الثلاثاء 2015/05/26

آخر تحديث: 13:54 (بيروت)

ياسمين حمدان: صوتي ينزل في جسمي والأسلوب خرافة

الثلاثاء 2015/05/26
increase حجم الخط decrease
 مساء الأحد الماضي، أحيَت ياسمين حمدان حفلاً موسيقياً في فضاء "وان" ببيروت، وقد أدت فيه أغنياتها من ألبوم "يا ناس"، الذي كان قد صدر في العام 2014. وقد أتت حفلتها ضمن جولة غنائية، تنقلها من فرنسا إلى اليابان، مروراً بتونس والمغرب وكندا وغيرها من البلدان.هنا، مقابلة أجرتها "المدن" مع حمدان حول غنائها وجسمها وعملها على العموم.

* لنبدأ من صوتك، ما العلاقة التي تجمعك به؟

- عندما اكتشفت قدرة صوتي على الغناء، شعرت أنه بمثابة هدية، عليَّ الإعتناء بها، وتقديمها لنفسي باستمرار. في بعض الأحيان، أجدني صامتة لأيام بسبب التعب الذي يعتري حنجرتي بعد حفلة أو جولة من الحفلات، وأكاد أجزم أنني، لولا صوتي، لكنت أعاني الآن من رتابة العيش وضجره. لقد سمح لي بالإبتكار، والسفر، والتنقل، مثلما أن ذاتي ارتكزت عليه في وقت كنت أشعر بصعوبة الدخول إلى الحياة، المجتمعية على وجه الدقة، وتعلم قوانينها، والإلتزام بمعاييرها. كنت خجولة للغاية، وقد وجدني البعض برية، كنت أخاف من الآخرين، وقد وضعني صوتي، بعدما اكتشفته، على سبيل التواصل معهم. هؤلاء، لطالما كانوا غائبين، ولطالما كنت وحيدة، إلا أن صوتي قرّبني منهم، وبالفعل نفسه، قرّبني من نفسي، لأفهم أخطائي وعقدي وقدراتي... باختصار، فتح لي الباب على عملية مسكونة بي وبغيري، فدخلتها ولا أزال في خلالها حتى الآن.

* وهل دفعتك هذه العملية، لنسميها "تصويت القدرة"، إلى سحبها على صلات أخرى غير صلتك بحنجرتك؟

- بالتأكيد، فهذه الصلة (أو لنقل الإكتشاف والإبتكار على حد سواء)، جعلتني أعقد النية والعزيمة على أعمال أو مغامرات أخرى، أكتسب عبرها استطاعة حياتية في صُعد كثيرة. ذاك، أني لا أفصل بين تعاملي مع الغناء وتعاملي مع أي فعل آخر، أريد القيام به.

* ثمة صفات كثيرة، تُطلق على أغنياتك بهدف تحديد نوعها...

- إنها مجرد صيغ.

* نعم، صيغ لفهم أو تعيين أي شيء جديد أو مغاير، لكن هل بلغت أسلوباً ما؟

- لا تعني كلمة "أسلوب" أي شيء بالنسبة إلي، خصوصاً حين تُقرن بالأنواع الموسيقية. خذ مثلاً بعض الفنانين، الذين أستمع إليهم، ليونارد كوهين أو غيره، هو ينتقل من طراز إلى آخر بخفة، نظراً إلى ابداعيته بالطبع. فالفنان يتنقل من مكان إلى ثان، ومن نمط إلى ثان، ومن شكل إلى ثان، كأنه يقود سيارته على الطرقات وفي الشوارع والأزقة، يفتش على شيء لا يعرفه، وفي أثناء ذلك، لا يتقيد، يتغير، ويخلط بين مسموعاته.

* ألا يجري هذا الخلط بالأسلبة، أو يؤدي إليها؟

- لا أعتقد ذلك، فهذا الفعل مُجَرَد، لا قاعدة له. لقد اشتغلت على الكثير من الأغنيات، التي انتهى بها الأمر إلى سلة المهملات، لأنها لم تصبح حيّة، لم تستطع العيش. أحياناً، يخطر في بالي العمل لإنجاز فكرة ما، أحاول، وأواظب على ذلك، إلى أن أنفذها بفكرة أخرى. وعندما أسجل أغنية، أو مقطعاً منها، أبتعد عنها لفترة، أركز المسافة التي تفصلها عن أذني، وأطلب من بعض الأصدقاء أن يسمعوها، كي ينبهوني إلى خلل فيها، كنت قد شعرت به، لكنني، غير متأكدة من موضوعه. على هذا النحو، اشتغل، وفي أوقات غير قليلة، قد لا أصل إلى مرادي.

* في الغناء، تحضرين بصوتك وجسمك، هل هما على ارتباط؟

- لا يظهر جسمي بمعزل عن صوتي، الذي ينزل فيه، ويجعله يتنقل على الخشبة...

* يعني هل تجدين أن جسمك يحمل صوتك بتوازن أو بتفاوت، ثم هل هو يمنع صوتك من الخروج، لذا تحركينه كي تضعي حداً لفعله هذا؟

- هناك إنسجام بين الإثنين، ومرد ذلك، أني أتحرك، أحب التحرك، لا سيما حين أغني، فلا يمكنني الوقوف في مكان واحد، والثبات عليه، وربما لهذا السبب لا أنتعل حذائي على المسرح، أغني عارية القدمين على الدوام، لكي أظل على احتكاك مع الأرضية، وفي رشاقة عليها. وقد يكون جسمي أضعف من صوتي، أو أقل استطاعة منه، لذا، وبطريقة غير مقصودة، أتحرك لكي أوقفه على صوته، أو على حنجرته.

* أو في حنجرته، نهوض الجسم في حنجرته. لكن، قبل ذلك، لتحضير أغنياتك، أو ألبوماتك على العموم؟

- غالباً ما أعتمد على الإرتجال في تأليف الأغنيات، وبالتوازي مع ذلك، هناك تحضير مستمر، يستند على أبحاثي، واكتشافاتي، وتعرفي على فنانين جدد. بالإضافة إلى أنه تحضير غير محدد بوقت، أو بخطة محكمة، فحين أقرر إصدار ألبوم، أدرك أنه سيتضمن كل ما عشته ورأيته وسمعته قبل مراحل إنتاجه.

* هل القراءة تشكل جزءاً من هذا التحضير؟

- في الماضي، كنت أقرأ كثيراً، لا سيما الأدب الكلاسيكي، ثم ذهبت من الأدب إلى مجالات أخرى، مثلاً قرأت حنا أرندت، التي كانت، هي وغيرها، توحي لي بأن شيئاً من العدالة ممكن في الحياة. في وقتنا هذا، أقرأ كتب عن الـzen، لكنني، وعلى الرغم من ذلك، لا أجد الكثير من الوقت للقراءة، وأسعى إلى مضاعفة قراءاتي باللغة الإنكليزية، أرغب في السفر وقراءة هذه اللغة، التي لا تزال، بالنسبة لي، شبه مجهولة نصياً. ومسعاي هذا يتعلق بما أجده من ضجر في القراءة بالفرنسية، ومن وجع في القراءة بالعربية. طبعاً، ما أقرأ يجد طريقه غير المباشر إلى عملي، ذلك، دون أن يطبعه. هذا، مع العلم، أني لا أحب قراءة كتب تتناول العلاقة بين الغناء ومجالات أخرى، كالغناء والأدب مثلاً، إذ أنزع إلى القراءة عن فنانين، وعن حقبات، ومؤخراً، قرأت بيوغرافيا بوب ديلان، ولم أكملها حتى النهاية، وقد ذُكر في صفحاتها الكثير من المغنين، الذين لم أكن على معرفة بهم.

* عند تناول عملك في مقالة أو نص، غالباً ما يُربط بين صوتك وهويتك، فعلياً، هل تجدين للثانية وطأة شديدة على الأول؟

- ربما، ربما في السابق، لكن، ليس في الوقت الحالي، لأنني اليوم أتساءل عن هذا الربط ومآلاته، لا سيما بعد أن اختلفت علاقتي مع نفسي ومع جسمي ومع أحاسيسي. وبعد أن أصدرت ألبومي الأخير، شعرت أن إدراكي بدأ بالتغير. فعلياً، ثمة عادات أو سلوكيات، منشأها قديم، ولا تزال موجودة فيَّ، لكنني، أطمح إلى التخلص منها مثلما تخلصت من غيرها. ثم، أنني بدأت أتقدم في السن، والحياة التي أعيشها تجعلني أعيد النظر في طرق عيشي، أنا الآن في مرحلة لا أعرفها، لا أعلم أين أقع فيها، لكن، كل ذلك غير مهم، وغير ضروري، لأن بمقدور المرء أن يضيع، ويبقى على ضياعه، أنا الان ضائعة.

* والإنتماء؟

- صراحةً، لا أعرف إن كان يهمني أم لا، غير أني حتى الآن لا أعد نفسي فرنسية رغم انقضاء سنوات على عيشي في فرنسا، دائماً، يعتريني شعور بأنها ليست بلدي الأخير. أنزع باستمرار إلى التنقل من مكان إلى آخر، وقد لا يحصل ذلك، وهذا لا ينفي أنني أقرب إلى البداوة منه إلى الإستقرار.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها