الإثنين 2018/07/16

آخر تحديث: 11:27 (بيروت)

هل هناك هزائم جيدة؟

الإثنين 2018/07/16
هل هناك هزائم جيدة؟
حسرة الخسارة
increase حجم الخط decrease
بعد حلقاتها الأسبوعية، تنتهي سلسلة "مكتبة الفوتبول" مع انتهاء المونديال، بترجمة هذا النص القصير للباحث في الهشاشة الاجتماعية للرياضيين، زغير لازار، عن الهزيمة في كرة القدم. مع الإشارة إلى التصرف في النص، وفي خاتمته تحديداً، بحسب نتيجة المباراة النهائية التي جرت مساء البارحة، ليكون بمثابة تحية إلى منتخب كرواتيا بعد هزيمته أمام منتخب فرنسا.

عشية المباراة الأخيرة من المونديال، لوحظ أن الوسائل الإعلامية تعود إلى إنتصار فرنسا العام 1998، وذلك، من دون أن تتطرق إلى العام 2006، أي يوم وصل المنتخب الأزرق إلى النهائي، لكن من دون أن يفوز. وعليه، ظهر أن استحضار آخر عقدين من تاريخ كأس العالم يحتم إبداء الإنتصار أكثر من الهزيمة خلال  المونديال الألماني. فهل الهزيمة، كحقيقة واقعية رياضية، لا معنى لها؟ وأليس من الممكن، وبطريقة مفارقة، الوقوف على شيء سليم فيها؟

يذكرنا المؤرخ ألفرد وال، المتخصص في تاريخ كرة القدم، أنه لطالما كان يجري الإعتقاد بأن بعض الهزائم الفوتبولية بمثابة انتصارات. من اجتياح الملعب بعد "الخسارة" الأسطورية، 4 مقابل 1، لفرنسا أمام إنكلترا في أيار 1923 (لقد اعتاد الفرنسيون آنذاك على الهزيمة بعد تسجيل أكثر من عشرة أهداف في مرماهم) حتى النزول إلى شوارع الشانزليزيه بعد  خسارة المنتخب في نهائي كأس أوروبا العام 1976. ففرنسا احتفت بهذه الهزائم، لأن، وإلى جانب المنتصر الحقيقي، هناك منتصر آخر، أي الذي تعارك مع نفسه، والذي بذل الجهد، والذي ربح المعركة الأخلاقية.

في الواقع، هذا الأمر يتصل بالبعد الميتوقراطي (حكم الجدارة) الذي استندت إليه الرياضة بمستواها المرتفع، كما يتصل، وعلى وجه الدقة، بالجدارة الأخلاقية. فعلياً، وبحسب الفيلسوف رفائيل فرشير، تقدم الميتوقراطية "نوعي جدارة". بدايةً، هناك الجدارة المتعلقة بالأتعاب، يعني أن الفريق يربح بفعل موهبته، بمعزل عن كمية ونوعية العمل المنفذ، وهناك، الجدارة الأخلاقية التي تحيي إلتزام وجهود الرياضي حتى لو خسر. إذاً، في بعض الحالات، قد تحيل هزيمة الرياضي إلى الجدارة الأخلاقية لأنها لا تشكل علامة على غياب الجهد. وفي السياق نفسه، قد تدفع هيئة الخاسر إلى الإعجاب به، تماماً، كما بيّن، وخلال سنوات، الدرّاج ريمون بوليدور، الذي لقب بـ"الثاني الأبدي"، رمز الجهد، مقابل إيدي مركس أو جاك أنكيتيل، اللذين جسدا الفوز، أي جدارة الموهبة، كما يذكرنا فرشر. بعبارة أخرى، الهزيمة، وعلى أساس تقديمها لمبدأ الجدارة الأخلاقية، قد تكون ناقلة للإلتحام الاجتماعي عند الجمهور، أو في البلد على العموم.

ومع ذلك، يتعرض هذا التصور، وبحسب الفيلسوف إياه، إلى الزوال، بحيث أن غالبية الخطابات، التي تتناول الرياضيين راهناً، تحصر فوزهم في كمّ عملهم، واضعةً الموهبة أو الاستعدادات الطبيعية، في مرتبة ثانوية، وبالتالي تربط الفوز بكمّ الجهد. بهذا، المنتصر هو الذي يبذل الجهد، وذلك، خلافاً للخاسر الذي لم "يجتهد".

وبحسب ألفرد وال أيضاً، كان تقديس الهزيمة، تاريخياً، وسيلة للمقاومة المجتمعية. فالتعاطف مع الخاسرين يشهد على مؤازرة هؤلاء الذين يرمزون إلى "جيش المهزومين" في المجتمع. فبالإرتكاز على كون التباري الرياضي بمثابة انعكاس لنظام التنافس في المجتمع الليبرالي، تمثل هيئة الخاسر، ومثلما كان ريمون بوليدور مرة، كل ضحايا هذا النظام غير العادل. بعبارات أخرى، الخاسر الجدير، بمقدوره أن يكون التعبير عن حقيقة واقعية اجتماعية أخرى، الحقيقة الواقعية المتعلقة بالمقموعين والمطرودين من النظام. بحيث أنهم، ورغم جهودهم، يدركون في النجاة، حاثّين بهذا على مساءلة النظام ومساءلة تقديمه كسبيل إلى السعادة والحياة الحسنة.

في الخلاصة، لا ترتبط الهزيمة لزاماً بنقص في العمل. تجربة كهذه تدعونا إلى إعادة التفكير في مفهوم الجهد. من الممكن للجهد، وبعيداً من تعريفه كظرف الربح، أن يؤلف ظرف كينونتنا الحسنة، كما تقول الفيلسوفة إيزابيل كيفال. بحيث أنه، وبفكه عن البرفورمانس، يدعونا إلى إعادة تشكيل وجودنا.

هكذا، وبخسارة منتخب كرواتيا مساء البارحة، لا يعني هذا أنه بالضرورة غير جدير. بل على العكس، تدل خسارته على أنه فهم حدوده الخاصة، وقَبِلها، وبعبارة أخرى، أنه حققها. بدلاً من تحقيق تجاوز النفس، هذا المنتخب علّمنا فكرة ما عن إنجازها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها