الجمعة 2019/12/13

آخر تحديث: 12:14 (بيروت)

تيري جيليام لـ"المدن": الصواب السياسي ينال من إنسانيتنا

الجمعة 2019/12/13
تيري جيليام لـ"المدن": الصواب السياسي ينال من إنسانيتنا
تيري جيليام.. مؤسِّس فرقة "مونتي بايثون" وصاحب فيلم "حياة بريان"
increase حجم الخط decrease
في نهاية ستينيات القرن العشرين، أسَّس تيري جيليام(*)، مع جون كليز وآخرين، فريق الكوميديا البريطاني الشهير "مونتي بايثون"، الذي أحدث ثورة فكاهية بتقديمه نوعاً جديداً منها ذاعت شعبيته باسكتشات هزلية عبثية الطابع. في أفلام مثل "حياة بريان" أو "مونتي بايثون والكأس المقدسة"، مدّ جيليام وزملاؤه حدود دعاباتهم واكتسبوا جمهوراً عالمياً. بعد انفراط عقد المجموعة، تحول جيليام إلى أنواع أخرى كصانع أفلام، ليسطّر اسمه خالداً في لوائح فنانين غذّوا المدونة السينمائية برؤاهم الخلّاقة وخيالهم اللامحدود. لكن مشواره لم يكن أبداً سهلاً. فطوال طريقه المهني، لازمته الصعوبات المادية والعثرات الإنتاجية. ومؤخراً، صار أكثر ما يزعجه خطاب الصواب السياسي المتفشّي، وكذب الجدالات الرائجة، والمناقشات الهادفة إلى وضع المزيد من القيود الأخلاقية على العمل الإبداعي.

جيليام زار القاهرة مؤخراً، حيث كرّمه مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الحادية والأربعين بجائزة فاتن حمامة التقديرية عن مجمل أعماله. "المدن" التقت السينمائي المخضرم، فكان هذا الحوار حول مسيرته وفيلمه الأخير الذي شغله 20 عاماً.

- أنت في مجال الكوميديا منذ أكثر من 40 عاماً. في اعتقادك كيف تغيّرت مهنة الممثل الكوميدي بمرور الوقت؟

* عندما بدأتُ استخدام الهجاء في الستينيات، كانت فترة أراد الناس تجربة المغامرة والتعرُّف على أشخاص مختلفين تماماً عنهم. اليوم، أصبح الناس خانقين وحذرين وحسَّاسين للغاية تجاه النقد. عالم متمحور حول الذات. هذا يحدّ من الكوميديا. إذا قمت بإلقاء نكتة، فقد يشعر أحدهم بالإهانة، على الرغم من أن ذلك لم يكن المقصود. ألا ينبغي أن نمزح بعد الآن؟ لا أظن ذلك! الكوميديا ​​جزء مهم من الحياة، وربما أكثرها إفادة للإنسان.

- قبل فترة، أعلنت مديرة برنامج كوميدي في "بي بي سي" أنها لن تقوم بتشكيل فرقة كوميدية اليوم تتكون من "ستة رجال بيض من أكسفورد أو كامبريدج"، مثلما فعلتَ وزملاؤك في "مونتي بايثون". وبدت عليهم الحماسة جداً حول هذا الموضوع.

* عندما سُئلت عن ذلك في مؤتمر صحافي، قلت إنني تعبت من إلقاء اللوم علىّ كرجل أبيض في كل خطأ في هذا العالم، وأنني الآن امرأة مثلية سوداء في طريقها لتغيير جنسها واسمها ربما يكون لوريتا. كانت تلك مزحة، لكن يمكن أن تكون حقيقة. نتيجة لذلك، قرر مهرجان سينمائي في أميركا الشمالية، عدم عرض فيلمي. كان واضحاً أن دعوتي لمزيد من التنوع أساءت إلى شخص ما. مؤسفٌ ألا يُضمَّن فيلمي في برنامج المهرجان بسببي، أو بالأحرى بسبب فهم خاطئ لحديثي.

- هل تحدثتَ مع المنظمين؟

* لا، لماذا ينبغي عليّ ذلك؟ تحدث وكيل أعمالي معهم. إذا أمكنني تصوّر كيف يمكن لمزحتي الإضرار بشخص ما، سأتراجع عنها فوراً. لكن لا أستطيع تخيُّل ذلك حتى. كان الأمر مضحكاً. لكننا نعيش وقتاً تُعدّ فيه الكلمة نفسها جريمة، وليس ما تعنيه. نتيجة لذلك، لا يتواصل الناس بشكل صحيح. يستخدمون كلمات مُلطَّفة أو يتفادون قول أشياء معينة. أعتقد أن هذا أمر محزن للغاية. الصدامات مهمة لفهم بعضنا البعض.

- يمكنني فهم وجهة نظرك كفنان. لكن الشعبويين اليمينيين يستخدمون الحجج ذاتها التي تثيرها: أن الصواب السياسي يذهب بعيداً، وأنهم يخضعون للرقابة، وأن هناك أشياء معينة يلزم قولها...

* أن يدّعي اليمينيون ذلك، فهذا لا يعني أني لا أستطيع قوله بدوري. هكذا أفكر، وأنا آخِر من يكون يمينياً! في هذه الأثناء، أتساءل ما إذا كانوا أيضاً لا يمارسون الألعاب الكلامية، إذا ما بالغنا في استخدام منطقهم. هناك فرق كبير بين الفكاهة والكراهية. إذا كان الناس لا يستطيعون التمييز بين هذين الأمرين، فنحن على أرض خطرة. أفضل الكوميديات تستند ​​إلى الصدق والحقيقة، والصواب السياسي لا يفعل ذلك في كثير من الأحيان. أودُّ أن أرى المزيد من الاستفزازيين في صفوف اليسار والوسط. اليمين لديه بالفعل ما يكفي.

- هل واجهت أي قيود في عملك؟

* ذات مرة عرضت إحدى الشركات عليّ عقداً يتضمن "بنداً أخلاقياً" فضفاضاً للغاية: كان يفترض به إجباري على عدم قول أو فعل أي شيء يمكن أن يسيء إلى أي شخص. ليس لذلك علاقة بالمسألة الإبداعية، فقط أرادت الشركة المنتجة التأكد من خلال العقد أنني كنت "صائباً سياسياً"...

بالطبع لم أوقّع، على الأقل ليس النسخة التي عُرضت عليّ وفريقي. كان العقد يقول بشكل أساسي: إذا عملت معنا، فإنك توافق على تقييد حرية تعبيرك إلى أشياء تتماشى مع التيار السائد أو تلك التي لا يمكن اعتبارها مثيرة للجدل أو مسيئة. إذا قلت أشياء مثيرة للجدل قد تسيء إلى مشاعر الآخرين، فقد نضطر لطردك. إنها شركة ناجحة للغاية تنتج برامج تلفزيونية ناجحة للغاية، لكن تم تخويفها من قبل الرأي العام حول أي وجهات النظر صارت مقبولة في عالم اليوم. أعتقد أن هناك أشخاصاً يريدون العمل هناك ووقعوا على هذا البيان بالفعل. هذا يخيفني.

- كيف تتعامل مع ذلك، عندما تشعر بالإهانة من قبل الآخرين؟

* تعرف؟ أشعر بالإهانة طوال الوقت. بسبب طريقة تصرُّف الناس، بسبب ما يقولونه ... لكن ماذا أفعل؟ إما أن أبدأ منظمة لمحاربة هذا، أو أقوم بعمل فيلم أو أكتب شيئاً مضحكاً. أحياناً أقول شيئاً لا يقوله غيري، لفتح النقاش. مجتمعنا تشكَّل بنسبة كبيرة من خلال التفكير الجماعي: الجميع يريد فقط أن يحيط نفسه بأشخاص يفكرون مثله.

- أستنتج من ذلك أنك تستطيع كسر الاستقطاب الاجتماعي، فقط إذا قلت شيئاً مثيراً من وقت لآخر؟

* أعتقد ذلك. بالطبع ستتعرض للهجوم إذا مضيت قدماً في ذلك الدرب الوعر. أحياناً، لا يريد الناس سماع الحقيقة كما هي. أثناء جدل "مي تو" #MeToo، قلت إن ثمة نساء استفدن من الذهاب مع هارفي وينشتاين إلى غرفته الفندقية. لم أفعل ذلك لإهانة ضحاياه، لكن لأنه كان حقيقياً وصحيحاً. كثيرون وجدوا تصريحاتي مثيرة للاشمئزاز. في الوقت ذاته، في "فايسبوك"، تلقيت الكثير من التعليقات الإيجابية من نساء وجدن أيضاً أن #MeToo ذهبت أبعد من اللازم وكانت مُضرّة وانتقامية في حالات الإساءات الصغيرة. كتبت إليّ إحدى الممثلات رسالة إلكترونية تقول إنها ترى الأشياء مثلي. هي أيضاً ذهبت مع وينشتاين إلى غرفته، لكن على النقيض من الآخرين، لم تلعب دور الضحية الكاملة. قلت لها: "عليكِ قول ذلك بصوت عال. أنا، كرجل، لن تكون لكلماتي التأثير نفسه". لكنها خافت من التعرُّض للهجوم أيضاً.

تريللر فيلم "البرازيل":
 


- لنتحدث عن فيلمك الأخير"الرجل الذي قتل دون كيخوته". ظلّ الفيلم في رأسك أكثر من ربع قرن. صعوبات ومشاكل يمكن رؤيتها في الفيلم الوثائقي "تائه في لا مانشا" (2002). ثم تابعت المشروع مع ممثلين ومنتجين جدد...

* كل بضع سنوات، يُعقد مؤتمر صحافي في مهرجان "كان" السينمائي، حيث يقدم المنتجون الجدد وأنا، أعضاء فريق الممثلين الجدد. لحسن الحظ، نسيت معظم الإزعاج وأقاويل الناس عن طبيعتي الحالمة والخيالية. لكن الحقيقة أن أكثر الخياليين الذين واجهتهم، طوال تلك الفترة، هم العديد من المنتجين (الذين دخلوا معنا في بعض الأحيان) ممن أخبروني: "أنا من يستطيع أن يجعل هذا الحلم حقيقة". ذات مرة، قالت لي مُنتجة إن لديها المال الذي سرقه رئيس الوزراء التونسي خلال الربيع العربي. ثم ظهرت هذه الأموال في أحد البنوك في زيوريخ، وكان هناك الكثير من الأعمال الورقية للوصول إلى هناك. عبثٌ. ثم كان هناك رجل لديه حقوق ما نسبته 15٪ من الموارد المعدنية على هذا الكوكب. لكنه لم يرد تبديدها على الأفلام، بل آثر الاحتفاظ بها لابنته. هؤلاء هم المجانين حقاً، أنا سانشو بانثا...

إنها رحلة طويلة وصعبة وملهمة. ظل الناس يقولون لي: "لن تحصل على المال كله، كن منطقياً وافعل شيئاً آخر". لكن، بطريقة ما، لا أحب الناس المنطقيين، لا سيما أولئك الذين يقولون لي: "لا يمكنك فعل ذلك". في رأسي، فكّرت في أورسون ويلز، الذي لم يتمكن من إنهاء العديد من مشاريع أفلامه.

- بالحديث عن ويلز: على عكسه، تمكنت من إكمال فيلم "دون كيخوته". هل هذا بسبب عنادك؟

* بدا الأمر وكأنه مباراة داخلية مع أورسون ويلز. حسناً، مات ويلز قبل أن يتمكن من وضع اللمسات الأخيرة على الفيلم... بالنسبة اليّ، لحق المرض بممثلي الرئيسي. ومع ذلك، كررت القول لنفسي: "عليك أن تفعل ذلك". أصبحت الجملة شعاراً وحافزاً، ولازمتني في حياتي...

بطريقة ما، أصبح الفيلم سيرة ذاتية بعض الشيء، لكن بالطبع لم يكن هذا قط في نيّتي. الأمر الغريب هو أن هذا ينطبق على كل فيلم من أفلامي تقريباً: يصبح عالمي الخاص هو ما تدور حوله الأفلام. في "البرازيل"، دخلت في نزاع مع "يونيفرسال بيكتشرز"، التي لم تشأ عرض الفيلم في الولايات المتحدة، لذلك اضطررنا إلى عمله بأساليب حرب العصابات. دُمج الفيلم والواقع، وهذا ما حدث مرة أخرى. أقول دائماً: لقد صنع الفيلم نفسه، كنت فقط جزءاً من طاقم العمل. الأمر يعتمد على إرادتك لإنجاز المشروع الذي تعمل على إنجازه والتحايل على ما يعترضك. أثناء العمل، اقترحتُ تلك الفكرة على نفسي: أنا فقط أخدم هذه الفكرة الأكبر. وهذا هو سبب أهمية العمل بالنسبة إلي، لأن "الإيغو" الخاصة بي يمكنها الاختباء فيه. أنا غير موجود، والفيلم دائماً ملاذ جيد للاختباء.

- إلى أي مدى تغيرت القصة التي رواها الفيلم بين العامين 2000 و2017؟

* أود القول إنه أصبح فيلماً أفضل بكثير، وهذا عائد إلى المدة الطويلة التي استغرقها العمل عليه. صار أكثر تعقيداً، بمستويات عديدة للمشاهدة. اضطررت إلى إعادة اختراع القصة مراراً وتكراراً، وإلا فإن السيناريو كان سيشعرني بالملل ولم يكن ليتحرك. بعض هذه الأفكار الجديدة جاء أيضاً من الحاجة إلى جعل الفيلم أرخص. في الأصل، يُصاب "توبي" (بطل الفيلم) بضربة في رأسه ويجد نفسه في القرن السابع عشر. بسبب قرارنا بترك أحداث الفيلم لتدور في وقتنا الحاضر، لم يعد علينا القلق بشأن أعمدة الهاتف التي يمكن رؤيتها في الصورة أو أطباق الأقمار الصناعية المعلقة على المنازل. أيضاً، النسخة الحالية، معنية أكثر بالتفكير في السينما والفيلم وبما يحدث للبشر. يمكنك أن ترى كيف كان "توبي" متحمساً في بداية حياته المهنية، وبعد عشر سنوات أصبح كلبياً (cynic).

- بالطبع. بين فيلم تَخَرُّجه، وما صار يفعله اليوم، هناك فجوة كبيرة في أدائه.

* قمتُ بإخراج إعلانات تجارية بنفسي، وأعرف الكثير من الأشخاص أفسدتهم هذه النقود. في العام 2002، أنجزتُ إعلاناً تجارياً لصالح شركة "نايكي"، وحصلت على أموال مقابل عملي مدة 10 أيام، أكثر مما حصلت عليه بعد العمل عاماً كاملاً على "دون كيخوته". هذا هو خطر الإعلانات التجارية. العديد من المخرجين يحبونها لأنها تسمح لهم بالحيل البصرية، لكن عليك أن تدرك أنه في النهاية، الأمر كله يتعلَّق بتسويق مُنتَج ما. والفنان، أي فنان، ليست مهمته ترويج البضائع.

تريللر فيلم "الرجل الذي قتل دون كيخوته": 


- قلت ذات مرة أنك لا توّجه
/تخرج، لكنك فقط تختار الممثلين بعناية. تواضع؟ أفلامك دائماً مبهرة بصرياً..

* لهذا السبب أحتاج إلى ممثلين جيدين. نعم، بصرياً، أفلامي فوق حقيقية (hyperreal) أو: أكثر من حقيقية وأكبر من الواقع. يجب أن يكون الممثلون أقوى في الصور. أناس مثل جوناثان برايس، وهو ممثل مسرحي بارع، لطالما أخبرهم مخرجون سينمائيون آخرون بتقليص جهوده. في "البرازيل"، مع ذلك، تركته على حرّيته تماماً. أفكاري البصرية تؤيد أشكالاً مختلفة جداً من التمثيل...

آدم درايفر وجوناثان مختلفان للغاية، لكن كلاهما يتمتع بمساحة كبيرة في الفيلم. طلبت منهما أن يمنحا أنفسهما الحرية. لعبنا طوال الوقت. لم يكن عليهم أن "يمثّلوا" أمام الشاشات الزرقاء. الطاحونة، والجمجمة العملاقة كانتا هناك فعلاً. إنها عملية فيزيقية: يستجيب الممثلون لما أضعه أمامهم. عشاء لطيف أو بعض المشروبات قبل التصوير، ثم "نحن مستعدون تماماً".

- في كل أفلامك، تحصل المشاهد الخيالية في مساحة كبيرة. كانت موجودة أيضاً في عملك مع "مونتي بايثون". هل تعتبر الفيلم واقعاً مُعزَّزاً؟

* الواقع هو ما تحدّده أنت، وليس ما يقنعك به الآخرون. هكذا أرى العالم. آخرون قد يرونه بطريقة أخرى. أتذكر أنني سُئلت، كمخرج شاب، عن كيفية تصوير مَشاهدي الخيالية، فأجبت: "بالطريقة نفسها التي أصوِّر بها المَشاهد العادية والواقعية". لا أرى هذا الاختلاف بين الحقيقي والخيالي. بالنسبة إلي، هاتان قوتان تدوران حول بعضهما البعض باستمرار. العلاقة بين الاثنين هي ما يدور حوله "دون كيخوته". كما الحالم، الرائع، المجنون؛ هناك أيضاً البراغماتي في شخصية "سانشو". الأمر لا يتعلق بالشخص، بل بعلاقة الاثنين.

- للقيام بذلك، تخلط قدراً كبيراً من الغرائبية واللامعقولية؟

* بالتأكيد، هذا هو جوهر وجودنا. إذا لم تتقبّل العبثية، فستضمن لنفسك حياة بائسة. إنه تكنيك بقاء عظيم الأهمية.

- في "مونتي بايثون"، كان الجنون أيضاً طريقة لكسر قيود المجتمع. هل ما زال هذا ساري المفعول؟

* المجانين والأطفال هم الوحيدون الذين يرون العالم بعيون واضحة، لكن غالباً ما يتجاوزهم الناس ولا يعيرونهم انتباهاً. نعيش اليوم في عصر النفاق. الحقيقة لم تعد ذات قيمة. لو عاش معنا جورج أورويل الآن، فكان ليسعَد جداً. صار الأسود أبيض، والأسفل أعلى. ترامب يقلب القاموس رأساً على عقب، ويشوّه المعنى. الكلمات أصبحت أشياء مخيفة، بلا سياق، ولا تملك معنى. التواصل بين الناس قائم بالأساس حول الاتصالات في ما بينهم، ولذلك صرنا نرى فقدان الناس ثقتهم في قوة وحسّ التواصل.

كل ما قمت به هو ردّ فعل على العالم. اليوم لن أعرف من أين أبدأ. لا أعرف حقاً ما يفكر فيه الناس حالياً. يحدث الكثير من السوء لدرجة أننا وقعنا في حالة من العجز. لقد فقدنا الإيمان بأنه يمكننا تغيير أي شيء. لكن لا يمكنك الاستسلام. عليك أن تتطلع إلى الأمام. إذا لم نشعر بأننا نستطيع فعل شيء على نطاق أوسع، دعنا نركّز على عائلاتنا، على سبيل المثال.


- الآن نفدت سخريتك وروح دعابتك؟

* يصير الهجاء أو السخرية مستحيلاً عندما يصبح العالم نفسه تجسيداً لهما. إنه ليس زمناً جيداً ليعيشه الفنانون الكوميديون، عندما تصبح النكات واضحة جداً. للأسف، اليوم، تكافح الفكاهة من أجل البقاء.

- هل تشعر بالعجز؟

* إلى حد ما. أشعر بالإحباط لأنني عرفت ذات يوم كل الإجابات، واليوم لا أملك إجابة واحدة. لا أعرف ماذا أفعل أو كيف أفعل ذلك، ولست متأكداً من تأثيره أساساً. بالتأكيد عليك أن تتصرف وتفكر بشكل إيجابي ولا تستسلم. أن تكون دؤوباً، وتتقن الصبر. أن تؤمن بشيء. لم أعد أؤمن بأي شيء بعد الآن. عمري الآن 79 عاماً. ما مقدار الضجيج الذي يمكن لجدٍّ عجوز غاضب إحداثه؟ هذا هو عالم الشباب. أنا أتحول ببطء إلى كانديد (بطل فولتير في روايته الشهيرة - المحرر)، مولياً حديقتي جلّ اهتمامي.

(*) تيري جيليام (1940 - مينيسوتا، الولايات المتحدة): سينمائي ورسام وممثل بريطاني الجنسية - أميركي المولد. حقق سمعته السينمائية بفضل تجاربه البصرية الجامحة وكوميدياه الهزلية والغرائبية. في شبابه، ترك الولايات المتحدة وانتقل إلى بريطانيا، ليبدأ عمله رسّاماً للكاريكاتور، ثم عضواً في فرقة "مونتي بايثون" الكوميدية. في أواخر الستينيات، حصل على الجنسية البريطانية وتنازل عن جنسيته الأميركية في العام 2006. يقول: "دوماً أحسست نفسي بريطانياً، ولم أجد نفسي يوماً في أميركا". في 1977، انطلقت مسيرته كمخرج، بفيلم "جابرووكي". شهدت الثمانينيات أفضل أعماله، المعروفة باسم "ثلاثيه الخيال"، أفلام "قطاع طريق الزمن" و"البرازيل" و"مغامرات البارون مونكاوزن"، بين العامين 1981 و1988.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها