الثلاثاء 2018/08/07

آخر تحديث: 12:28 (بيروت)

سمير مولر: الإطمئنان إلى الطين

الثلاثاء 2018/08/07
increase حجم الخط decrease
يصيب "متحف سرسق" في توجيهه تحية إلى سمير مولر، الذي غيبه الموت في العام 2013 إثر أزمة قلبية. ذلك، أن مولر من الفنانين المغبونين في البلد، كون عمله الخزفي لم يجد مطرحه المحسوم في عالم الفن، سوقاً ومؤسسةً، في حين كان مطرحه الثابت في دنيا الحرفة يتعرض لضربة الفبركة الجاهزة، تلو ضربة الإحجام عن الأخذ بمنتجه. لكن رغم ذلك، فإن مولر، الذي ورث مهنته الفنية تلك عن جدّه يوهان المتحدر من أصل ألمانو-سويسري، وعن أبيه جورج الجبلي، بقي في مشغله وفرنه الكائن على طريق الكحالة، معلناً أنه سيواظب على النجاة به ومحاولاً الحفاظ على ما صنعه فيه، ليس من أشكال فقط، بل من أسلوبٍ أيضاً.
 

عندما سُئل مولر مرةً، عن ذلك أسلوبه في العمل، قال إنه لا يصفه سوى بالأسلوب البسيط، رغم صدوره عن تجريب متعدد، أكان في الطين، أو خلق اللون، أو حتى في نقل الإثنين إلى مجالات تعبيرية أخرى.

الأسلوب البسيط، الذي يتحدث عنه، انشغل به منذ نهاية السبعينات، في تولوز، حيث درس الفنون التشكيلية، قبل أن يلتقي لاحقاً، وفي نهاية الثمانينات، بالسيراميكي جان هاري، ويطور معه تقنيات التزيين الخزفي، التي كان قد استخدمها بنسختها البدائية في صناعة صحونه الأولى، الأرابسكية، المتسمة بتكرار النقش عليها مع صون حدودها المستديرة والمقفلة.

بالإنطلاق من تطويره لتلك التقنيات، وبالإرتكاز إلى إعتقاده بأنه دائم البحث في مادة التراب التي يُلمّ بعجنها، أدرك مولر كيف يشكل خزفه بطريقةٍ لا تجعله يستوي على جموده، ولا على البرقشة، بل على حركة بائنة فيه. طبعاً، هذه الحركة، التي تواظب على الحضور في الأشكال والرسوم، تكفلها يدوية الفخاري الذي ما فتئ يردد أن "منطق كل خزفي هو منطق دائري". وذلك، مع أن هذا الفخاري قد انتقل في بعض أعماله إلى منطق ثانٍ، أنتج به خزفاً منبسطاً أو بيضاوياً، تماماً كما يبين عدد من الفخاريات المعروضة في "سرسق". إذ إن هذه الأعمال تؤكد أن منطق مولر التصميمي يقوم بمحاولة تقديم المرسوم، كزينة مثلاً، على الشكل، بحيث يصبح الثاني معنياً بالأول، وبمثابة محمله أو قاعدته.



من الممكن نعت أعمال مولر بأنها حية على إثر عتقها. فبدايةً، تظهر آتية إلى عرضها من وقت دفين، حيث تبلورت فيه، واكتملت، وها هي حين تتجاور، تبدو حرفيتها أنها تؤلف متانتها. كما أنها تظهر منهمكة بالتفاعل مع الناظر إليها. وهذا، ليس بسبب حركتها فحسب، بل بسبب لونها أيضاً. فغالباً ما تحيل ذلك الناظر إلى الأرض، بحيث تضعه على صلة معها، ومع جوفها تحديداً، من خلال ركونها إلى اللون الطيني الخالص، الذي ينزع إلى الأحمر المتخمر، أو الذي يتخلله الرمادي، أو الذي يشوبه الأبيض.. إلخ. على هذا المنوال اللوني، الذي لا يكف عن الإرتباط بالتراب، سعى مولر إلى إكتشاف الأرض، واحتراف خلطه لموادها.

ككل حرفي يدوي، كان مولر صبوراً وجلوداً. يجلس في مشغله، ويصنع أعماله على مهل، بلا أي إستعجال، كأنه يسائل الطين بالماء. وهكذا، يذكر بالتعريف الباشلاري للفخاري، والخزفي على العموم: فعلى طول دعكه للطين، وتشكيله، وتسخينه، يفتش عن مصدر ولادته، ويولد من جديد. وبالفعل، وجد مولر أن فنه، فن علاقته بالطين، علّمه أن يكون متواضعاً ومرناً وهادئاً، مثلما علّمه أن يعيش مطمئناً إلى ما يمارسه طوال عيشه.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها