الإثنين 2015/01/12

آخر تحديث: 12:44 (بيروت)

الإغراء العربي في صوره المتعدّدة... حجاب اليمن و"قات"ـه وسلاحه

الإغراء العربي في صوره المتعدّدة... حجاب اليمن و"قات"ـه وسلاحه
بعدسة المصور اليمني خالد شعنون
increase حجم الخط decrease
ثمة عادات هي المسيطرة على ذهنية الناس في اليمن، صارت بمثابة ثقافة متأصلة تغري اليمنيين يومياً. ويمكن القول أن مضغ القات-على سبيل المثال- يتصدر اغراءات اليمنيين و"كيوفهم"، كما أن السلاح أيضاً، يمثل هاجساً إغرائياً لامتلاكه رمزية "الرجولة"، بالذات في مناطق شمال اليمن، الأشد قبلية، والأكثر تشبثاً به من بقية المناطق.

وفي بلد ذكوري شديد الشرقية كاليمن، لاعجب إذن من أن يشكل إغراء النقاب والبالطو جاذبية خاصة، غير أن الإغراء بمفهومه الجسدي الصريح، لا يمثل قيمة ظاهرية مهيمنة في ثقافة اليمنيين اليومية. ذلك أن ثقافة العيب والحرام أصل كل الأشياء هنا، وغالباً ما يجد الجسد تأثيماً وتأنيباً، إذا خرج عن المزاج السائد.

بمعنى آخر؛ تظل موضوعة الإغراء شائكة بالنسبة لمجتمع مغلق لا يستهويه الإغراء، بقدر ما يستهويه في الوقت نفسه: مجتمعٌ يقع في ازدواج الشخصية، إذ يشمئز من الجسد ويتوق له في آن.. مجتمع لا يوجد فيه مرقص واحد، ومع ذلك، فإن أبرز زيارة يقوم بها اليمني حين يكون خارج بلاده هي إلى المرقص غالباً. مجتمع في عزلته المريرة.. مجتمع محارب.. مجتمع يتحرز في خياراته الاستقلالية.. مجتمع لطيف وبارع رغم قسوته وتخلفه. مجتمع يعيش في الماضي أكثر من الحاضر.. مجتمع يراقب بعضه بعضاً.. مجتمع فقير وكادح وتحيطه كل أدوات وخطابات العنف، إلا انه رقيق ويقدس مزاجه وتوقه للحياة مهما طمرته قيم البداوة والسلفية. مجتمع عسير الفهم، وسهل الفهم جداً. مجتمع مكبل بالتابوهات الثقافية المتأصلة. مجتمع يشعر بالرغبة في التواصل مع كل جديد، ولكنه يفضل النأي عن المجاهرة بذلك. مجتمع محافظ، فيما قياسات أدوات البحث في الشبكة العنكبوتية، تؤكد انه يتصدر المجتمعات الباحثة عن العري والرقص والجنس. مجتمع يفعل كل شيء ويمارس شتى أنواع "الكيوف والاغراءات" ولكن بالسر طبعاً، أو على طريقة "إذا بليتم فاستتروا".

والحاصل أن لكل مجتمع إغراءاته الخصوصية التي يتماهى معها وتثير عواطفه وغرائزه. 
بل لعل الصراع الروحي والجسدي، هو الصراع الأبرز الذي يكابده شباب اليمن اليوم، وهم يشهدون المتغيرات والتحولات الرهيبة من حولهم. فالثابت أن الاختلاط بين الجنسين أكثر ما يثير التوجس بالنسبة للمجتمع اليمني. ذلك أن ثقافة القبيلة تمس أعماق اليمنيين ولها سطوة كامنة، كما أن قيم القات الذي يمضغه اليمنيون لأكثر من 8 ساعات في اليوم على الأقل- في حين تتمحور هموم بقية اليوم في تدبيره والوقوع تحت تأثيره- في خلق سبب آخر في فقدان الحس بالجديد وقيمة الزمن، ما بالكم بالإغراء.

ويقول (ع.س) لـ"المدن" وهو مصور فوتوغرافي شاب، رفض ذكر اسمه أن "الإغراء يخضع لدوافع إنسانية، وهو مهم لتعزيز النزعة التحررية في أي مجتمع طبيعي يتمتع بمرونة غنية، وله إحساس عال بالجمال".

ويضيف "لكننا نضطر إلى التخلي عن تلك الدوافع في مجتمع بائس يحاصرها ويشن عليها فضيلته الزائفة، النابعة من وعيه الشحيح بالجمال أصلاً". ويتابع ساخراً "نعرف جميعاً بأنه لا يوجد أي طابع شبقي في هذه البلاد غير النزر اليسير في مولات التسوق مثلاً، ومع ذلك تفرض الرقابة الطوطمية نفسها على الذبذبات الواقعة بين الجنسين في الوعي واللاوعي للأسف".  

وتوضح (سمية) 26 عاماً، وهي تعمل خياطة ان "الفتيات يدأبن على البالطوهات الحديثة والنقاب المغري للفت النظر والتمتع بالموضة"، معتبرة انه "من الصعب فرض القيم البالية على الجيل الجديد من الفتيات،  نظراً لأنهن يتابعن احدث الموضات ويغرمن بارتدائها".

إلا أن (محمد علي) 37 عاماً، وهو متخصص في الحلي والأزياء القديمة، أكد لـ"المدن" على أن "السواح يرون في كل شيء قديم في اليمن اكبر إغراء، على عكس المجتمع الذي داوم على هذا النوع من الأزياء والحلي الفلكلورية"، مستدركاً بالقول "علينا من هذه الزاوية أن نتفكر في هذا التناقض بيننا والآخر"!

واقع الحال أن ثقافة المجتمع المكبوت تعمل على إصباغ الفكر الباطني في وعي المجتمع، بحيث لم يحدث ارتقاء للشهوات في المجتمع اليمني إلا بصعوبة، كون الانفتاح هو الطريق الأول لذلك. وحتى بين طلاب الجامعات الذين يدأبون على الشكل الحديث في الرداء والمظهر، سنجد أن الانضباط الصارم هو المتسيد في العلاقات بين الجنسين.

والشاهد أن فكرة القمع تحتل مساحة كبيرة في ممارسة المؤسسة الرسمية، دينياً وقبلياً. ولطالما تم تكفير أدباء وكتاب، بسبب ورود ألفاظ جنسية في منتوجاتهم الإبداعية الشعرية أو السردية. وحتى في المدن التي كانت تتميز بنوع ما من الانفتاح كعدن وتعز والحديدة، انتشرت خلال العقود الأخيرة قيم الارتداد السلفي، حتى تم إغلاق السينمات أيضاً.

ثمة متحررات يشكلن أقلية مجتمعية ومعظمهن من النخبة المدنية، لكن ظهورهن في الشارع العام يجعله في حالة استنفار قصوى، والسبب أن عيون المارة تزيغ ناحيتهن بإفراط إلى حد الهمجية. غير أن المارة سرعان ما (يتأنسنون)، إذا جاز التعبير مع إصرار المرأة اليمنية المتحررة على فرض إرادتها غير المقيدة.


**
مقطع من قصيدة للشاعر الشاب محمد الحريبي عن الاغراء: 
"حدثيني عن الموسيقى ...
عن آخرِ ألبومِ صدر
وعن فستان "اليسا" في كليبها الأخير
قولي لي أي شيء!!!
وإن سألتُكِ عن البلد قولي أنها منشغلةً بحفلةِ رأس السنة
وأنها بخير!!
أما إن أرتطمت عيناي بجثةٍ ما فقولي أنهم يصورون فلمٍ عن الحرب
وإن سألتُكِ عن الحرب قولي أنها أنجبت عاشقانِ وماتت
وأسردي لي النكات
كل النكاتِ التي مرت عليك أسرديها
وزمليني بأُحبكَ
أحبكَ سميكة
زمليني بها 
ولا تنامي جانبي!"
(*) بعد حلقات "سعاد حسني" و"نجمات السينما اول العاشقات" و"اغراء السورية، هنا الحلقة الرابعة من ملف "الاغراء العربي في صوره المتعددّة"، وهي عن اللاغراء في اليمن.  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها