الأحد 2018/08/26

آخر تحديث: 09:38 (بيروت)

في مئوية محمد فوزي

الأحد 2018/08/26
increase حجم الخط decrease
أقام "مركز طنطا الثقافي" احتفالية فنية أحيا فيها مئوية الفنان محمد فوزي، ابن مدينة طنطا، على خشبة "مسرح طنطا"، وشاركت فيها "فرقة قصر ثقافة طنطا للموسيقى العربية"، وتضمّنت مجموعة من أشهر الأغاني التي لحّنها الفنان الراحل خلال مسيرته الزاخرة بالعطاء. المناسبة فرصة لاستعادة مسيرة الفنان الذي رحل مبكرا في خريف 1966.

في 23 تشرين الأول/أكتوبر 1944، نشرت مجلة "الإثنين" صورة لمحمد فوزي، وقالت في تعليقها: "لفت الأنظار في فيلم "سيف الجلاد" ظهور وجه جديد سيكون له شأن في دنيا السينما، هو الأستاذ محمد فوزي الملحّن المعروف. فقد تجلّت مواهبه التمثيلية، فضلا عن أنه مطرب وملحّن، بشكل ينبئ عن المستقبل الباسم الذي ينتظره".

في 20 أيار/مايو 1944، قدّمت مجلة "دنيا الفن" بطاقة تعريفية خاصة بالفنان الصاعد، وقالت فيها ان اسمه الحقيقي محمد فوزي الحو، ولد في 5 آب/أغسطس 1920 في طنطا، درس في المعهد الملكي للموسيقى. ثروته فيلم "العقل في إجازة"، و25 فداناً في طنطا، وعشرة آلاف جنيه في البنك. مثّل للمرة الأولى في رواية "مريض الوهم" في فرقة فاطمة رشدي وعزيز عيد. شارك في سبعة أفلام، أولها "سيف الجلاد" وآخرها "عروسة البحر". تقاضى مئة وخمسين جنيها عن الفيلم الأول، وأربعة آلاف جنيه عن الأخير".   

في الواقع، ظهر محمد فوزي إلى جانب بديعة مصابني في فيلم "ليالي القاهرة" سنة 1938، ثم قدّمه يوسف وهبي في دور بارز في فيلمه "سيف الجلاد" سنة 1944، وشكّل هذا الفيلم انطلاقة لمشواره في عالم السينما الغنائية. في العام 1945، جذب الأضواء إليه في فيلم "قبلة في لبنان" الذي قام ببطولته أنور وجدي ومديحة يسري، وتحوّل إلى نجم من نجوم الصف الأول في العام التالي حيث شارك المطربة رجاء عبده بطولة فيلم "أصحاب السعادة"، وتألق مع نور الهدى في "مجد ودموع"، ثم لمع مع صباح في "عدو المرأة". واصل الفنان الشاب صعوده في 1947، فظهر من جديد مع نور الهدى في "قبلني يا أبي"، وحقّق النجاح الكبير مع صباح في "صباح الخير"، ثم شارك عقيلة راتب بطولة "العقل في إجازة"، ودخل بعدها ميدان الإنتاج، وكان أول أفلامه في هذا الحقل "عروسة البحر"، مع عقيلة راتب.

هكذا أصبح محمد فوزي نجماً من "نجوم شباك"، وتوالى ظهوره على الشاشة بشكل دائم في السنوات التالية. في 1948، أنتج فيلمين لعب فيهما دور البطولة، وهما "الروح والجسد" مع كاميليا، و"حب وجنون" مع تحية كاريوكا. كما شارك نور الهدى بطولة "نرجس"، ولمع أمام سامية جمال في "صاحب العمارة" و"بنت حظ". وفي 1949، أنتج ثلاثة أفلام، فكان طبيب ليلى مراد في "المجنونة"، والعاشق الذي يهوى اليهودية نيللي مظلوم والمسيحية لولا صدقي والمسلمة مديحة يسري في "فاطمة وماريكا وراشيل"، ثم حبيب كاميليا في "صاحبة الملاليم". كما شارك في فيلم "المرأة شيطان" من انتاج شركة "أفلام القاهرة". واصلت شركة "أفلام محمد فوزي" نشاطها بنجاح كبير، وقدمت في 1950 "غرام راقصة" مع نور الهدى وتحية كاريوكا، و"الآنسة ماما" مع صباح. في ذلك العام، لعب محمد فوزي دور البطولة كذلك في "الزوجة السابعة" من انتاج ماري كويني، "آه من الرجالة" و"بنت باريز" من انتاج "شركة الأفلام العربية".

برز محمد فوزي كممثل ومطرب وملحّن، كما برز كمنتج من الطراز الرفيع، وتابع مسيرته بخطى واثقة، وقدّم في عام 1951 "نهاية قصة" مع مديحة يسري، و"ورد الغرام" مع ليلى مراد، و"الحب في خطر" مع صباح. وقدّم في العام التالي "يا حلاوة الحب" مع نعيمة عاكف، و"من أين لك هذا" مع مديحة يسري. واصل المنتج هذه المسيرة بعد انقلاب حركة الضباط في يوليو/تموز 1952، وأنتج في 1953 "ظلموني الحبايب" مع صباح وعماد حمدي، ولم يشارك في هذا الفيلم، كما أنتج "فاعل خير" ومثّل فيه مع صباح أيضا وأيضا، كما شارك في فيلم "ابن للإيجار"، من انتاج "استديو مصر". وقدّم في 1954 "دايما معاك" مع فاتن حمامة، و"بنات حواء" مع مديحة يسري وشادية. ثم قدّم "ثورة المدينة" مع صباح في 1955، و"معجزة السماء" مع مديحة يسري في 1956.

حصدت هذه الأفلام كلها نجاحاً عظيماً، وكرّست اسم محمد فوزي في عالم السينما والغناء. من المفارقات الغريبة، أن توقفت هذه المسيرة تدريجيا في السنوات التالية نتيجة للتحولات الكبيرة التي عاشتها مصر في تلك المرحلة. حاول محمد فوزي أن يستعيد دوره في السينما المصرية، وقدّم في 1959 "كل دقة في قلبي" مع سامية جمال ونازك، و"ليلى بنت الشاطئ" مع ليلى فوزي وفايزة أحمد، وشكّل هذان الفيلمان رغم نجاحهما نهاية لمشواره السينمائي الاستثنائي الذي قضت عليه سياسة التأميم التي اتبعتها الدولة.


من جهة أخرى، نجح محمد فوزي في تأسيس شركة "مصرفون" لإنتاج الأسطوانات في 1958، وتفرّغ لإدارتها، وأنتجت هذه الشركة أغاني كبار المطربين في ذلك العصر، في مقدمهم "كوكب الشرق" أمّ كلثوم. ونافست هذه الشركة الوطنية شركات الاسطوانات الأجنبية التي كانت تبيع الأسطوانة بتسعين قرشا، بينما كانت هي تبيعها بخمسة وثلاثين قرشا. ونجح في النهوض بهذه الصناعة الفنية بمصر، الا ان تفوق شركته في هذا الميدان دفع الحكومة إلى تأميمها في 1961، وتعيين صاحبها الأصلي مديرا لها بمرتب مئة جنيه.

شيئا فشيئا، دخل محمد فوزي في دائرة الظل، وغاب اسمه عن المساحة الإعلامية التي ملأها على مدى سنوات. في 19 نيسان/ابريل 1965، كتبت مجلة "الشبكة" اللبنانية: "إشاعة كبرى جسّمها التحوّل الظاهر على وجه محمد فوزي، كانت تقول ان النجم الشاب مصاب بمرض خبيث. وطار محمد إلى لندن وهو يعاني عذابا نفسيا مدمرا، وأجرى كبار الأطباء في لندن بحثا دقيقا في صحة محمد فوزي، وزرعوا أشياء من جسمه، ثم أصدروا قرارهم: محمد فوزي سليم من المرض الخبيث. ورُدّت الروح إلى محمد، وارتفعت معنوياته، وأشرق وجهه، وألف حمد لله على السلامة. هذا الخبر نقلته إلينا صباح بعد عودتها من لندن".

استمرّت رحلة العذاب والألم للأسف، وانتهت بوفاة محمد فوزي في تشرين الأول/أكتوبر 1966. وكان الفنان قبل وفاته يتحدّث كثيرا عن اللحن الذي يعدّه لأمّ كلثوم بعد اتفاقه معها على غنائه، وكان يأمل بأن يبدأ بإجراء البروفات عليه بمجرد استرداده صحته. شُيّع الفنان الراحل في جنازة كبيرة، شارك فيها مندوب الرئيس عبد الناصر الدكتور عبد القادر حاتم، ومندوبو وزراء الثقافة والإرشاد والداخلية.

كتب عبد السلام النابلسي في وداع فوزي في "الشبكة": "واحسرتاه يا صديقي. الناس يموتون مرة. أما أنت فقد متّ ألف مرة. كنت في أبهى شبابك. وفي نور نهارك. وفي أسعد أيامك. وإذا بالشباب يذوي. وإذا بالنهار يُظلم. وإذا بالأيام تخون وتُحطم وتُدمّر. يا ويلها من أيام يا ويلها. نخرت منك العظم وأوهنته. بل فتّته وطحنته. بل أذابته. كما أذبت حياتك في الفن غناء ولحناً وعملاً وفناً". 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها