الثلاثاء 2018/05/01

آخر تحديث: 14:41 (بيروت)

كل عام وعمّال الكتابة بخير

الثلاثاء 2018/05/01
كل عام وعمّال الكتابة بخير
"أنتم بلا موقع مجتمعي"
increase حجم الخط decrease
ثمة أناس يشتغلون بالكتابة في البحث، في الصحافة، في التواصل، في السياسة، في الفن، في التدريس، في الإعلان، يمررون خطها في كل مجال من المجالات، حيث قد تُصْقَل، أو تنشُب، وأحياناً، تموت. الى هؤلاء الشغيلة يجري النظر على أساس أنهم من جنود العطالة، إذ إن كتابتهم لا تمت للعمل بصلة، فعندما يجيبون على استفهام "ماذا تفعلون؟" بـ"نكتب"، يثيرون اللُبس حيال صنعتهم، وحيال معناها في الراهن من الوقت. لهذا، الذين لا يجدون في الكتابة عملاً، ومن أجل ألا يجهدوا، ولو قليلاً، في فهمها، يسرعون إلى اعتماد طريقة التقاطها البليدة والرعناء، وبالتالي، طريقة التقاطها الأهلية، ومؤداها جعلها مصدر ذنب، أي، وبعبارة أخرى، تذنيب ممارسيها، لا سيما المتعيشين منها: "أنتم تجلسون هامدين وراء لابتوباتكم وفوق كتبكم، أنتم لا تعملون، وهذا خطأ، فعليكم أن تعملوا!".

يسوق مُذَنِبو الكتابة، وهم، فعلياً، يجمعون بين كرهها والخوف منها، بالإضافة إلى العجز عنها، عدد من المقولات، وبالتالي، الشائعات، ضدها. وربما، أولها، أو بالأحرى حصيلتها، المقولة-الشائعة، التي تتمحور حول التظهير لشغيلة الكتابة أنهم بلا موقع مجتمعي، وبالتالي، هم، وعلى إثر كتابتهم، مجرد نكرة. وبعد هذا التظهير، الذي يساوي، هنا، وعلى عكس حاله في الواقع، الكشف عن خطأ يرتكبه هؤلاء الشغيلة، يبدأ حضهم على تصحيحه، أو على التكفير عنه. طبعاً، الموقع المجتمعي، الذي يتحدث المُذَنِبون عنه، يرتبط بدورة الإنتاج، فلأن الكتابة، بحسبهم، ليست عملاً منتجاً، فهي لا توفر سبيلاً إلى ذلك الموقع، بل تبقى ناقصة منه، وفي النتيجة، ناقصة على عمومها. بالإستناد إلى التصور هذا عن الكتابة، يغدو شغيلتها مقترفين دائمين للخطأ، أكتبوا أقل، أم أكتبوا أكثر، فما يريده ذلك التصور ليس سوى تعطيلها، أو استئصالها على وجه الدقة.

إلا أن هذا التصور، وسلطة المأخوذين بها، لا قدرة له على إزالة الكتابة بعد تقديمها كغلطة، لا قدرة له على ذلك، لأنها، وإذا لم تدمره، تستطيع أن تنجو منه عبر الإلتجاء إلى السوق، حيث تتعرض لشيء آخر، وهو تدجينها، أي إلى تجميدها على سوية بعينها، من الممكن أن تبعدها عن مسار تمكنها من صميمها، يعني من أسلوبها. هذه مغبة الكتابة، مغبة وقوعها في الوسط بين نزعها بالكامل ونزع قلبها، بين تحويل وجودها إلى خطأ تام وتحويل حياتها إلى خطأ إذا لم تلتزم بقوننة بعينها، مع الإشارة إلى الوضعين أن ليسا منفصلين، بل متصلين بالإرتكاز على التذنيب أيضاً: فعلى سبيل المثال لا الحصر، قبل السوق، هناك "أنتم تضيعون وقتكم في الكتابة"، وفي السوق، هناك "أنتم لا أحد يفهمكم"، ونافل القول أن إضاعة الوقت هي شرط من شروط التعلم، والصعوبة هي مرحلة من مراحل التسهيل. إلا أن الوضعين لا يتصلان من هذه الجهة فحسب، بل من جهة أخرى، وهي أن السوق يرد على دعاية فقدان الموقع المجتمعي، أي يسد نقصان الكتابة لهذا الموقع بإعطائها حيزاً في دورة الإنتاج، مبدياً إياها كعمل منتج، وذلك، من خلال أمر واحد، وهو جعلها وسيط من وسائط خطابه، وبالفعل نفسه، جعل شغيلتها بمثابة مدبجيه، الذين، وبعد إنتاجه، عليهم أن يستهلكوه.

وذلك كله يلغي البديهي، وهو أن الكتابة عمل. يعني أنها، بدايةً، تنطوي على نوع من العذاب (بالفرنسية كلمة عمل، travail، تعود إلى كلمة تعذيب، torture)، ويعني أنها تقوم بأسرارها، أي قوانين وقواعد خاصة بها، من المستحيل أن يدركها للذين يحاكمونها بالإنطلاق من مظهر عطالتها. مثلما يعني أنها منتجة، ولها أسواقها، التي تتعامل معها من دون أن تكون موجدتها أو مفبركتها. وكل ذلك يلغي البديهي أيضاً، أن الكتاب شغيلة، يتعرضون، وككل شغيلة، لتذنيب "أنتم بلا موقع مجتمعي"، وإلى أمر "أعملوا على هذا النحو اكثر"، وهذا ما يردده الذين لا دراية لهم بأي عمل. 
كل عام وعمّال الكتابة بخير!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها