السبت 2019/12/14

آخر تحديث: 12:01 (بيروت)

هدايا الآثار المصرية أينما حفَرتَ.. وأحياناً تكفي ملاحقة اللصوص!

السبت 2019/12/14
increase حجم الخط decrease
معروف أنك إذا حفرت في أي بقعة في مصر، ستجد آثاراً مدفونة، هذه مقولة شائعة ونصيحة مجرّبة. لكن أحيانا لا داعي للحفر، يكفي أن تقوم بعمليه تفتيش بسيطة. فالأسبوع الماضي وأثناء جولة تفتيشية روتينية داخل أحد مراكز الغسيل الكِلى في مركز الفشن بمحافظة بني سويف جنوبي مصر، عثرت لجنة من وزارة الصحة على 431 قطعة أثرية مخبأة داخل كراتين! لم يعرف حتى الآن كيف وصلت الآثار لهذا المكان، والمسألة رهن التحقيق بالتأكيد، لكن على الأقل تم التأكد من أثرية القطع، حيث أقرتْ لجنة من خبراء وزارة الآثار المصرية أثرية عدد كبير منها، بل والأهم أنها ليست من مفقودات الوزارة أو المتاحف أو المواقع والمخازن الأثرية بل هو "عمل ناتج عن الحفر خلسة وغير شرعي" حسب بيانها.


مدير عام آثار مصر الوسطى، جمال السمسطاوي، قال إن عدد القطع التي تم التحقق من أثريته بلغ حتى الآن 135 قطعة، منها 122 عملة، من عصور مختلفة، وصندوق خشبي مفكك وفي حالة سيئة من الحفظ، وقناع من الجص يرجع للقرن الثاني الميلادي، وعدد آخر من القطع الأثرية ترجع للعصر المتأخر، معظمها في حالة سيئة، منها أوجه وتماثيل خشبية على هيئة آدمية.


حفائر الإنقاذ

الحفر غير الشرعي منح الجهات الحكومية المسؤولة عن الآثار، هدايا مهمة، خلال العقود السابقة، ربما بشكل أكبر مما قدمته البعثات الأثرية المتخصصة نفسها، ولا تزال عطايا الملاحقة مستمرة حتى الآن. فمع بدايات ديسمبر الجاري، قُبض على صاحب قطعة أرض بتهمة التنقيب عن الآثار داخل أرضه بميت رهينة (إحدى القرى التابعة لمركز البدرشين في محافظة الجيزة)، واستكملت وزارة الآثار ما بدأه بعد القبض عليه لتستخرج تمثالاً أثرياً ملكياً على هيئة "الكا" رمز القوة والحيوية والروح الكامنة.

أطلقت الآثار على عمليات الحفر هذه، اسم "حفائر الإنقاذ"، وقالت إن العمل في الأرض الواقعة بالقرب من معبد الإله بتاح في منطقة ميت رهينة، أسفر عن اكتشاف كتل أثرية ضخمة مغمورة في المياه الجوفية، أبرزها الجزء العلوي لتمثال نادر من الغرانيت الوردي للملك رمسيس الثاني على هيئة "الكا". واعتبرت الكشف من أندر الاكتشافات الأثرية، فهو أول تمثال لـ"الكا" من الغرانيت يكشف النقاب عنه، فالتمثال الوحيد من هذا النوع مصنوع من الخشب لأحد ملوك الأسرة الثالثة عشرة ويدعى "او ايب رع حور" وهو معروض حالياً في المتحف المصري بالتحرير.

يبلغ ارتفاع الجزء المكتشف من التمثال 105 سم، وعرضه 55 سم، وسماكته 45 سم. ويصور الملك رمسيس مرتدياً باروكة وتعلو رأسه علامة "الكا". كما نُقش في عامود الظهر الخاص به، الاسم الحوري للملك رمسيس، "كا نخت مري ماعت"، بمعنى "الثور القوي محبوب ماعت".

نُقل التمثال وباقي الكتل المكتشفة إلى المتحف المفتوح في ميت رهينه، للخضوع لأعمال الترميم اللازمة، حيث عثرت البعثة أيضاً على عدد كبير من الكتل الأثرية من الغرانيت الوردي والحجر الجيري وعليها نقوش تصور الإله بتاح إله مدينة منف، بالإضافة إلى خراطيش للملك رمسيس الثاني ونقوش أخرى، تصور الملك أثناء ممارسة طقس الحب سد.


واعتبر خبراء الأثار أن الأرض التي كُشف بداخلها عن تلك الكتل، امتداد لمعبد الإله بتاح الملاصق لها، وأن النقوش المحفورة فيها تدلّ على عظمة وروعة عمارة المعبد، وستكمل الوزارة أعمال الحفر الأثري في المنطقة للكشف عن باقي الكتل المكونة لأجزاء المعبد وانتشالها من المياه الجوفية، ما يعني أننا ربما على أعتاب كشف كبير، سيكون من الصعب نسبه للص الآثار صاحب الأرض.

البحث وراء اللصوص قاد أيضاً إلى كشف آخر هذا العام، إذ ضُبطت مجموعة من العملات الصينية في مطار برج العرب، في شهري يناير ومارس من العام الجاري، أثناء محاولة تهريبهم خارج البلاد، واحتُفظَ بها كأحراز لحين الانتهاء من التحقيقات. عُرضتْ العملات على السفارة الصينية لإبداء الرأي، وقالت السفارة في تقريرها المبدئي الصادر في سبتمبر الماضي، إنه بعد مراجعة 21 مؤسسة ثقافية حكومية بالصين الشعبية أُقرّت أثرية 23 من أصل 31 قطعة وأنها خرجتْ من الصين بطريقة غير شرعية، إلا أن السفارة أرجأت قرارها النهائي إلى حين الفحص الفعلي للقطع.

الأسبوع الماضي قامت اللجنة المصرية الصينية المشتركة بفحص ومعاينة العملات بالفعل وتبيّنت أثريتها جميعاً، وقالت إيمان عبد الرؤوف، مدير عام الإدارة العامة للوحدات الأثرية بالمنافذ والموانئ المصرية وعضو لجنة المعاينة، إن العملات المضبوطة نادرة جداً، ترجع لعصور مختلفة من تاريخ السلالة الحاكمة لدولة الصين، وقررت اللجنة المشتركة مصادرة جميع القطع لصالح وزارة الآثار، وأوصت اللجنة بإيداع العملات في المتحف المصري بالتحرير إلى حين تسليمها للسفارة الصينية في القاهرة.


خبيئة العساسيف

لكن رغم ذلك يظل الكشف الأكبر هذا العام، ما جاء على يد البعثة المصرية العاملة في الأقصر، وأعلن عنه مطلع شهر أكتوبر في "جبانة العساسيف" في البر الغربي في محافظة الأقصر جنوب مصر. حيث عُثر على "خبيئة أثرية" تضم 30 تابوتاً خشبياً ملوناً بوجه آدمي، يعود تاريخها إلى القرن العاشر قبل الميلاد، وجميعها من الأسرة 22 في مصر القديمة. ورجحت البعثة أن أحد الكهنة جَمع هذه التوابيت المكتشفة من داخل بيوت الحجر التي دفنت فيها، خوفاً عليها من لصوص المقابر.

وهو كشف، ربما لا يقل أهمية عن اكتشاف الخبيئة الأشهر في مصر والمعروفة باسم "خبيئة الدير البحري" والتي –للمفارقة- يرجع الفضل في اكتشافها لأحد أفراد عائلة عبد الرسول الذين احترفوا سرقة الآثار.

بحسب أمين عام المجلس الأعلى للآثار المصرية ورئيس بعثة الآثار المصرية العاملة في منطقة العساسيف، مصطفى وزيري فإن أعمال الكشف عن الخبيئة بدأت في 13 أكتوبر 2019، حيث عثر في اليوم الأول على تابوت واحد، وفي المستوى الأول من الكشف وصل العدد إلى 18 تابوتا، قبل أن يُعثر على الـ12 الأخيرة ليصل مجموع التوابيت المكتشفة إلى 30 تابوتاً خشبياً ملوناً بوجه آدمي لرجال ونساء، منها 3 توابيت لأطفال مختلفة الأحجام. وتعد أول خبيئة توابيت آدمية كبيرة، اكتُشفت كاملة منذ نهاية القرن التاسع عشر. وتدل طريقة صنع التوابيت على المراحل المختلفة في تلك الفترة، منها ما هو مكتمل الزخارف والألوان ومنها ما هو في مراحله الأولى للتصنيع. وتدلّ المناظر المنقوشة في جوانب التوابيت على موضوعات مختلفة، منها تقديم القرابين ومناظر من كتاب الموتى، ومناظر لتقديم قرابين للملوك المؤلهين كالملك أمنحتب الأول الذي كان يُعبد في الدير البحري، وكذلك عدد من النصوص التي بها ألقاب لأصحاب التوابيت. ويجرى حالياً تجهيز قاعة عرض خاصة لعرض التوابيت مع افتتاح المتحف المصري الكبير.


جبانة الحيوانات

فى نوفمبر الماضي أعلن الدكتور خالد العناني، وزير الآثار، في مؤتمر صحافي عالمي، عن كشف أثري جديد في منطقة سقارة الأثرية قامت به بعثة أثرية مصرية أيضاً برئاسة الدكتور مصطفى وزيري الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أثناء أعمالها في جبانة الحيوانات بجوار المكان الذي كُشف فيه، العام الماضي، عن مقابر لكبار رجال الدولة، بالإضافة إلى جبانة للقطط والحيوانات والطيور المقدسة.



وزير الآثار وصف الكشف بأنه إعلان عن متحف كامل؛ حيث يضم مجموعة ضخمة من 75 تمثالاً من القطط مختلفة الأحجام والأشكال مصنوعة من الخشب والبرونز، و25 صندوقاً خشبياً بأغطية مزينة بكتابات هيروغليفية بداخلها مومياوات لقطط، وتماثيل من الخشب لحيوانات مختلفة منها النمس والعجل أبيس وتماسيح صغيرة الحجم بها بقايا تماسيح محنطة والإله أنوبيس، بالإضافة إلى جعران كبير الحجم مصنوع من الحجر، وجعارين أخرى صغيرة مصنوعة من الخشب والحجر الرملي عليها مناظر آلهة وتمثال من الخشب مميز الشكل لطائر أبو منجل، ومجموعة من تماثيل آلهة مصرية قديمة منها 73 تمثالاً من البرونز للإله أوزير، و6 تماثيل خشبية للإله بتاح سوكر، و11 تمثالاً للآلهة سخمت مصنوعة من الفيانس والخشب، وكذلك تمثال جميل من الخشب للآلهة نيت.

وأوضح مصطفى وزيري أن أهم ما يميز هذا الكشف هو العثور على خمسة مومياوات لقطط ضخمة والتي رجحت الدراسات الأولية أن تكون لأشبال أسود صغيرة، حيث أن نتائج الأشعة السينية والدراسات العلمية المبدئية التي أجريت على اثنين منهما، على يد الدكتورة سليمة إكرام والدكتور ريتشارد ريج المتخصصين في مومياوات الحيوانات، أثبتت بنسبة 95٪ أنهما لأشبال أسود صغيرة تبلغ من العمر حوالي ثمانية أشهر، وذلك طبقا لأشكال وأطوال وأحجام العظام الخاصة بهما، مؤكداً على أن مزيدًا من الدراسات ستُنفذ خلال الأسابيع المقبلة للتأكد بنسبة 100٪ من النتائج المبدئية، كما ستمتد الدراسات لتشمل باقي المومياوات للتأكد من جنسها وما إذا كانت تخص قططاً ضخمة أو قططاً برية أو أشبال أسود صغيرة.

وأكد وزيري أنه إذا اثبتت الدراسات أن هذه المومياوات تخص أشبال أسود صغيرة ستكون هذه هي المرة الأولى التي يعثر فيها على هذا النوع من المومياوات، حيث اكتُشفَت من قبل هياكل عظمية فقط لأسود.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها