من هو كيفورك كساريان؟

وعند التاسعة من مساء اليوم، بالكاد سيحضر فادي توفيق في عرضه (*)، إذ سيخلي مساحته لكيفورك كساريان، الذي سيروي حكايته، ليكون تماماً مثله، ساكناً ظلّه. يقول توفيق انه اخترع شخصية الفنان هذه، وفي خاطره أنه، حتى لو كان متخيلاً، فهو قريب جداً من كونه فعلياً، من كون وجوده محتملاً ومفترضاً في البلاد. فتوفيق، خلال عيشه اليومي أو خلال مبحثه، التقى الكثير من الفنانين الذين يشبهون كساريان من ناحية أنهم أصحاب مشاريع مبتورة ومتوقفة في أطوار إنجازها. وذلك لسبب أساسي، وهو الحرب التي أطاحتهم وأطاحتها. بالتالي، وفي نتيجتها، ظلوا كفنانين، بلا انتساب الى وسط وسوق، وبلا أي أثر في تاريخهما الرسمي.

على هذا النحو، فإن كساريان، بالنسبة إلى توفيق، هو حالة الفنان الذي أبدع وأُهمل، خلق وتُرك، فأقلع عن خططه بسبب الخراب، وفي الوقت نفسه، لم يحتم بذلك التاريخ. الأمر الذي جعله على مطرح وحساسية ومنطور خاص به. إذ بمقدوره أن يرى الدائر واقعياً، وهو في أغلبه مطبوع بالحرب وحوادثها، على غير ما يراه كثر بالاستناد إلى رواية، يحددها توفيق بأنها رواية صحافية، لا سيما أن الصحيفة شكلت المرجع السردي لقص الحرب اياها ولقص فترات من اللاحق عليها أيضاً. من هنا، كساريان يحاول أن يروي حكاية أخرى، حكاية يبنيها من الظل وفيه، وتسمح له ولسامعيها، أي زوار معرضه ومشاهدي عرضه، أن يكونوا على بينة من الدائر في واقعهم، بعيداً من وطأة المرجع ذاك. وفي هذا السياق، يهتم كساريان، وقبله توفيق طبعاً، بعلاقة الفن بالمرجع ذاته، بحيث غالباً ما يتحول إلى مصدر أرشيفي عند تطرق الأعمال الفنية على أنواعها إلى الحرب، وهذا، بلا أي تشكيك في صلاحيته أو فعاليته، وبلا أي دراية به.

من السمات، التي يرتكز عليها كساريان للحديث عن ذلك الدائر في واقع الاجتماع، اجتماع الحرب، أي سمة النجاة التي، على أساسها، يروي الحرب وما بعدها بطريقة مختلفة. فبحسبه، هذه القسمة التي تطغى على إبداء الحرب كميدان بناحيتين، ناحية المقاتلين وناحية المدنيين، هي قسمة باطلة، ولو صحّت في أيام القصف والقنص، فهي لا تصح في أيام الهدن ولا في مناطقها. من عاش الحرب الأهلية، يدرك ذلك، بالتوازي مع إدراكه بأنها ليست كما هي ظاهرة في أخبارها وصورها، بل إنها أغنى وأعقد، ولا يمكن اختزالها في رواية بعينها. على أن النجاة تعود بأصلها إلى الحرب. وهي، بعد اتفاق الطائف، بقيت نمط عيش، تحمل على مزاولتها بعنف. فالجميع يريد أن ينجو على حساب الجميع، مع ما يستلزم ذلك من تواطؤ.


(*) يُقام معرض/عرض فادي توفيق، بالتعاون مع شيرين سليمان في "أعمال كيفورك كساريان غير المكتملة"، ومع هاشم عدنان الذي أخرج "حكاية الرجل الذي سكن ظله"، بالإضافة إلى مجموعة من فناني الصورة والتمثيل والصوت. ويتيح، حتى 11 تشلاين الثاني/نوفمبر الحالي، الاطلاع على كساريان وعلى فنه، وطبعاً على حكايته التي تتعداه لتطاول مدينته، حيث ولد فنان يدعى فادي... كساريان!