الإثنين 2019/08/19

آخر تحديث: 13:34 (بيروت)

أودريه عنيد: رفع المكان بالانطباع

الإثنين 2019/08/19
أودريه عنيد: رفع المكان بالانطباع
تجعل من بساطتها سبيلاً إلى إنتاج الأثر الأساس
increase حجم الخط decrease
تقنية الفنانة أودريه عنيد(*) بسيطة، فهي تجمع الرسم مع الصورة، وغالباً ما تزاول الأول على الثانية، أو بالانطلاق منها، فتخرج عملها منقوشاً بالإثنين، ورابطاً بينهما. لكن، الفنانة عنيد تدرك جيداً كيف تجعل من تقنيتها تلك أسلوباً لها، وكيف تجعل من بساطتها سبيلاً إلى إنتاج الأثر الأساس لعملها ذاته، الذي يتكون منه، وربما، يشكل كل مركز ثقالته، وهو الإنطباع. ففي نتيجته، لا يعود العمل رسماً ولا صورة، ولا توفيقاً بينهما، إنما مجالاً له، لبروزه مبدلاً في وسيطيه، ومحولا اياهما إلى وسيط واحد، يشتغل لإبدائه أو لاستخلاصه منهما.

من الممكن الحديث عن مروحة انطباعية في عمل عنيد، تدور من علاقة الألوان التي تلطخ  الصور بها، وموضوعات هذه الصور. على الألوان هذه، يغلب المزج التعتيقي، أو بالأحرى "التبييخي"، الذي يتخلله بعض الشدات، بحيث أنه، وبفعلها، لا يعود ماضياً، إنما بارزاً في حينه، أو، وبعبارة اخرى، حائناً. أما على الصور، فتغلب موضوعة، وهي المكان المديني، وهذا، حتى لو كان هذا المكان مرتع ذكريات طفولية، أو حوادث منصرمة. العلاقة إذاً تستوي بين المزج والمكان، فعلى أثرها، لا يعود المكان كما هو في أساس التقاطه، إنما يتبدل، لا ليصير مكاناً غيره، إنما لكي يغدو، وبتحديد المزج له، فضاء انطباعياً.



الاستفهام الذي يطرحه كل عمل من أعمال عنيد هو حول كيفية بنائها هذا الفضاء الانطباعي، الذي، وفي بعض الاحيان، يبدو أنها تستخلصه من المكان، أي أن هذا المكان ينطوي عليه سابقاً.

هنا، يصح ضرب عملين كمثالين. 
الأول، يظهر في صورته مشهداً بيروتياً مألوفاً، يتكون من مبانٍ باهتة متلاصقة، وعلى هذه الصورة، وُضع لون متدرج من الأحمر إلى مطلع الزهري، وقد امتزح بلون السماء الأزرق في اللقطة. بامتزاجهما، يولد تفاوت واضح بينهما وبين بهتان العمران ورائهما، أو فيهما. الا ان هذا التفاوت سرعان ما يشير إلى شيء معين: أحمره يتصل بأحمر، أو مُشبه بالأحمر، كان على تلك المباني، اذ كان دهانها، ومع الوقت، زال. بالتالي، الأحمر يعيده من زواله، غير انه يعيده مستاء، وعلامة الاستياء هذا هي نحو تبقيعه، كأنه ينزع المشهد، أو يحتل أعلاه، وفي الوقت نفسه، يتوقف عليه بلا الكثير من المبالاة في الاطاحة به. على هذا النحو. يصير المكان، وعلى اثر المزج، فضاء الاستياء المكثف كغيوم فوق المباني، والمخفف كضباب بينها.

في العمل الثاني، يظهر مشهداً مدينياً مختلفاً، البهتان فيه يتراجع لصالح الكلوح، الذي تتصف به المباني الجديدة، أو الجديدة نوعاً ما، في بيروت. وعلى هذا الكلوح، ثمة تبقيع أخضر، ليس غامقاً فحسب، بل، وأيضاً هو هلامي وازن، ولهذا، هو لاصق. هذا الأخضر مستخلص من المكان، من زجاجه، ومن اشجاره القليلة تحديداً، ولم يتحول غامقاً إلا من جراء اختلاطه بجوه المتكدر من جراء تلوث الهواء، ومن جراء الطقس أيضاً. ليصل الأخضر الى هذا المكان، ويبقعه، لا بد أنه كان فيه، لكن، وبما انه، وكمساحات بيئية، صار ضئيلاً للغاية، أو شبه معدوم، فقد تبدد منه. لذا، يرجع فيه، ملتصقاً به، تأكيداً على أنه يحتاج اليه، على أنه لازم له، وفي حال ابقى على تبديده، سيكون في كل مرة غامقاً ووازناً أكثر، وعندها، سيعطل حركته، وهذا، إن كان لا يزال يتحرك. في هذه الجهة، يصير المكان فضاء الاختناق، الذي يحتم عليه التنفس، والا سيمضي الى موته، أو بالأحرى إلى تحلله.

على أساس هذين المثلين المضروبين آنفاً، من الممكن صياغة طريقة للنظر إلى عمل أودريه عنيد، إلى جانب من جوانبه الرئيسية على وجه الدقة. هذه الطريقة تستند إلى كون مطلع المزج موجوداً في المكان، أو مطلع التلطيخ يبدأ من صورته، وهذا، كعلامة لونية كانت فيه، لكنها، زالت، وبعد ذلك، تبرز عليه بالانطلاق من ضرورتها له، مسجلة انطباعها، وجاعلة منه فضاء هذا الانطباع. عودتها عليه تفيد بأنها حضرت فيه، أو شرعت في فعل ذلك، لكنه، لم يبقيها. لهذا، تستولي على سطحه لتشكل تحذيراً أو تنبيهاً له، وفي بعض الأوقات، لتجمده.

(*) يقدم غاليري "آرت لاب" في الجميزة معرضاً لها 
http://www.audreeanid.com/
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها