الإثنين 2018/10/22

آخر تحديث: 12:31 (بيروت)

فرانكفونية الصالون

الإثنين 2018/10/22
فرانكفونية الصالون
فرنسا صالون الكتاب، هي فرنسا متخيلة، فرنسا الديغولية
increase حجم الخط decrease
مع أن صالون الكتاب الفرانكوفوني قد غيّر مكان انعقاده في البيال- الى تحويطة فرن الشباك، إلا أن هذا التغيير لا يشير إلى أنه هذا العام سيكون أفضل مما كان عليه من قبل. فها هو في عيده الخامس والعشرين، ما زال مستوياً على غاية واحدة وسبيل متقادم إليها، أي أن يكون واجهة من واجهات البلاد الثقافية بمحاكاة ما يعتبره مركزه، أي فرنسا.

لكن هذا الصالون، وعلى ما عودنا جوّه الذي يشترك فيه المنظمون والناشرون، لا يحاكي سوى فرنسا المتخيلة. إذ أنها، وفي حال وجدت، فهي في رقعة ضيقة منها، رقعة "صالونية" بامتياز داخل وسط مديني، ثمة حديث دائم عن أنه قاحل.

لا تمت فرانكوفونية الصالون، إلى فرنسا الفعلية، بأي صلة، وهذا ما يجعل ثقافتها لانخبوية، كما يصفها الكثير من نقادها، بل يجعلها ثقافة موميائية، تتحول الاحتفالية السنوية بها إلى طقس استذكار لها. فقد كان لهذه الثقافة دور في السابق، اقتصادي وسياسي وغيرهما. أما اليوم، فهي من دونه. ولهذا، وحتى حين ترنو إلى التأليف، أو الإنتاج على عمومه، تبدو أنها لا تدرك فقدانها له، بل تتمسك به، وتدافع عنه على رغم فقدانه.

المشكلة في هذه الفرانكوفونية، ليس انها بلا دور محلي فحسب، بل بلا مرجع أيضاً. فإذا ارتبطت، في ما مضى، بمرجع ما، فهو حالياً قد انتقل الى وضع مختلف. ففرنسا صالون الكتاب، هي فرنسا الديغولية، وحتى عندما تمضي إلى استدعاء أيار 68، فهي لا تتعاطى مع هذه الانتفاضة كذكرى، بل كواقعة حالية ترفضها، ولا تتوقف عن رفضها، وبطريقة كاريكاتورية في الكثير من الأحيان.

على هذا النحو، لا يتعدى صالون الكتاب الفرانكوفوني كونه مناسبة مضجرة، من دورة إلى أخرى، وعندما يذهب إلى إعلان "الثقافات الرقمية" كموضوع عام له، فإنه يؤكد ذلك. فلكي يدّعي التطور، يعتمد فولكلورية العنونة، تماماً كما كانت الصحف الورقية تدّعي التطور في تطرقها إلى موضوع النشر الإلكتروني. فلا يمكن للصالون أن يتطور، أن ينتقل إلى طور آخر، بالاستناد إلى مواضيع متعلقة بالتكنولوجيا، أياً كانت أهميتها. وهذا، لأنه لا يتناولها سوى في جوه الموميائي الذي يعرقل اي تبدل، ولأنه يتناولها ليُبقي على هذا الجو الذي يزعم أنه مُواكب للعصر.

لا تستطيع الفرانكوفونية اللبنانية أن تتطور بفعل صالونها أو في صالونها فقط، فهو ليس سوى تتويج لمسار إنتاجي في صعيد الكتابة يكون سابقاً عليه. غير أن هذا المسار، يتصف، ومنذ زمن، بالركود، بالإرتكاز على المدونة المتكررة ذاتها، من ناحية الموضوعة والأسلوب، في السرد والشعر والسينما، وفي صياغة الرأي السياسي أيضاً.

وبالطبع، هذه المدونة محكومة بتصور معين عن الكتابة، أي تلك التي تستلزم من مزاولها أن يكون صاحب موقع إجتماعي متميز، فترسخ موقعه هذا، أو تمده بموقع وهمي يتيح له أن يتحرك في موطنها المؤلَّف من وسيلة إعلام أو اثنتين ودور نشر، وحيث نجد تراتبيات غبية، ومنافسات على مَنافع. مع الإشارة إلى أن هذه المدونة لا تنفي تجارب كتابية عديدة حولها، كما هو الوضع بالنسبة إلى الشِّعر الذي كتبه فرانكوفونيون في بداية القرن الحالي مثلاً. لكن، مع هذا، تبقى هذه المدونة طاغية بكسادها الذي تنتجه طوال العام، قبل أن تفضي إلى صالون الكتاب، الذي بات دوره يقتصر على عرض الكتب الموجودة سلفاً في المكتبات البيروتية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها