(*) يمكن للرواية العربية أن تسلك مسالك متعددة، فالرواية هي فن "حر" بامتياز. لكن طرح السؤال الآن، وفي هذه المرحلة التاريخية التي نمر بها، يتطلب أن نمعن التفكير في الدور الذي يمكن أن تنهض به الرواية في إنقاذ الأرواح البشرية. إن الإنسان العربي تمتلئ نفسه بالضغينة. وعند هذا المستوى النفسي الرديء، يتعامل مع العالم من حوله. فلا عجب أن "العربي" لا يحظى بشعبية كبيرة لدى الأمم الأخرى. إنسان مضطغن، لن يستطيع أن يقدم شيئاً مفيداً للبشرية، والإنسان العربي بحالته النفسية الراهنة - حيث يتخبط في حبائل الكراهية ضد عدو ما- ليس مؤهلاً ليساهم مساهمة فعالة في بناء مستقبل أفضل وأجمل للجنس البشري.
على الرواية العربية أن تكون واعية بهذا الخلل في شخصية الإنسان العربي، وأن تعمل على إصلاح هذا العطب النفسي المريع. بالطبع، هناك أسباب وجيهة للشعور بالضغينة، كمثال الشعور بالضغينة إزاء سلطة ديكتاتورية. لكن القبول بهذا الشعور النفسي وتمكينه من السيطرة على الشخصية، سوف يثمر كائناً يبحث عن الانتقام، الثأر، تصفية الحساب، الغلبة الخ، وعند هذه النقطة تحديداً لا يعود الإنسان قادراً على التفكير السليم. ولا أحد يعيش في هذه البيئة يمكنه أن يحظى بفرصة حقيقية للعطاء والإنتاج وتعزيز قواه الروحية والفكرية والإبداعية.
لكن يمكن أن توجد حلول على المستوى الفردي، فيغادر الفرد هذه المنطقة المضطغنة ليندمج في حضارة أخرى متسامحة، فنسمع تالياً أن فلان الذي تعود أصوله إلى هذه الدولة العربية أو تلك قد حقق إنجازاً علمياً أو ثقافياً مرموقاً، كـإدوارد سعيد وأحمد زويل وغيرهما، وهو الإنجاز الذي ما كان متيسراً لهما أن يحققاه لو أنهما مكثا في هذه المنطقة التي تُطفئ الشعلة المتوقدة في الروح. لا ريب في أن هناك المئات من نظراء أحمد زويل وإدوارد سعيد، لكنهم ببقائهم في دولهم العربية، تعرضوا لانطفاء الشعلة التي كانت متوقدة في أرواحهم. هنا يجب أن يتدخل الفن الروائي ويبذل جهده للحفاظ على شعلة العظمة الإنسانية متقدة في الأرواح. عندما خلق الله الإنسان احتجت الملائكة، لأنها ظنت أن كل البشر ميالون إلى سفك الدماء والفساد في الأرض، لكن الله أجابهم بأنه يعلم ما لا يعلمون، ومعنى هذا الجواب أن كل إنسان في روحه شعلة عظيمة يمكن أن تشع على ما حولها وتنشر الخير والمحبة والسلام. وأن هناك أشخاصاً جيدين سوف يصنعون الفرق. على الرواية أن تسير في هذا الاتجاه. لتؤكد أن رهان الله على عظمة الإنسان كان في محله.
(*) هذه إجابة الروائي اليمني وجدي الأهدل على سؤال "المدن": الرواية العربية.. إلى أين؟ وهو سيكون ضمن ملف ينشر تباعاً، ويتضمن مجموعة من الآراء والمشاركات والتحقيقات والمقاربات...
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها