الإثنين 2020/03/09

آخر تحديث: 16:50 (بيروت)

يوم المرأة.. بدأ اشتراكياً

الإثنين 2020/03/09
increase حجم الخط decrease
كما في كل عام، احتفل العالم بيوم الثامن من آذار/مارس باعتباره يوماً خاصاً بالمرأة. شهد هذا التقليد انطلاقاته الأولى منذ أكثر من قرن بالتزامن مع تنامي الحركة الاشتراكية، غير أنه لم يأخذ طابعاً رسمياً إلا في العام 1975 حين تبنته الأمم المتحدة، متخذة له محوراً خاصاً في كل عام. حمل هذا العيد في سنة 1976 شعار "الاحتفاء بالماضي، والتخطيط للمستقبل"، وحمل في هذا السنة شعار "العالم المتساوي هو عالم التمكين"، ودعا إلى خلق عالم المساواة الجندرية. 


راج في زمن ألمانيا النازية شعار نسائي يُعرف عالمياً بـ"الثلاثة ك"، وهو شعار مؤلف من ثلاث كلمات ألمانية، "كيرش، كوش، كوندر"، أي "كنيسة، مطبخ، أطفال"، ويعود في الواقع إلى غليوم الثاني، قيصر الرايخ الثاني وملك بروسيا الذي تُوّج في 1888 واستمرّ في الحكم حتى 1918. بالتزامن مع الولادة الأولى لهذا الشعار النسائي التقليدي، دعت الحركة الاشتراكية باكراً المرأة إلى الخروج من دورها المعهود للدخول في العصر الجديد. ظهرت هذه الدعوة في كتابات كارل ماركس وفريديريك انغلز، وتبلورت بشكل كبير مع تلميذهما أوغست بيل، السياسي الاشتراكي والخطيب الألماني الذي شارك في تأسيس حزب العمال الديموقراطي الاجتماعي في 1869، وقد اندمج هذا الحزب مع رابطة العمال الألمانية العامة في 1875 وبات معروفاً باسم حزب العمال الاشتراكي. أصدر أوغست بيل في 1879 كتاباً حمل عنوان "المرأة والاشتراكية"، وتحوّل هذا الكتاب سريعاً إلى بيان نسوي تردّد صداه في أنحاء العالم الاشتراكي.

تبنّت المنظّرة الثورية روزا لوكسمبورغ هذا البيان، كما تبنّته زميلتها كلارا زيتكن، المناضلة اليسارية التي برزت في المجموعات النسوية في عهد بسمارك، وساهمت في رفع الوعي السياسي والطبقي لدى مئات العاملات الألمانيات. هكذا بدأ الحديث عن يوم خاص بالمرأة العاملة مع انعقاد أوّل لقاء عالمي للمرأة الاشتراكية في مدينة شتوتغارت سنة 1907، وتوّلت كتابة بيان هذا اللقاء روزا لوكسمبورغ وكلارا زيتكن بمشاركة ألكسندرا كولونتاي، الاشتراكية الروسية التي انضمت إلى البلاشفة الشيوعيين خلال الحرب العالمية الأولى. في 3 أيار/مايو1908، دعت فيدرالية المرأة الاشتراكية في شيكاغو إلى إقامة عيد خاص بالمرأة في مهرجان أقيم مسرح المدينة، وتبنّى حزب أميركا الشمالية الاشتراكي هذه الدعوة في العام التالي حيث شهدت عدة مدن أميركية سلسلة من التظاهرات حملت شعار "نيل الحق بالانتخاب والقضاء على العبودية الجنسية". تجدّدت هذه التظاهرات في 1910، وكان أبرزها تظاهرة تاريخية ضخمة شهدتها مدينة نيويورك في 28 شباط/ فبراير.

إثر هذه التظاهرات، اقترحت كلارا زيتكن إقامة يوم عالمي خاص بالمرأة في مؤتمر دولي للمرأة العاملة عُقد في مدينة كوبنهاغن الدنماركية بحضور مئة امرأة قدمن من 17 دولة. تمّت الموافقة على هذا الاقتراح بالإجماع، وجرى الاحتفال باليوم العالمي للمرأة للمرة الأولى العام 1911 في كل من النمسا والدنمارك وألمانيا وسويسرا، وذلك بمشاركة أكثر من مليون متظاهر. تمدّدت رقعة هذه الاحتفالات في السنوات التالية، ومنها احتفالية روسية في نهاية شباط/ فبراير 1913، قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى. في ذلك العام، تمّ الاتفاق على إقامة اليوم العالمي للمرأة في 8 آذار/مارس، وأُقيم هذا العيد في اليوم المحدّد سنة 1914، وذلك تحت شعار مناهضة الحرب والتضامن مع المرأة.

أخذ هذا العيد بُعداً جديداً في روسيا حيث شهدت مدينة سانت بطرسبرغ في 8 آذار/مارس 1917 مظاهرة حاشدة شارك فيها أكثر من تسعين ألف عامل، وذلك بالتزامن مع انطلاق الثورة الشيوعية. أقرّت ثورة أكتوبر بكل حقوق المرأة، وعينت ألكسندرا كولوناي على رأس وزارة الشؤون الاجتماعية في أول حكومة بلشفية برئاسة لينين، فأضحت أول امرأة تشغل منصب وزير في العالم أجمع. في هذه الحقبة التاريخية، دخلت المناضلة الفرنسية الروسية، إينيسا آرماند فيودورفنا، مجلس موسكو السوفياتي، كما شغلت منصب مديرة منظمة زيندوتدل التي كافحت من أجل المساواة بين المرأة والرجل في الحزب الشيوعي ونقابات العمال السوفياتية. بعدها، لمع اسم ناديجدا كروبسكايا، أرملة لينين التي شغلت منصب نائب وزير التعليم في الاتحاد السوفياتي في العام 1929.

مع صعود النازية، عاد شعار "كيرش، كوش، كوندر" في عهد الرايخ الثالث، وبات يوم المرأة العالمي المقام في 8 آذار/مارس عيداً ثورياً بامتياز. مع نهاية الحرب، تردّد صدى الثورة النسوية في العالم العربي، وعلا في المقام الأول في مصر. في تموز 1943، نشرت عائشة عبد الرحمن، المعروفة بـ"بنت الشاطئ"، مقالة في مجلة "الهلال" عرضت فيها تطور ثورة "المرأة الجديدة"، ورأت بأن هذه الثورة بدأت العام 1900 حين نالت فتاة مصرية الشهادة الابتدائية للمرة الأولى في تاريخ البلاد. بعدها، اندفعت الجموع النسائية لتقتحم المدارس الأولية والابتدائية والثانوية، ثم أدركت أبواب الجامعة، وسعت لاحقاً للدخول إلى البرلمان. في شباط/فبراير 1944، تم تأسيس "الحزب النسائي الوطني المصري"، وكان هدفه الأول المطالبة بحق المرأة في الانتخابات وفي تمثيلها في البرلمان. وفي شهر أيار/مايو طالبت المرأة المصرية رسمياً بحق التصويت، وحق النيابة عن الأمة، ولقي هذا الاقتراح معارضة جماعية من المجلس النيابي، فتم رفضه من أساسه. في آذار/مارس 1946، أقامت "رابطة فتيات الجامعة والمعاهد المصرية" مؤتمراً طالبت فيه بحقوق المرأة السياسية بصوت عال. وبعد بضع سنوات، قادت رئيسة "اتحاد بنت النيل"، درية شفيق، تظاهرة في القاهرة توقفت أمام البرلمان المصري للمطالبة بحق المرأة في الدخول إليه، وجرى محاكمتها بتهمة عقد اجتماعات عامة دون إخطار الجهات المسؤولة.

في الشرق كما في الغرب، واصلت المرأة مسيرتها الكفاحية في العقود التالية بلا كلل. وفي العام 1975، أضحى يوم المرأة عالمياً حين شرعت الأمم المتحدة بالاحتفال به رسمياً. ومع مرور السنوات، أصبح هذا اليوم موعداً للاحتفال بإنجازات المرأة في المجتمع وفي مجالات السياسة والاقتصاد، مع العلم بأن جذوره السياسية تقوم في الأصل على المبادئ الاشتراكية، كما على حركات الإضرابات والاحتجاجات المنظمة لمواجهة استمرارية عدم المساواة بين الرجال والنساء.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها