الإثنين 2013/12/23

آخر تحديث: 06:20 (بيروت)

سأظلّ أحب فيروز

الإثنين 2013/12/23
increase حجم الخط decrease
 أثير كثير من اللغط حول التصريح الصاروخي الذي أدلى به زياد الرحباني حول السيدة فيروز عندما قال إن فيروز تحب السيد حسن نصر الله. قامت قيامة البعض من محبّي السيدة: بعضهم يؤيدها وبعضهم ينتقدها. المؤيدون أيّدوا بشدة بلغت حد الرخص، كما في مقالة لسيدة عنونتها "فدا صرماية الست"، والمعارضون طالبوا بمحاسبة فيروز فنياً على موقف شخصي أو سياسي نسب إليها.

بداية، ينبغي أن نتذكر أن فيروز لم تعلن حبها لأي زعيم عربي على الإطلاق. وعلى عكس جميع المطربين تقريباً كالسيدة أم كلثوم وصباح وفايزة أحمد ووردة لم تغن في مديح رئيس أو ملك أو زعيم، وهو أمر يحسب لها دائماً. كما يجب أن نتذكر أن فيروز ظلت صامتة طوال الحرب الأهلية اللبنانية، ولم تعلن موقفاً سياسياً مؤيداً لطرف لبناني ضد آخر في تلك الحرب. وعندما غنّت بعد انتهاء الحرب فضّلت مكاناً رمزياً كان يقف أيام الحرب عند حدود التماس.

من جانب آخر، يجب أن نتذكر أن فيروز لم تدل بنفسها بأي تصريح، وما أثار العاصفة هو جملة قالها ابنها زياد الرحباني عن لسانها. وهو قول يحتمل الصواب والخطأ، وليس مستحيلاً أن يكون زياد قد كذب بشأن ذلك. وزياد في النهاية رجل، وفي تاريخه الكثير من النقاط السوداء على الصعيد الشخصي، منها خلافه المتكرّر مع فيروز، ومنها إنكاره لأبوته لولده عاصي، بعد أن أقام ضدّه دعوى قضائية أنكر بموجبها أبوّته لعاصي زياد الرحباني وطلب شطبه عن خانته، ومنعه من استعمال شهرة الرحباني، وتدوين خلاصة الحكم في سجلّ النفوس. وردُّ عاصي الصغير يلقي ضوء آخر على شخصية زياد، فقد قال في تصريح صحافي: "هذا شيء أتوقّعه من زياد لأنه لم يكن في حياته أباً لي، أو تحمّل يوماً مسؤولياته كوالد، أو جعلني أشعر بأنه أب". أخيراً معروف عن زياد ولعه في إلقاء القنابل الصوتية في الإعلام، ليجلس بعدها ويراقب ردود فعل البشر إزاءها.

ومع ذلك، ربما كانت فيروز بالفعل تحبّ حسن نصر الله. وهي إن كانت تفعل، فهذا شأنها وحقها، كما هو حق أي شخص في أن يعجب بهتلر أو ستالين أو صدام حسين، ما دام لا يروّج أفكار النازية أو يدعو للقتل او استئصال الآخرين. وليس لنا أو لأي من خصوم نصر الله ومنتقدي علاقته بنظام بشار الأسد والدم السوري الذي أهرقه رجاله في سوريا أن يمنع عنها ذلك. ولكنَّ الصحيح أيضاً أن من حق الآخرين أن يقولوا رأيهم في رأيها، ما داموا لا يدعون لإيذائها أو معاقبتها على ذلك الرأي.

مشكلة الممانعين في سوريا ولبنان أنهم يرون الحرية من جانب واحد. فمن حقهم هم أن يحبّوا ويكرهوا، ومن حقهم أن يقاتلوا إسرائيل أو أن ينزلوا قواتهم إلى قلب بيروت ليفرضوا قراراً سياسياً: هذا برأيهم حق التعبير. في المقابل ليس من حق خصومهم أن يبدوا رأياً في ما يقولون أو يفعلون فهذا يتحوّل فوراً إلى المساس برجال الدين الذين لا يمكن مقاربتهم أو نقدهم بالكلمة أو الرسم أو النكتة.

من حق فيروز أن تحب حسن نصر الله ومن حقنا نحن أن نقول إنها تحب الشخص الخطأ. هذه أبسط قواعد الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي. بيد أن العلّة لا تكمن هنا. إنها تكمن في الممانعين القوميين اليساريين المنغلقين على أفكارهم منذ منتصف القرن الفائت. 

بالنسبة لي، وغالباً لكثير من عشّاق فيروز والرحابنة الكبار، سأظلّ أستمع لفيروز وأحبّها وستظلّ لها المكانة الفنية والثقافية والنفسية لدي. والقول نفسه ينطبق بالنسبة لي على أدونيس ونزيه أبو عفش وغيرهما من الذين لم يؤيدوا انتفاضة السوريين لأسباب تخصّهم. أرفض رأيهم، وأعيب عليهم دفاعهم عن نظام فاجر فاشي قتل من شعبه في ثلاث سنوات أضعاف ما قتلته إسرائيل خلال ستة عقود، ولكنني لن أنسى أنهم شعراء وفنانون ومثقفون كبار ستظلّ سوريا الجديدة تفخر بهم رغم كل شيء.

ستمرّ أيام كثيرة وسنوات. وسينسى السوريون واللبنانيون قول زياد، ولكنهم في كل صباح، سيفتحون أجهزة الراديو أو التسجيل أو اللابتوب، ويستمعون إلى "طلّ وسألني إذا نيسان دقّ الباب.. خبيت وِجِّي وطار البيت فيِّ وغاب".
 
increase حجم الخط decrease