الإثنين 2014/02/03

آخر تحديث: 23:32 (بيروت)

مولانا الرومي مات يا سعادة النائب

الإثنين 2014/02/03
مولانا الرومي مات يا سعادة النائب
increase حجم الخط decrease
 طالب نائب كويتي أخيراً بمنع شاعر من إلقاء شعره في الكويت. أن تمنع شاعراً من إلقاء شعره في أي بلد هو مأساة بحدّ ذاته، ولكنها تتحول إلى كوميديا سوداء عندما نعلم أن الشاعر هو جلال الدين الرومي، الشاعر والفيلسوف والصوفي الفارسي المتوفى عام 1273. وقد نقلت الصحف حادثة النائب محمد الجبري، الذي عقد مؤتمراً صحافياً، وطالب وزير الداخلية بمنع إقامة تلك الأمسية، التي كانت ستقام في الكويت بتاريخ 26 كانون الثاني/يناير الماضي.

وقال الجبري: "لقد تحدثت مع وزير الإعلام بضرورة منع هذه المهرجانات التي تعلّم على الرقص وقلّة الحياء، كما كلمت وزير الأوقاف بهذا الخصوص، وطالبت وزير الداخلية بمنع دخول مثل هؤلاء الأشخاص ومنع هذه المهرجانات التي تخالف ديننا وتعاليمه". وأشار إلى أن الدعوة التي وزعت للندوة المقرّرة والتي وصفت جلال الدين الرومي بـ"مولانا"، قائلاً: "إن الله مولانا، وليس جلال الدين الرومي".

ليس واضحاً من طريقة رواية الخبر ما إذا كان السيّد الجبري يعرف أن الرومي قد مات قبل ثمانية قرون. ولكن الخبر كان فرصة للناشطين داخل الكويت وخارجها للدفاع عن حرية التعبير والانتقال، وعن ضرورة الفن وفصله عن السياسة.

ليست حادثة السيد النائب فريدة من نوعها في بلداننا القمعية. فقبل سنوات استضاف صديق عزيز لي كان يشغل منصب مدير أحد المراكز الثقافية في مدينة حلب بسوريا معرضاً لأعمال الفنان الفرنسي هنري ماتيس المتوفى عام 1954. أثناء فترة العرض، استدعى أحد قادة الفروع الأمنية الصديق واستقبله بحفاوة، وأعطاه محاضرة حول أهمية الفن وضرورته في تثقيف المواطنين. ثم اختتم بطلب بسيط من صديقي: "أين يقيم ماتيس؟" فقد جال مخبروه على كافة الفنادق في المدينة ولم يجدوا في سجلاتهم إسماً لشخص اسمه هنري ماتيس.
 
والشيء بالشيء يذكر. قبل سنوات أراد المركز الثقافي الإسباني في عمّان - الأردن، إقامة معرض للوحات أصلية لبيكاسو، على أن يرعى المناسبة وزير في الحكومة. فأرسل المركز رسالة للسيد الوزير، الذي قبل مشكوراً رعاية المعرض شريطة حضور الفنان المذكور.
 
وأزيد من خبرتي الشخصية. أثناء فترة اعتقالي الأولى جاءني نقيب يلعب دور الشرطي الطيّب وسألني عن عملي، فقلت له إنني كاتب وقاصّ. ولمجاملتي سألني عن الروائي المفضّل لدي، فأجبت بخبث: "ميشيل فوكو". فقال بدون روية: "جميل.. ها نحن متفقان. أنا أحببت بشكل خاص روايته الأخيرة". ولم أسأله – خوفاً أو تأدباً– عن عنوانها.

ولكن ذلك لا يقتصر على الأنظمة. في ندوة عقدت في غازي عنتاب خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر الفائت، اقتحم القاعة رجل مع ثلاثة مرافقين، وقدّم نفسه على أنه ممثل الائتلاف الوطني لقوى المعارضة في سوريا، وجلد الحاضرين لمدة نصف ساعة موبّخاً إياهم لعقد الندوة أو حضورها من دون موافقة الائتلاف، باعتبارها الآن السلطة الشرعية للسوريين. استمع الحاضرون إلى الرجل بهدوء وصمت حتى انتهى، ثم راحوا يرشقونه بسهام حادة، ويؤكدون له أنهم لم يثوروا ضد نظام الأسد ليستبدلوا بديكتاتورية ديكتاتورية أخرى.

هذه الحوادث جميعها تفيد بأمرين اثنين. فإلى جانب الجهل العميق لدى من يتنطّح إلى تحمل المسؤولية في بلادنا، ثمة الرغبة المتأصّلة في منع الآخرين من حرية التعبير عن رأيهم ومن خوفهم العميق من الثقافة ومن النشاط الثقافي عموماً. ينعكس هذا الخوف في سياسة تجهيل عامة تقودها وزارات التعليم وحصر العلم والمعرفة في مجالات محدّدة بعينها وعدم التشجيع على القراءة. 

من المعيب أن يكون جلال الدين الرومي أكثرالشعراء شعبية في الولايات المتحدة، وفق استطلاع لمحطة BBC عام 2007، ونمنعه نحن في بلادنا أو لا ندرسه في مدارسنا.
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب