الجمعة 2016/06/10

آخر تحديث: 13:17 (بيروت)

نصري لـ"المدن": الصورة ليست طاهرة ولا خوف منها

الجمعة 2016/06/10
increase حجم الخط decrease
"بيروت ربما، مسبوقاً بلياليَّ أمرُّ من أيامكم" هو عنوان المعرض الذي سيقدمه نصري في "المركز الفرنسي" من 14 حزيران حتى 10 تموز2016، وعبره، سيقدم هذا الشغيل في مجالات عديدة صوره التي التقطها بعدسة هاتفه الذكي، ثم عمل على تركيبها. عن معرضه، تصويره، تمثيله، حبه للموسيقى، ومواضيع أخرى، هنا، حديث لـ"المدن" مع نصري.


* أنت متعدد التجارب، والآن، أتيت إلى التصوير، كيف فعلت ذلك؟

- لقد خضت هذه التجربة بالمصادفة، أو لنقل عن طريق الخطأ، وعلى أساس أكثر من حادثة. قبل عامين من الآن، اشتريت تلفوني الذكي، وبدأت بالتقاط الصور، بلا أدنى فكرة عما أفعله. طبعاً، لي علاقة بالصور، وأتابع الكثير من الفوتوغرافيين، وأحب أعمالهم، كأعمال صديقتي لارا تابت مثلاً، لكن، هذا لا يعني أني أتقن التصوير. باشرت بالتقاط الأشياء من حولي، ركزت على برج المر، الذي كنت يومياً أمر بالقرب منه، وذلك، بدون الإستناد إلى أي خرافة أو سردية عنه. شيئاً فشيئاً، صارت هذه العملية تثير بعض الهواجس فيَّ، مثلما أظهرت حبي للمشاهد التي التقطها، وفي تلك الفترة، تحدث معي أحد المسؤولين في "المركز الفرنسي"، وسألني إن كنت أود عرض صوري، فقبلت بحرص على كوني لست فوتوغرافياً. فأياً تكن الأعمال التي أمارسها، لا أجد نفسي متخصصاً فيها. لا أعرف إن كنت ممثلا، لا أدعي ذلك، ولا كاتبا، على الرغم من كتابتي، مثلما أني لست مصوراً، أدخل إلى كل هذه المجالات على إحساس يعتريني، وهو أنني أتسلى، وهذا لا ينفي جديتي، كما أدخل إليها على رغبة في توسيخ ذاتي، وفي الإنطلاق من جهلها بالأمور التي أقدم عليها. على سبيل المثال، لا أعرف كيف استخدم فوتوشوب، ولذلك، استعملت يدي في قص الصور وتركيبها وإعادة تصويرها من جديد. هذا على الأغلب مرده الكسل، لكنه كسل ضروري، كي أبقى، وفي كل شغلي، في نطاق الـ"ربما".


* وهذه الـ"ربما" هي "ربما" اللاحسم، التأرجح؟

- لا، لا تعني ذلك، بل إنها "ربما" المحاولة. فمن الممكن أن أمثل بلا أن أكون ممثلاً، وأن أكتب بلا أن أكون كاتباً، وأن أصوّر بلا أن أكون فوتوغرافياً، وأن ألتقط مشاهد من بيروت بلا أن أصوّر بيروت. حاولت تركيب تلك الصور لتضحى صوراً أخرى، كأني أدبج جملاً فيها، ومن خلال هذه الجمل انتقل منها، ولا أتجمد داخلها، ذلك، بلا أن أفكر في إنتاج جمالية لها، ومن دون الإعتقاد بأن عليّ الحفاظ على نظافتها. لا طهارة للصورة، ولا خوف منها، وهذا يحيلني إلى الأفلام التي مثلت فيها، فغالباً ما كنت أحب التمثيل في أفلامٍ، مخرجيها لا يقيدون مشاهدها، أو يهتمون بعفافها، بل إنهم يصنعونها على نهم وشراهة جسدية، لدرجة إذابتي كممثل فيها، تماماً كما هي مشاركتي في فيلم جاد يوسف. الصورة لا تنقل موضوعها، بل تذيبه، ثم، أن ملتقطها لا يعود يميز إن كان الظاهر فيها متخيل أم لا، وهذا يذكرني أيضاً بأفلام، كنت أثناء التمثيل فيها أحمل اسمي، وعندها، لا أعود أعرف إن كنت أمثل أو لا، ربما نعم، ربما، لا، لكن، الأكيد، أن هذا يجعلني ألعب. هناك عبارة في "فايدرا" لجان راسين، في توطئته لها على وجه التحديد، مفادها، بما معناه، أن القواعد مصنوعة من أجل الإنصراف عنها، أي من أجل ألا نطبقها بطريقة جافة، ونأخذها على محمل حرفي ومغلق.


* علاقة أخرى مع القواعد..

- وكما أنك في حاجة إلى قواعد، فأنت في حاجة إلى هذه العلاقة الأخرى معها.


* مرةً، كتب الفيلسوف كوستاس أكسيلوس أن اللعب أحرى من الضرورة بتحريرنا من الحرية... وهذا يحيل إلى تمييزك بين التصويرة والصورة الفوتوغرافية، كأن الأولى تحررنا من الثانية.

- للصورة الفوتوغرافية مسار معين، مسكون بنزوع إلى جماليةٍ ما، وهذا لا يلغي أهميتها طبعاً، أما، التصويرة، فالتقاطها حر أكثر، ويمارس على أساس الحظ والمصادفة، كأن تقول "نقشت معي"، أو أن تقص صورة، ثم تركبها من جديد بالإنطلاق من جهلك التقني، ومن يدويتك، وبغاية إنتاج مسودة أولية، لكنك، فجأةً، تنتبه إلى أن ما فعلته ليس مسودة، بل "هذه هي". كل ذلك، لا يزيل علاقتي بالصور الفوتوغرافية، التي، في بعض الأحيان، التقطها، محولاً إياها إلى تصويرة، تماماً مثلما فعلت عندما التقطت صورة لصباح عن اللابتوب، تصوير لصورة عبر الشاشة. كلنا نصور وننشر لقطاتنا على "إنستغرام"، لكن، هذا لا يفيد بكوننا فوتوغرافيين...


* بل نحن "نقّارون"، clikeurs بالفرنسية

- والتحدي كيف تنقر لتنتج تصويرة لا تبغي البروز ولا أن تكون دليل وجودك الوحيد على اساس الكوجيتو الإنستغرامي، J'image donc je suis، بالتالي، كيف تصنع تصويرة لا تلتقطك، ولا تختزل نفسك بها. جميعنا أصبحنا إنستغراميين، لا مشكلة طبعاً في ذلك، لكن، المشكلة في أن تتحول الصورة إلى البرهان الأول والأخير على أنك موجود، أو بمعنى آخر، على أنك لا تقطن سوى فيها.

* خاصةً، كوننا نعيش تحت وطأة تغيير أي مجال إلى مجال ميديوي، كأننا من دون الميديا، نحن لا شيء، هذا تفخيخ للميديا على كل حال، جعلها جهاز إعدام لا إعلام.

- كما في أيام الحرب اللبنانية، حيث كان هناك عبارة شائعة في الإعلام: "لقد وصلتنا هذه الصور من لبنان"، فسرعان ما نصل صوراً كي نبقى صوراً.


* هذه هي المشكلة، مشكلة البقاء في الصورة التي تتطابق مع مشكلة رفض التحول إليها، وهذا يعبر عنه استفهام خالي من المعنى: "هل نصوّر أو لا نصوّر؟"... في كل الأحوال، أنت لما تصوّر لا تعتبر أنك تصوّر فقط، بل تكتب، وتصوّت أيضاً.

- ثمة علاقة بين التصويرة والكتابة، وهي علاقة سهلة للغاية. مثلاً، كنت لما ألتقط برج المر، أنظر إلى تصويراته، وأطلق عليها أسماء، هي، بالأساس، كلمات غير موجودة. لا يكفي التعاطي مع الصورة بالنظر، بل بالكتابة عبرها، كتابة لامرئية من خلالها، وكلنا عندما نكتب نفترض أننا نريد قول صورة..


* وفكرة..

- وأحياناً، مشهد، أو لون. أحبذ البحث عن لون للنص. وهناك ريتم (ايقاع) أيضاً، أو صوت للنص كما للصورة، فمن المعلوم أن فلوبير كان في أثناء كتابته، يدخل إلى إحدى غرفه، واسمها gueuloir من gueule، "مجعرة"، حيث يردد كلمات روايته، يصرخ بها، وذلك، ليشعر إن كانت ملائمة أم لا.


* هذا جزء من ترتيب الأسلوب...

- هذا ما حاولت أن أفعله مع الصور، أن أركبها كأنني أجد الكلمة المناسبة، التي تنسجم مع إحساسي بها. على كل حال، منذ أيام الجامعة، كنت أستعمل كلمات غير موجودة، طبعاً، الاساتذة كان يقولون لي أن ما  كتبته ليس موجوداً في اللغة، لكنهم، وفي الوقت عينه، يخمنون  ما أنوي قوله عبرها.


* ما الإختلاف بين كونك ممثلاً ومصوّراً؟

- لدي شغف لأن أكون داخل الصورة، وهو نفسه يعتريني لما أكون ملتقطها. وهذا الشغف متصل بكوني لا أحب، كممثل، أن أضحى ركيزة المشهد. كما لا أحب، كمصوّر، أن أكون مسيطراً على الصورة. في المشهد، أو في التقاطه، أنحاز إلى شفافيتي، إلى أن أضحى مادة شفافة، فمثلما عندما أمثّل، لا أعود وأتفرج على الفيلم الذي شاركت فيه، كذلك، في الصورة، لا أعود وأحرسها. تمثّل، أو تصوّر، ما عليك سوى أن تهجر الصورة كي تصنع أخرى. تختفي من الأفلام كي تمثل في غيرها. طبعاً، ما أتحدث عنه الآن، لا يعني أنه قائم على قرار مسبق.


* القرار فعل عرضي، وليس الركيزة

- طبعاً، وهذا ليس خفة مطلقة، بل أنه جدي أيضاً، لكن، ما أريد قوله أنني في التمثيل أو في التصوير، أشعر بأنني إذا لم أكن على شفافيتي وحالي، سيؤدي بي ذلك إلى الإفتعال.


* صحيح، لأن الإفتعال هو ضد اللعب، وليس الجدية. في السياق إياه، أنت "دي جاي" أيضاً، فما علاقة الصورة بالصوت بحسبك، خصوصاً أنك أشرت إلى أنك تجد في الصورة كما في النص ايقاع مشهدي أو عباراتي؟

- لا شك في أني أستمع بشكل متواصل إلى الموسيقى، وكـ"دي جاي"، أحاول أن أركب كولاجاً موسيقياً، وهذا التركيب يتعلق بسينمائية ما، أي أن تعطي للصوت بُعداً صورياً، لا سيما أن الصوت، بالنسبة إلي، يثير مخيلتي أكثر من الصورة أو النص.


* يعني أنت أقرب إلى الصوت...

- لدي نهم للصوت، الموسيقى في منزلي لا تتوقف، وبدون أي ترتيب لها على أساس النوع أو اي شيء آخر.


* ذكرت النهم كثيراً، ما هي علته؟

- الضجر؟ لا، لا، ليس الضجر، الذي لا أنزعج منه، لكن، على الأرجح، أن هذا النهم متصل بوحدتي، وتعزيزي لها، وهذه الوحدة، لا شكل أنانياً لها، كأن تقول للآخرين "أتركوني وشأني"، بل إنها وحدة أكولة، أطعم سكانها، من كتّاب ومخرجين وموسيقيين وفوتوغرافيين، من التجارب التي أمارسها، بالتالي، هي ليست وحدة مغلقة.


* وحدة مأهولة، وأصلاً، هذا الوضع ليس إرادياً، بل هو لا إرادي، وهذه أهميته، لكننا، هنا، في لبنان، نعاني من رُهابه، أي من "فوبيا الوحدة"، كأن تجلس وحدك في المقهى، وفي هذه الأثناء، يرسل إليك صديقك رسالة، يستفهم منك عماذا تفعل، فتجيبه، وعندها، يرد عليك بوجه حزين، بمعنى أنه يأسف لأنك تجلس وحيداً... في كل حال، لا أعرف إن كنا بدأنا نخرج عن موضوع المقابلة، لكني أشعر بأنه أمر حسن.

- وأضف إلى هذه الفوبيا واحدة أخرى، أي فوبيا الصمت، كأنه من واجبك دائماً أن تصدر ضجة، لتعبّر عن وجودك... نعم، خرجنا عن الموضوع، حققنا غايتنا منه!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها