السبت 2016/05/28

آخر تحديث: 12:01 (بيروت)

السيرة الحقيقية لوداد

السبت 2016/05/28
increase حجم الخط decrease
في محاولة لاستكشاف "مكونات المشهد الكامل للاغنية اللبنانية"، يقدّم مسرح "مترو المدينة" استعراضا خاصا بالمطربة وداد، اختار لها عنوان "بتندم"، أشهر أغنيات هذه الفنانة التي دخلت النسيان منذ زمن طويل، قبل رحيلها عن هذه الدنيا في العام 2009. 


من هي وداد؟ كيف بدأت مشوارها، ومتى لمعت في سماء الأغنية؟
قدّم "مترو المدينة" لهذه الحفلة بنبذة سريعة تعتمد على الروايات الشائعة التي تحتاج إلى التصويب والتصويح. تقول هذه النبذة أنها بهية، الابنة الثانية للمطربة التونسية صالحة، وأن والدها هو فرج العواد، اشهر عازفي العود في زمانه، وأن شقيقتها الكبرى هي أمل، المطربة التي اشتهرت باسم نرجس شوقي. انتقلت مع عائلتها من بيروت إلى القاهرة، وتزوجت باكرا من عازف القانون الشهير محمد عبده صالح، أحد أعمدة فرقة أم كلثوم الموسيقية. حاول زوجها منعها من الغناء والاكتفاء بلعب دور الزوجة، فانفصلت عنه، وعادت إلى بيروت حيث تزوجت بعد فترة قصيرة من عبد الجليل وهبه، وحملت من يومها اسمها الفني وداد. استمر هذا الزواج طويلا، وانتهى بالطلاق، بعدها اقترنت المطربة بالملحن توفيق الباشا في نهاية الخمسينات، وعاشت معه حتى أواخر الستينات، وبعد طلاقها منه، أكملت مسيرتها الفنية "بتركيز وتفرغ كاملين".

هذا ما يقوله معدّو برنامج "بتندم"، ويمكن القول عند مراجعة هذه النبذة أنها مليئة بالمغالطات الفادحة. في الواقع، عُرفت بهية أولاً باسم الآنسة بيبي، واشتهرت بحكاية هروبها "خطيفة" مع عازف القانون الشهير محمد عبده صالح، وبعودتها سريعا إلى بيروت بعد ملاحقة قضائية رفعها والديها ضدّ العازف. كتبت مجلة "الإذاعة" الصادرة في لبنان وقتها: "يقول مراسلنا في القاهرة بأن حكما صدر ضد الأستاذ عازف القانون في جوقة أم كلثوم محمد عبده صالح، يقضي بإرجاع المطربة اللبنانية الآنسة بيبي التي خطفها. وهكذا عادت المطربة إلى حضن والديها، وسيرجعان وترجع معهما قريبا إلى لبنان، هذا إذا لم يحدث لها خطف جديد". عاودت الآنسة بيبي نشاطها الفني، وعُرفت في العام 1950 باسم بهية وهبي، ولم تُعرف بغير هذا الاسم حتى العام 1956. في ايلول/سبتمبر 1950، كتبت "الإذاعة": "ما برحت المطربة المبدعة بهية وهبي في كازينو طانيوس بحمدون تنشد كل ليلة أغنياتها بحنجرتها الرقيقة الناعمة، مثيرة اعجاب جمهور الكازينو. وتمتاز بهية باجتهادها الفني وحسن تأديتها للأغنيات وبتجددها الدائم في أغانيها وألحانها". بعد ثلاثة أسابيع، عادت المجلة وخصّت بهية وهبي ببطاقة تعريف جاء فيها: "مطربة شابة، في مطالع نموها الفني واختمار ثقافتها الموسيقية وذيوع شهرتها. عملت في أحسن صالات دمشق وبيروت وحلب. وغنت في معظم الإذاعات، وأطربت الأسماع بتلك العذوبة الممزوجة بصوتها، وبذلك الهدوء العميق الذي تغني به. نشأت في بيئة فنية خالصة، فتفتحت أذناها أول ما تفتحت على الأنغام والأصوات الجميلة. وورثت عن والديها ملكة الصوت الجميل والإحساس باللحن. ولم يؤثر الزواج على فنها، فهي الآن في بيت فني ومع شاعر تغنًى كلماته ومقطوعاته في كل مسرح وعلى كل حنجرة وهو السيد عبد الجليل وهبه".


واكبت مجلة "الإذاعة" صعود نجم المطربة الشابة، وكتبت في نهاية العام 1951: "تشق المطربة الشابة بهية وهبي طريقها إلى الشهرة الفنية بقوة واخلاص، وتكاد اليوم تصبح من أحب المطربات إلى آذان المستمعين في محطات الإذاعة التي كثيرا ما تذيع أغانيها الجميلة. وبهية وهبي، بشهادة كبار الموسيقيين، تملك أحسن صوت ميكروفوني. وقد كتب الأستاذ محمد حسن الشجاعي مؤخرا يقول أن صوتها مليء بالإحساس المتدفق بحيث يؤثر في نفس السامع فيدفعه إما إلى البكاء أو إلى الهدوء". وفي عودة إلى بدايات "الآنسة بيبي"، أضافت المجلة:  "تذكر بهية ان عمرها الفني لا يتجاوز السبع سنوات، لكنها لم تكن طوال سبع سنوات في نشاط متواصل، فقد انقطعت مدة طويلة عن الغناء لظروف خاصة، ثم عادت إليه وقد ازدادت نضوجا واحساسا وعمقا. أما كيف أصبحت مطربة، فهذا ما يحدثنا عنه الموسيقار الملحن نقولا المني، اذ يقول أنه كان يعلّم لحنا للمطربة أمل في منزلها، عندما تهادى له إلى مسمعه صوت رقيق صغير، فهرع إلى مصدر الصوت في المطبخ، وهناك وجد بهية تغني وهي تغلي القهوة، ومنذ ذلك الحين اغراها أن تكون مطربة في محطة الإذاعة. وليس هناك أي محطة عربية لم تتعاقد مع بهية وهبي، باستثناء محطتي مصر وبغداد".

شكلت بهية مع زوجها ثنائيا فنيا، وارتبط هذا الثنائي بالملحن فيلمون وهبي، وعُرف هذا الثلاثي بـ"ثلاثي وهبي" الذي لمع في محطة الشرق الأدنى، يوم كانت إذاعة بيروت أضعف إذاعات المنطقة وأفقرها. على الصعيد الشخصي، كانت العلاقة بين المغنية والشاعر عاصفة، كما شهدت الصحافة الفنية في تلك الفترة. في آذار/مارس 1952، كتبت "الإذاعة": "تم طلاق المطربة بهية وهبي من زوجها الشاعر عبد الجليل وهبه بعد سلسلة من الخناقات والخلافات. وقد فشلت جميع المحاولات للحيلولة دون هذا الطلاق حرصاً على مستقبل المطربة وعلى مستقبل طفلتهما الصغيرة، والجدير أنه لم يمض على هذا الزواج أكثر من عامين، وقد وقعت خلالهما عدة خلافات كانت تؤدي إلى الطلاق". تكرّرت هذه الرواية في السنتين التاليتين وانتهت بزواج بهية وهبي من الملحن توفيق باشا في خريف 1955، ولم يتم هذا الزواج بسلام. عقد توفيق الباشا قرانه على بهية، وسُجّل الزواج بشكل شرعي في الدوائر المختصة، فتلقت الزوجة "من زوجها السابق عبد الجليل وهبه دعوى يطلبها فيها للطاعة"، ثم عاد وقدّم دعوى زنى، مؤكدا بأن زواجه منها ما زال ساريا. "حكمت المحكمة الشرعية الجعفرية لعبد الجليل بصالحه"، و"اثبت توفيق الباشا ان زواجه شرعي، وصحيح ماية في الماية، ومدون بموجب عقد زواج مصدق". وقالت بهية بهذا الصدد "انها لم ترجع لعبد الجليل بعد طلاقها الخامس منه، وأنها تزوجت من توفيق الباشا بموجب ورقة الطلاق التي تخولها حق الزواج". وقيل عندها أن الشاعر نزار الحر تزوج من بهية بعد طلاقها الثالث من بهية "على أمل أن يكون المحلل الشرعي في هذه القضية، ثم طلقها من دون أن يعاشرها معاشرة الأزواج".

بعد انتهاء هذه القضية، وثبوت زواج بهية من توفيق باشا، اتّخذت المطربة اسمها الفني الجديد، وداد، وهو الاسم الذي عُرفت به حتى وفاتها. تابعت وداد مسيرتها الفنية في كنف توفيق الباشا، وسجّلت عشرات الأغاني من تلحينه، كما غنّت من ألحان زميله ورفيق دربه زكي ناصيف، واشتهرت بأغنية "بتندم" التي لحنّها سامي الصيداوي، ووزّعها الباشا. تحوّلت وداد إلى مغنية إذاعية، وغابت صورها عن المجلات غيابا شبه كامل، وساهم هذا الغياب في أفول نجمها. بعد زواج استمرّ زهاء عشر سنوات، انفصل توفيق الباشا عن وداد، وتزوج من المغنية الناشئة نهى هاشم في العام 1965. استمرّت وداد في الغناء بشكل متقطّع بهذا الأنفصال، ولم تحقّق أي نجاح يُذكر.

في أيار/مايو 1969، وجّه جورج ابراهيم خوري إلى وداد رسالة قصيرة تقول: "مرة أخرى أستمع إلى صوتك العذب من إذاعة بيروت وأقول: يا ظالمة. أنت يا وداد، يا ظالمة، يا من ظلمت نفسك وكفرت بالموهبة الثمينة التي منحتك اياها السماء. ظلمت نفسك عندما لم تعتني بنفسك. وكفرت بالموهبة عندما أشبعتها سجاير وويسكي وسائر أنواع المحرقات. ولقد خصتك الطبيعة بكل مزايا التي توفر لك النجاح والشهرة والثراء".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها