الثلاثاء 2018/04/03

آخر تحديث: 12:51 (بيروت)

رحيل أحمد خالد توفيق.. أيقونة الرعب المصري

الثلاثاء 2018/04/03
رحيل أحمد خالد توفيق.. أيقونة الرعب المصري
دافع عن حكم الإخوان فوُصم بالإسلاموية
increase حجم الخط decrease
وضع الكاتب المصري أحمد خالد توفيق آخر سطور في صفحته مساء أمس الإثنين. رحل أيقونة أدب الرعب المصري، الذي ألهم أجيالاً بكتاباته، وأعماله المهمة، سواء تلك التي كتبها للشباب، أو التي كتبها للكبار بعدما أوقف سلسلة الشباب التي اشتهر بها والتي كانت تسمى "ما وراء الطبيعة".

بدأ أحمد خالد توفيق كتابة "ما وراء الطبيعة" في التسعينات. أتذكر أنني كنت أحد متابعي السلسلة في الفترة ما قبل دراستي الجامعية، نظرا لأنها كانت تنافس إحدى أهم سلاسل الجيب المعنونة "رجل المستحيل"، التي كان يكتبها نبيل فاروق، وفيها وجد الكثير من المراهقين واليافعين في السلسلتين أنفسهم، نظرا لسلاسة وبساطة اللغة، سواء تلك التي كتبها فاروق، أو خالد الصفتي، صاحب سلسلة الكوميكس "فلاش". ثم لم يلبث أن ظهرت إلى النور كتب في حجم الجيب تماثل "رجل المستحيل" و"ملف المستقبل" و"زهور"، وهي كتب "ما وراء الطبيعة" للأديب المصري الراحل، وكل ما عرفته عنه آنذاك أنه من طنطا، وأنه طبيب بشري.


وفر خالد توفيق في سلسلته "ما وراء الطبيعة" العديد من المعلومات الجاذبة، واقتحم أراضي لم أقرأ عنها من قبل. كانت قراءة هذه السلسلة شغفاً لا ينتهي، أظن أنه تقريبا نجح في إقصاء شغفي بسلسلة كتب "رجل المستحيل" إذ قدّم في أعماله بطلاً غير تقليدي، شخص عاديا، هو رفعت إسماعيل. ما أتذكره الآن عن رفعت إسماعيل أنه كان طبيباً، وكان بسيطاً، يرتدي عوينات، أو نظارات طبية. لم يكن بطلاً خارقاً، ولم يمتلك العضلات والقدرات الخارقة التي داعب بها نبيل فاروق خيالنا لسنوات.

كان أسلوب أحمد خالد توفيق من الجاذبية الشديدة، التي تسكن في القلب مباشرة، لدرجة أنني عندما انقطعت عن قراءة أعماله، بعد التحاقي بالجامعة، وبداية تكويني الأدبي بقراءة يوسف إدريس ونجيب محفوظ ويحيى حقي وغيرهم من الأيقونات المصرية المعروفة، كنت أتمنى لو أقرأ عملاً يتوجه به توفيق للكبار. لم أكن قد صنفت في ذهني أعماله بأنها موجهة لليافعة أكثر من الكبار، أو البالغين، لكنني كنت أشعر بشكل ما أنني كبرت على قراءة هذه الأعمال، وهذا يقود إلى حوار أكبر عن القيمة الأدبية لأدب اليافعة في مواجهة الأدب المكتوب للكبار، لكن هذا الحوار ليس موضوعه هذه السطور. وحقق خالد توفيق أمنيتي، فكتب روايته "يوتوبيا" التي صدرت العام 2008، وكانت تعتبر أول عمل أدبي له يصدر خارج المؤسسة العربية الحديثة، ناشر سلسلته "ما وراء الطبيعة" وسلاسله الأخرى، المكتوبة للشباب.

في روايته "يوتوبيا" كانت ثمة ثيمة أدبية غريبة عن قراءاتي، آلا وهي ثيمة الكتابة للمستقبل، أن تدور الحبكة كلها في زمن غير هذا الزمن، هي بشكل ما ليست رواية تاريخية، بل رواية متخيلة بالكامل، في زمن متخيل، بل والأكثر من ذلك، أنه يتخيل أحداثاً شديدة القتامة، أي أنها ليست رواية "يوتوبيا" بل رواية "ديستوبيا"، تدور أحداثها حول مجموعة من الأثرياء، يمارسون هواية اصطياد الفقراء. هذا جل ما أتذكره الآن، لكن ما أعرفه جيداً، أن الرواية نجحت نجاحاً مبهراً، حققت أرقاماً في المبيع، وتنقلت بين العديد من الناشرين. نشرها أولاً الناشر المصري المعروف محمد هاشم، ثم تناوب على نشرها الكثيرون، الكل ربح من الرجل، الذي ربما فتح أمامه هذا النجاح مجالاً للكتابة للكبار، والنجاح في مضمار مختلف غير مضمار الشباب، إلا أن جماهيريته كانت مضمونة، لأن أجيالاً كثيرة كبرت على محبة ما يكتبه.

وصمة الإسلاموية
بعد الأحداث السياسية التي شهدتها مصر خلال السنوات الماضية، عرفنا جانباً مغايراً لأحمد خالد توفيق، لا سيما موقفه من ثورة مصر، التي كان يراها ثورة حضارية، لكنه كان يخشى من رحيل الحكم العسكري عن مصر. كتب مقالاً شهيراً عنونه "كان يا ما كان" في فبراير 2012، وصف ما يحدث في مصر بالحرب الأهلية، وكان بادياً من سطوره خوفه البالغ من آثار التغيير، ودخول مصر في موجة من موجات العنف، وهو الرجل المحب للهدوء، الذي ابتعد بنفسه عن الدخول في صراعات القاهرة وصخبها. لكن، في هذا المقال الشجاع الذي واجه فيه توفيق محبيه من الشباب، قلب الكثير من المفاهيم. أعلن أنه ليس معهم دائماً، أو ليس مع كل من ارتدى سويتر وغطى رأسه بقلنسوة "الأنوراك". دافع عن الدولة، وعن حكم "الإخوان"، وهو ما تسبب في وصمه بالاسلاموية طيلة عمره. وأمس، مع رحيله، نشر البعض مقتطفاً له أعلن فيه اعتذاره عن عدم الكتابة في ذكرى فض "رابعة" التي سقط فيها 800 شخص بحسب أرقام وزارة الصحة. وبعد ثلاثة أعوام، لم يتم أي تحقيق جاد لمحاسبة من قتلهم. يظل الصمت أفضل وأبلغ، هذه كانت سطور أحمد خالد توفيق كتبها منذ عامين في 2016.


وفي 2011 كتب أحمد خالد توفيق: "أمس كنت أرى صور الشباب الشهداء على شاشة التلفزيون، عندما قال صديقي: تصور أن بعض هؤلاء كان يقرأ قصصك، شعرت بقشعريرة.. هم أولادي فعلاً.. هذه العيون الذكية الحساسة أغمضت للأبد، كي يبقى الحزب الوطني، كتب توفيق هذين السطرين يوم 8 فبراير 2011، قبل تنحي مبارك عن السلطة بيومين".

كاتب إنساني..
لا خلاف على أن أحمد خالد توفيق كان كاتباً منحازاً للإنسان بالدرجة الأولى. كان ضد الفوضى، وضد الطغاة، كتب قبل رحيله ببضعة أيام مقتطفا للراهب مارتن نيمولر، يفسر كيف استعبد النازيون الشعب الألماني. نشر توفيق المقتطف على صفحته نهاية مارس آذار الجاري الذي يقول فيه نيمولر: عندما أخذوا الشيوعيين لم أقل شيئا لأنني لم أكن شيوعياً، وعندما أخذوا اليساريين والنقابيين لم أقل شيئا لأني لم أكن اشتراكياً، وعندما أخذوا اليهود لم أقل شيئا لأني لم أكن يهودياً، وحين جاؤوا لأخذ الكاثوليك لم أعترض لأنني بروتستاني، وعندما جاؤوا لأخذي لم يقل أحد شيئا لأنه لم يبق هناك أحد ليعترض". 


ولا أدل على نزاهته ككاتب، وكإنسان، أنه الكاتب المصري الوحيد، الذي انبرى للدفاع عن رواية علاء الأسواني الجديدة التي لم يكتب عنها ناقد واحد مقالاً، ولم تنشر عنها صحيفة مصرية خبراً. كتب توفيق يقول: "قرأت القصة.. الحقيقة التي لا يماري فيها أحد هي أن الرجل ممتع حقًا. وهو مصر على أن يظل ممتعًا مهما كره النقاد ذلك. هو يؤمن بفن الرواية بتعريفه العتيق؛ أي (الحكي). وهو مصر على الطريقة الديكنزية في أن يجعل الرواية متحفًا للشخصيات الفريدة الممتعة. بحيث أنك قد تنسى الرواية لكن الشخصيات تلاحقك طيلة الوقت. "جمهورية كأن" هي في النهاية الجمهورية التي يبدو فيها كل شيء كأنه حقيقي بينما هو وَهْم. نفس ما قاله إبراهيم عيسى يومًا عن المركب المتهالكة التي يطلقون عليها نورماندي تو. على السطح هناك مؤسسات وبرلمان ودستور ومحاكم. بينما لو دنوت لوجدت كل شيء كأنه كذلك.

مقالات مرعبة

شخصيا كانت مقالات توفيق ترعبني أكثر من أعماله التي تنتمي لأدب الرعب، لأنها كانت مقالات صادقة، حقيقية في نقد المشهد المصري، منها ذلك المقال الذي كتبه ذات مرة عن نقص دواء يتلقاه لعلاج خلل في قلبه، كان عنوان المقال "بناقص واحد" يشكو فيه من نقص عقارين يتلقاهما بصفة مستمرة لعلاج قلبه، هذا المقال أرعبني شخصيا على الرجل، ومن مصير مماثل، شعرت حين الانتهاء من مقاله بعبثية الحياة في وطن، يستهين بحياة الناس، وتصل درجة الاستهانة ألا يجد مريض قلب دواءً يضمن الحياة له لشهر مقبل. يقول توفيق في المقال: هكذا أكتشف أنني سأموت بعد ثلاثة أيام مع انتهاء آخر ستة أقراص لدي. أتصل بأساتذة القلب الذين يتابعون حالتي فيقترحون في بشاشة اسمًا لبديل.. أضع سماعة الهاتف دون أن أجرؤ على إخبارهم أن البديل غير موجود. لقد انتهى أمري.. أنا "بطة ميتة" كما يقول الغربيون.


رحيله في يوم مصري مختلف
رحل أحمد خالد توفيق عن سن يناهز الخامسة والخمسين، وهو أقل من متوسط أعمار المتوفين في مصر، وأقل من متوسط الأعمار للكتاب الراحلين. ولعل حالته المادية اليسيرة بالتأكيد تكفل له السفر والعلاج في الخارج، كما أنه أقل من متوسط أعمار المؤثرين في الحالة العامة المصرية، بل هو أصغر الكتاب سنا الذين رحلوا عن عالمنا مؤخرا. سعادتي كانت بالغة يوما ما لأن كتابي زامل صدور كتابه عام 2015، في نفس دار النشر، وسعادتي كانت بالغة أيضا لأن كتابينا حصلا على جائزتين مهمتين في عام واحد ..2016، اليوم أشعر أن رحيله هو رسالة احتجاج صامتة كما اعتاد دوما أن يحتج بالصمت، رحم الله أحمد خالد توفيق.. الذي وضع سطر النهاية في أسطورته الشخصية.. أسطورة العراب.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها