الأحد 2019/12/01

آخر تحديث: 11:43 (بيروت)

الإيرانيات السافرات.. ثورة معلنة على نظام الملالي

الأحد 2019/12/01
increase حجم الخط decrease
 
غالبًا ما اكتب عن قهر السوريات في وطنهنّ وفي مخيمات اللجوء، للمشاركة في حملة "لا للعنف ضد المرأة"، التي تلي ذكرى اغتيال الشقيقات ميرابل في الخامس والعشرين من تشرين الثاني عام 1960، لكن صور المتظاهرات السافرات أثناء موجة الاحتجاجات الأخيرة في إيران، حرضتني على فتح ملف الانتهاكات بحق الإيرانيات التي وثقتها "منظمة العفو الدولية"، لاسيما أن انتشار الصور تزامن مع أصداء مجزرة، راح ضحيتها حوالي 450 قتيلا، وقرابة ألف معتقل من المحتجين، بينهم نيكتا إسفانداني التي قُتلت برصاصة في رأسها، وهي لا تزال في الرابعة عشر من عمرها، والناشطة الأهوازية الشابة سبيده قليان التي اعتُقلت للمرة الثالثة بعد فترة وجيزة من إطلاق سراحها.

صور المتظاهرات السافرات ثورة سلمية بحد ذاتها، تتحدى قانون الحجاب الإلزامي المفروض منذ أربعة عقود، وتشير إلى حراك مدني سلمي، يناهض أساليب القمع والتمييز التي يمارسها نظام "ولاية الفقيه" بحق المرأة، ويشرعنها بجملة من الأحكام الجائرة، تهدر كرامة الإيرانيات، وتنتقص من شأنهنّ وحقوقهنّ في قانون الأحوال الشخصية وفي الفضاء العام ودوائر الدولة، وتجعلهّن على اختلاف أعمارهنّ عرضة للعنف الأسري والزواج القسري والتضييق الاجتماعي وتعقب "شرطة الآداب"، ناهيك عن استمرار الدولة بتطبيق أحكام الجلد والرجم اللاإنسانية.

حريتي المسروقة
بدأت إرهاصات الحراك السلمي الاحتجاجي دفاعًا عن حرية المرأة بصفحة "حريتي المسروقة" على الفيسبوك، التي أطلقتها الناشطة والصحافية ماسيح علي نجاد عام 2014، لتشجيع الإيرانيات على كسر قانون الحجاب الإلزامي، ونشر صورهنّ من دون غطاء الرأس، ثم انتقل الحراك من الفضاء الأزرق إلى أرض الواقع بفضل "أيقونة الاحتجاجات" ويدا موحدي، أول إيرانية نزعت حجابها ولوحت به، وسط ميدان انقلاب (ثورة) في طهران، يوم السابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر 2017، واعتُقلت عقابًا على وقفتها الجريئة، وقضت قرابة عام في السجن.

 حملات القمع والتشهير التي شنتها السلطات الإيرانية على الناشطات ضد قانون الحجاب الإلزامي، وأحكام السجن والجلد القاسية التي صدرت بحق بعضهنّ، لم تنجح في لجم الحراك، ولا يزال يتسع ويجتذب إليه المزيد من النساء والرجال على حد السواء، ويفصح عن نفسه بمواقف علنية مناهضة للقيود المفروضة على المرأة. فالمغني الشعبي بنیامین بهادری، على سبيل المثال، رفض أداء حفل في كرمان، لأن وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي منعت الفتيات الاعضاء في فرقته من الظهور على خشبة المسرح أوائل العام الماضي.

أحرقت نفسها
والشابة سحر خدایاری أحرقت نفسها احتجاجًا على الحكم بسجنها، بعد دخولها أحد ملاعب كرة القدم المحظورة على النساء، وتضامنًا معها كتبت الممثلة صبا كمالي منشورًا على إنستغرام، يقول: "سحر خداياري والنساء مثلها عانيّن من معاملة أكثر قسوة من الإمام الحسين ورفاقه الذين استشهدوا في كربلاء". وعلى إثره صدرت مذكرة اعتقال بحقها.

أفتح السجل الأسود لسجون نظام الملالي، وأبدأ من المحامية البارزة نسرين ستوده، الحائزة جائزة ساخاروف لحرية الفكر، تقديرًا لجهدها في الدفاع عن حقوق المرأة والطفل، والعمل على إلغاء عقوبة الإعدام. نسرين ذات الابتسامة العذبة اعتُقلت مرتين، مرة عام 2010، والثانية في عام 2018 لدفاعها عن الناشطات ضد قانون الحجاب الإلزامي، ثم اعتُقل زوجها رضا خاندان للسبب نفسه، وفي مارس/آذار 2019، حُكمت بالسجن 38 سنة وستة أشهر، وبالجلد 148 جلدة. أغص بدمعي وأنا أقرأ الرسالة التي كتبتها من وراء القضبان لابنها نيما، وتستوقفني الفقرة التالية: "إن عملي كمحامية، وهو عمل عرضة للاعتداء المستمر في إيران، يسحبني، وهذه المرة يسحب أباك أيضًا، إلى عاصفة من الظلم والجُبن الذي يدمر مجتمع المحاميين الإيرانيين".

بعد قرابة شهر من الحكم على نسرين ستوده، أُلقي القبض على الفنانة المسرحية الجميلة، والناشطة الشابة ياسمين آرياني، وعلى والدتها منيرة عربشاهي، وموجغان كشاورز، إثر نشرهن مقطع فيديو على شبكات التواصل في "يوم المرأة العالمي"، وهنّ يسرّن حاسرات الرأس، ويقدمّن الزهور للنساء المحجبات في أحد أنفاق المترو بطهران. وهي المرة الثانية التي تتعرض فيها ياسمين للسجن، فقد سبق واعتُقلت أثناء احتجاجات آب 2018.
مريم أكبري منفرد، فقدت أربعة من أشقائها خلال مجزرة عام 1988 بحق المعتقلين السياسيين، ثم اعتُقلت وحُكمت بالسجن لمدة 15 سنة عام 2009، لمجرد اتصالها بشقيقتها وشقيقها المعارضين، وفاطمة مثنى التي سُجنت لعامين حين كانت في الثالثة عشر من عمرها، وفُجعت بإعدام ثلاثة من أشقائها في الثمانينيات، أُلقي القبض عليها وعلى زوجها حسن صادقي في 9 أبريل 2014، لمجرد حضورهما مراسم تشييع والد صادقي، الذي كان عضوًا في منظمة "مجاهدي خلق" المعارضة.

تلك بعض الحالات لإسكات صوت الناشطات في المجتمع المدني، وفي موجات الاحتجاجات السلمية التي بدأت منذ عام 2009 لإصلاح نظام الحكم في إيران، ولست أدري كم يبلغ عدد المعتقلات السياسيات، المتهمات زورًا بالعمالة لجهات أجنبية والتحريض على البغاء، والمعرضات لكل أشكال الأذى النفسي والجسدي، لكني على يقين أن نظام الملالي منذ وصوله إلى السلطة عام 1979، كان أكبر كارثة حلت بالحريات العامة وحقوق المرأة في العصر الحديث، ليس فقط على مستوى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بل كذلك في عموم الشرق الأوسط المخترق بأذرع "الحرس الثوري الإيراني" وتدخلاته القاتلة لتقويض حقوق المواطنة، وإشعال فتيل التطرف الديني والاحتراب الطائفي، ونشر مظاهر التخلف وثقافة العنف والتمييز ضد المرأة، لاسيما في دول الجوار، وتحديدًا عبر "حزب الله"، ذراعه الضاربة في سورية ولبنان. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها