الأحد 2019/12/29

آخر تحديث: 11:24 (بيروت)

الحريري المكشوف ودياب الملتبس

الأحد 2019/12/29
الحريري المكشوف ودياب الملتبس
سعد الحريري حسان دياب (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease
سعد الحريري رجل مكشوف. ربّما يختلف الناس في تقييم سلوكه السياسيّ، ولكنّ الكلّ يعرف ما يريد. يتحدّث عن «المعارضة» وضرورة العودة إلى صفوف المعارضة. ولكنّ الجميع يدركون أنّه يتحرّق شوقاً للرجوع إلى تلّة السراي. كيف يعارض من يتبنّى بدعة الميثاقيّة، التي اخترعها له حلفاء الأمس وأعداء اليوم، ويتلطّى وراءها كي يحرق كلّ خصومه السياسيّين ويخرج من ركامهم قويّاً معافى؟ نحن لسنا في حاجة إلى مقالات الصحافيّين الطنّانة وتحليلاتهم الرنّانة كي نفهم ما يعتمل في خلد الشيخ سعد. فحتّى الأطفال في شوارع المدن الثائرة يدركون ما يريد ويبتسمون بمكر، ثمّ يهلّلون لشفافيّة الزعيم العظيم.


على قدر أهل العزم تأتي العزائم، يقول الشاعر. وبقدر ما تبدو سريرة الحريري مكشوفةً وشفافّةً بحيث تسهل على القاصي والداني قراءتها، بقدر ما يحيق الالتباس بالرئيس المكلّف حسّان دياب. هذا الالتباس لا يطاول فقط موقف الرجل من الكتلة النيابيّة الوازنة التي جعلت منه رئيساً مكلّفاً رغم أنف سعد الحريري، بل ينسحب أيضاً على موقف هذه الكتلة منه ومن منهجيّة عمله. يمكن رصد هذا الالتباس في السيناريوهات التي يتناقلها المحلّلون من دون أن يتمكّن أيّ منها من فرض أرجحيّته. السيناريو الأوّل هو أنّ الحكومة جاهزة وأنّ التأخّر في إعلانها إن هو إلاّ ذرّ للرماد في العيون. السيناريو الثاني هو أنّ الرئيس المكلّف يتشبّث بحكومة مصغّرة من الأختصاصيّين المستقلّين، ما سيدخله عاجلاً أم آجلاً في صدام مع «أولياء نعمته»، الذين يصرّون على حكومة تشبههم. السيناريو الثالث هو أنّ هؤلاء بالذات سيمطرونه بكلّ التسهيلات التي حرموا منها الشيخ سعد، وذلك طمعاً في الانتقام من الحريري. والسيناريو الرابع هو أنّ حسّان دياب مجرّد فزّاعة أتى بها أهل السلطة كي يؤدّبوا الحريري قليلاً قبل أن يستعيدوه بشروطهم متى فشل دياب في تشكيل الحكومة أو في إدارة الأزمة الاقتصاديّة بعد التشكيل، علماً بأنّ السحر قد ينقلب على الساحر. فالحريري ليس حملاً وديعاً، وكلّ المؤشّرات تدلّ على أنّه اختار المواجهة. أمّا حسّانً دياب، فهو رغم تأرجحه بين الكلام الكثير والصمت الكثير، ليس طرطوراً.


ولكنّ الالتباس غالباً ما يحيل إلى ما هو أبعد منه. وربّما تكمن دلالة هذا الكمّ الكبير من الالتباس في أنّ اللعبة التي يحاول أهل السلطة إدارتها على شفير هاوية ذي مقلبين، الأوّل هو الانهيار الاقتصاديّ والثاني هو ثورة الناس، أنّ هذه اللعبة قد أصابتهم بالإرباك. فهم يلهون بالاحتمالات المحليّة ولكنّهم لا يقبضون على مآلاتها. يتكهّنون برمزيّة المعطيات الإقليميّة ولكنّهم عاجزون عن التأثير فيها. يروّجون لنظريّة المؤامرة ويتطيّرون من عدم اهتمام «المتآمرين» بهم. يسعون إلى خنق الثورة ويدركون في قرارة أنفسهم أنّ هذا لن يحول دون انهيار الهيكل على رؤوسهم.


حيال كلّ هذا، كيف يمكن لرئيس مكلّف اسمه حسّان دياب أن يتصرّف؟ إذا كان هذا الرجل يؤمن فعلاً بما قاله من أنّ لبنان بعد ١٧ تشرين الأوّل ليس هو نفسه لبنان ما قبل الثورة، لا يبقى له سوى أن يطرح عن نفسه الالتباس الذي يلتفّ به من قذفوا به إلى موقع لا يحسده عليه أحد، سوى سعد الحريري طبعاً، فيؤلّف حكومةً تشبه الناس وتشبه ثورتهم، أي لا تحتكم إلى التوازنات السياسيّة ولا تناغي الميثاقيّة الكريهة، بل تستند إلى معيار واحد هو الاستقلال ونظافة الكفّ. هكذا يضع الجميع أمام مسؤوليّتهم. فإمّا أن يقبلوا الحكومة فيبقى، وإمّا أن يرفضوها فيرحل. أن يطرح حسّان دياب الالتباس هو أيضاً أن يتوسّل الصراحة، كلّ الصراحة، مع الناس الذين لم يتوقّفوا عن الثورة بعد. وهذا يعني أنّ يكشف المعرقلين، ويسمّي المعطّلين، ويفضح التافهين، ويميط اللثام عن المجرمين. هو حريّ به أن يقوم بهذا كلّه لا لأنّ الناس لا يعرفون هؤلاء، بل لأنّ الصراحة في السياسة قيمة في ذاتها، ولأنّه إن اختطّ هذا النهج، فإنّه يختطّه من أجل نفسه إذا هو أراد أن يكتب تاريخُ لبنان تاريخَه القصير كرئيس للحكومة بحروف من ذهب. أمّا تاريخ الآخرين، فسيُكتب بحروف لا لون لها، لأنّه مزيج من السفالة والعمالة والدم.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها