لحظة الانفجار، تجاوز فيها الاحتقان كل حد، ليس في لبنان فحسب، بل في عموم العالم العربي، وخصوصاً في سوريا والعراق.
 
جملة واحدة هزت أميركا: "لا أستطيع أن أتنفس". قالها الإفريقي الأميركي جورج فلويد، وهو يئن بين ركبتي الشرطي الأميركي العنصري، ويلفظ أنفاسه. هذا هو حالنا في الشرق الأوسط، نشعر بالاختناق منذ أكثر من نصف قرن، نصرخ ولا يصل صوتنا لأحد، وفي كل يوم نحسُّ بأن الساعة الأخيرة تقترب. وحين حصل انفجار بيروت، خطر لبعض أهل هذه المدينة أنها نهاية العالم، ولم تكن كذلك، لكنها ليست بعيدة منها. فبيروت تعرضت لدمار يشابه إلى حد كبير ما أصاب بعض أحياء حلب الشرقية بسبب قصف الطيران وبراميل نظام الأسد.

قبل أسابيع قليلة، شاهدنا فيديو أنجزته الصحافية ديما صادق تحت عنوان "وطن يموت وحياة تهاجر"، يتحدث فيه لبنانيون، منهم صحافيون وممثلون، مثل جيزيل خوري وعايدة صبرا، يعلنون فيه مغادرة لبنان نهائياً في رحلة لجوء إلى البعيد، أغلبهم نحو كندا. البعض كان يشهق بالبكاء ويتحدث بألم من ابتلع سكيناً، لأنه اتخذ هذا القرار الصعب. ولم يكن من بين هؤلاء من هو في أول شبابه، بل إن الغالبية ممن تجاوزت عمر الشباب. وباعتبار أن هؤلاء قرروا الهجرة، فإن ذلك يعني أنهم ما عادوا يستطيعون الحياة في هذا البلد الذي ليس من السهل تركه. 

النكبة الكبرى كانت اسرائيل، والثانية وصول "البعث" إلى السلطة في سوريا والعراق. والثالثة موجة تصدير الثورة الإيرانية إلى المنطقة، والتي بدأت مع الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثماني سنوات. وحين بدأت، كان مستوى دخل الفرد العراقي يقارب مستوى دخل الفرد الفرنسي، وانتهت وقد أصبح أدنى من مستوى دخل الفرد في بنغلادش، البلد الفقير الذي بلا موارد، في حين أن العراق يشكل الاحتياطي النفطي الخامس في العالم. وانتهى الحال بأن أصبح هذا البلد الذي كان يشكل سداً في وجه المد الإيراني، إلى ساحة تلعب فيها إيران كما تشاء.

سوريا، لبنان، اليمن، العراق. أربعة بلدان عربية ضحية مباشرة للتدخلات الإيرانية المباشرة في شؤونها. أربعة بلدان دفعت فواتير لا حصر لها، وتحولت من دول إلى خرائب، وانهار كل ما بناه أهلها منذ قرون على صعيد التحول المدني. صرنا طوائف، وقبائل، سنّة وشيعة، وتفككنا أكثر من ذلك، حتى أن المكوّن العائلي الواحد انقسم على نفسه وتشظى، وهذا أخطر ما في الأمر. لم تعد هناك بلدان عربية. المدن والحواضر الكبيرة، إما تهدمت، أو جرى تغيير هويتها.

وليس سراً أن الإيرانيين يعملون منذ سنوات على التلاعب بهوية دمشق، كي لا يظل هناك أي أثر لبني أميّة، ويشتغلون في صورة منهجية على تحويل حلب إلى مدينة شيعية، وحتى قبائل الجزيرة السورية خضعت للتشييع بعدما سوّقت إيران خرافات وأوهاماً تاريخية.

تدمير الحواضر العربية الكبرى، بغداد، حلب، وبيروت، وتغيير هويتها، هو المدخل إلى طرد العرب من التاريخ، وهو السلوك الصهيوني نفسه الذي اشتغل على قتل الفلسطيني وطرده من أرضه، وتركيب رواية صهيونية تقوم على أن فلسطين تعود الى اليهود ولا تاريخ للعرب على أرض فلسطين. وهذا ما تقوم به إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن شيعية، والخليج ومصر وتونس تحصيل حاصل. نحن طوائف وعشائر وعوائل، ولا مرجعيات لنا، ولا خيار غير الخيار الإيراني.

انفجار بيروت ليس تفصيلاً عابراً، ولن يكون، سواء كان بفعل فاعل أم حادثاً عفوياً، ومن الأفضل أن يكون حادثاً عفوياً لأنه يعبّر عما وصلت إليه الحال. هو انفجار بقية الروح، والزفرة الأخيرة لكل العرب الذين خربت إيران حياتهم بحروبها وتدينها وثقافتها وخرافاتها، وبكل ما تحمله وما تعد به. بات كل ما يأتي منها، يحمل لأهل هذه المنطقة الخراب والدمار. والشعوب التي تخلصت من الاستعمار الغربي، منذ أكثر من نصف قرن، تصارع لتحرير نفسها من الاستعمار الإيراني الذي لا يَعِد إلا بالدمار.

الأمل كبير في نهوض لبنان من جديد.

لبنان بلد نهضة على مر العصور، وكل المعطيات تؤكد على أن العصر الإيراني الأسود شارف على نهايته.

ربيع لبنان وسوريا واحد. وكما قال سمير قصير: "حين يزهر ربيع العرب في بيروت، فإنه يعلن أوان الورد في دمشق".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها