السبت 2016/06/11

آخر تحديث: 11:31 (بيروت)

بدايات وليد غلمية

السبت 2016/06/11
increase حجم الخط decrease
في 7حزيران2011، توفّي المايسترو والمؤلف والموسيقي اللبناني وليد غلمية عن عمر يناهز 73 عاماً، وكان لا يزال يشغل منصب رئيس الكونسرفاتوار الوطني العالي للموسيقى منذ العام 1991. رثت وسائل الإعلام يومها الموسيقي الراحل، واستعادت أهم انجازاته خلال العقدين الأخيرين من عمره، وتناست مسيرته الأولى في عالم التلحين.


ظهر اسم وليد غلمية العام 1963، يوم أسندت له لجنة "مهرجانات بعلبك الدولية" وضع موسيقى مسرحية "الشلال" التي قامت ببطولتها صباح ضمن إطار ما عُرف بـ"الليالي اللبنانية". شهدت هذه "الليالي" ولادتها الأولى في صيف 1957، يوم تضمنت "مهرجانات بعلبك للمرة الأولى عرضا خاصا بـ"الفن الشعبي اللبناني" جمع بين فيروز ونصري شمس الدين في برنامج أعدّه الأخوان رحباني مع زكي ناصيف وتوفيق الباشا.

تجدّدت هذه الشراكة في صيف 1959 في برنامج لمع فيه نجم وديع الصافي. في السنة التالية، انفصل الأخوان رحباني عن زكي ناصيف وتوفيق الباشا، وقدّما في بعلبك أولى مسرحياتهما الغنائية الطويلة، "موسم العز"، مع صباح ووديع الصافي. واصل الأخوان رحباني مشوارهما مع "مهرجانات بعلبك" وقدما مع فيروز والفرقة الشعبية "البعلبكية" العام 1961، ثم "جسر القمر" في 1962. في المقابل، واصلت "فرقة الأنوار" نشاطها، وجالت في عواصم عديدة حاملة لواء "الفن الشعبي اللبناني". في العام 1963، غاب الأخوان رحباني لأول مرة عن "الليالي اللبنانية" في بعلبك، ودخل وليد غلمية عالم التأليف الموسيقي والتلحين من الباب الواسع مع الشحرورة صباح في اوبريت "الشلال" التي كتبت ألين لحود قصتها وكتب حواراتها يونس الابن. شكل هذا العمل استمرارية للنهج الذي كرّسته "الليالي اللبنانية" منذ انطلاقتها الأولى في العام 1957، فجمع بين الغناء والرقص في قالب ريفي حديث يتغنّى بالضيعة اللبنانية بالدرجة الأولى.

في هذا العمل الاستعراضي، سار الشاب وليد غلمية على خطى من سبقه هذا الحقل، وارتبط اسمه بدبكة "يسلم لينا لبنان" التي تحوّلت سريعا إلى واحدة من كلاسيكيات صباح. واصل المؤلف الموسيقي مسيرته الأولى في هذا الدرب، وتولى مهمة تلحين عروض مهرجانات إهدن في العامين 1963 و1964، ثم شكّل ثنائيا فنيا مع روميو لحود وقدّم معه على مسرح فينيسيا استعراض "موال"، ثم "ميجانا، وبعدها "عتابا"، كما دخل مع وديع الصافي في مهرجان "نهر الوفا"، ولحّن له من كلمات يونس الابن "ايدك بإيدي"، "كان يا ما كان"، و"يا نهر الوفا رجعنا" التي شاركت في ادائها نجاح سلام. أشاد وديع يومها بالملحن الناشئ، وقال: "وليد من الشباب الموسيقيين الذين يتحلون بثقافة فنية واسعة وخبرة بعيدة المدى في حقل تلحين المهرجانات والمناسبات الفلكلورية". وقالت نجاح سلام: "ألحان المهرجان موفقة جدا، وأسمح لنفسي ان أقول ان وليد غلمية كسب كبير للفن الفلكلوري اللبناني، فالألحان التي أعدها لي ولسواي من المشتركين في هذا المهرجان تُعد من أجمل ما وضع من الحان فلكلورية حتى الآن".

في هذه الحقبة، ارتبط وليد غلمية بمغنية جديدة تدعى فيكي كربديان، تبنّاها الشاعر سعيد عقل وأطلقها إعلاميا، قبل أن يقدمها التلفزيون اللبناني في برنامج حمل اسم "فيكي تغني". لحن وليد لزوجته مجموعة من الأغنيات، منها "قبلك ما كان في وجود" و"يا حلوة الحلوين"، وتحدّثت الصحافة عن هذا الثنائي وعن "تجارب جريئة لخلق الغنائي اللبناني الآخر"، غير أن التجربة أخفقت سريعا. في نيسان 1966، اقامت فيكي دعوى جزائية ضد زوجها، فقدم وليد للمستنطق صورة طبق الأصل عن دعوى طلاق يطالب فيها بفسخ زواجه، فاعتُبرت دعوى الزوجة باطلة. وكتبت مجلة "الشبكة" معلّقة: "قال وليد إنه عاش مع زوجته 356 يوما، فكانت كلها شجارا وعذابا ووجع قلب. والآن يسدل الستار نهائيا على زواج وليد غلمية، ليرتفع بعد أيام على فنان يكمل رسالته في حقل آخر".

تابع وليد مشواره مع روميو لحود، ولمع مع صباح في مهرجانات بعلبك وجبيل حيث غنت له من كلمات موريس عواد "رجعنا بعد الغيبي رجعنا"، "درجي دوساه دوبارة"، و"شو بدي أعمل قلي"، ومن كلمات روميو لحود "قلعة كبيرة وقلبا كبير". كذلك، قدم وليد غلمية "صرتو عالعالي" لجوزيف عازار، و"ويلك يا خيال نزال" لسمير يزبك، من كلمات موريس عواد، و"قديش قضينا سوا" لعصام رجي، من كلمات روميو لحود. في صيف 1970، نشب خلاف حاد بين وليد غلمية وروميو لحود، وتحول هذا الخلاف إلى معركة "فنية" من نوع جديد. كتب ايلي بارودي يومها: "استرد وليد لحن "يا مسافر وحدك عالدرب" الذي نسبه روميو لنفسه باعتراف وليد غلمية، وبما ان الصداقة كانت حميمة وكان روميو يرغب في أن يقال عنه بأنه ملحن، سمح وليد له أن ينسب هذا اللحن لنفسه مع ان بصمات وليد في التلحين ظاهرة عليه على بعد ألف كيلومتر. وبعدما تصدعت الصداقة بين روميو ووليد، وبعدما كاد روميو أن يصبح ملحنا على حساب وليد، وبعدما نكر روميو فضل الحان وليد على مهرجاناته، أحب وليد أن يستعيد ما له في ذمة روميو، وكان لحن "يا مسافر وقف عالدرب" أول لحن يعود لصاحبه الأصلي".

في هذه الفترة، اجتمع وليد غلمية بعازف العود منير بشير، وأنجز معه دراسة حول الفنون الشعبية في العراق. وصرّح هذا الثنائي بأنه "ينوي تقديم دراسات مماثلة عن الفن الشعبي يوجهانها الى المسؤولين في كل بلد عربي يقع اسمه تحت مجهر بحث فنونه الشعبية والفولكلورية. هكذا، بدأ وليد غلمية يخرج من حدود الفن الشعبي اللبناني الذي ارتبط به منذ العام 1963، ولحّن "نشيد الفدائي" في مسرحية "مجدلون" التي أخرجها روجيه عساف، وكانت أولى المسرحيات السياسية في لبنان سنة 1969. عُرف هذا النشيد المنسي بـ"نشيد غيفارا"، وكان نصّه عبارة عن بضع كلمات قالها الثائر تشي.

قدّم وليد غلمية في جبيل العام 1971 آخر أعماله المسرحية الغنائية اللبنانية. حمل "مهرجان الأنوار" عشر اغنيات من كلمات جورج جرداق غنّاها فدوى عبيد وجوزيف عازار، ومنها "يا ساكن الليل"، "يا شعر الصبايا"، يالله يا أهل الدار"، "يا فراشة طيري"، "روح وتركني لحالي"، "ميلي على ميالك"، و"قول للحلوة". إلى جانب هذه الأغنيات، حرص وليد غلمية منذ هذه الفترة على اصدار اسطوانات تحمل مؤلفات موسيقية صرفة، منها اسطوانة صدرت في عام 1972 تحوي"رقصات من ليبيا ولبنان". بعد "مهرجان الأنوار"، تعاون الملحن مع صباح العام 1974 في مسرحية "ست الكل"، وفيها غنت الشحرورة من ألحانة "مسيناكم مسونا" و"زقفة يا شباب" من كلمات ميشال طعمة، و"قايمة ضب تيابي" من شفيق مغربي، و"دخلك لا تعلقني فيك" من مارون كرم. في العام التالي، اقتصر هذا التعاون على اغنية "مرحبا يا حبايب" في مسرحية "حلوة كتير"، وهي من كلمات ميشال طعمة.

في هذا العام أيضا، أصدر الاعلام المركزي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ثلاثة اناشيد من الحان وليد غلمية، وهي "نشيد الجبهة"، "نشيد الرفض" و"نشيد الثورة"، وجاءت هذه الأناشيد بعد أن وضع وليد غلمية موسيقى فيلم "كفر قاسم" لبرهان هلوية. بعدها، وضع وليد غلمية الموسيقى التصويرية لـ"بيروت يا بيروت"، أولى أفلام وليد غلمية، ودخل مع هذين الفيلمين في منعطف جديد، مسدلا الستار على المرحة الأولى من حياته الفنية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها