الأربعاء 2015/09/02

آخر تحديث: 14:36 (بيروت)

عن صوت اليمين الحاكم في أزمة اللاجئين في النروج

الأربعاء 2015/09/02
عن صوت اليمين الحاكم في أزمة اللاجئين في النروج
هجرة غير شرعية
increase حجم الخط decrease
"لا يمكن للمعتقدات أن تموت لكنها تعود أقوى على شكل ارهاب عندما تتوفر لها البيئة الصالحة".


"المسلمون ليسوا مضطهدين وعلينا ألا نصدق من يدعي أن الإسلام بريء من تصرفات داعش والمتطرفين. فهم يستندون إلى تراثهم الديني في إصدار الفتاوي التي تجيز قتل الناس".

 هذا ملخص ما نشره مؤخراً الصحافي النروجي بير إدغار كوكفولد، سكرتير رابطة الصحافيين في النروج والمعروف بمواقفهِ المناهضة للمتطرفين عبر دعمهِ لحرية الرأي، حيث قام بنشر الرسوم الكرتونية "المسيئة" للنبي محمد في صحيفة افتن بوستن العام 2006، ثاني أكبر صحيفة في النروج، وتلقى على أثره تهديدات بالقتل. منذ ذلك الوقت وفرت له الدولة حماية شخصية. يتناول المقال تحليلاً "واقعياً" عن ماهية داعش والقاعدة مدعوماً بالأدلة والتواريخ والعودة إلى التاريخ الإسلامي القديم. ومقاله الواضح هذا فتح نقاشاً واسعاً بين أصحاب الرأي من الإعلاميين والساسة والعامة على حد سواء. وكانت نتيجة النقاش أن مؤيدي الأفكار المطروحة في المقال أكثر من نسبة المناهضين.

مع صعود اليمين في السنوات الأخيرة إلى سدة الحكم ارتفعت أصوات المطالبين بالتعامل مع أزمة اللاجئين في البلد. تعتبر النروج من أكثر الدول المستوعبة للاجئين والوافدين والعمالة الأوروبية والآسيوية. ولكن مع التطورات السياسية في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً أحداث سوريا، وبعد الحادث المروع الذي وقع في جزيرة أوتويا العام 2011 مستهدفاً أعضاء حزب العمال، تراجعت شعبية اليسار عند الجمهور. مع أن قضية اللاجئين ليست السبب الرئيس في تراجع شعبيته ولكنها من الأسباب المهمة. يقدم اليمين مشروعاً طويل الأمد للتعامل مع أزمة اللاجئين ليس باستقبالهم فوراً كما تفعل ألمانيا، فهم لا يرون أن هذا حلاً للأزمة، بل في برمجة مساعدتهم مادياً في بلدان أخرى بتطوير برامج رعاية لهم حيث يقيمون.

ويعلق كوكفولد على قيام بعض الجهات الإعلامية بالتوقف عن استخدام "الدولة الإسلامية في العراق والشام" واستبدالها بداعش أو اختصارها بـ"الدولة الإسلامية - IS" أنهُ لا يرى بطبيعة الحال أن تغيير الاسم سيبرئ الإسلام من سلوك هذا التنظيم. إذا لا يمكن "سلخ" الإسلام من تنظيم قائم على مبادئ الدين الإسلامي وباسم نبيّه، بحسب تعبيره.

ويحذر من ارتفاع الأصوات "الإسلامية" الداعية صراحة في أن "الإسلام هو الحل" و"القرآن دستورنا" بأن هؤلاء، وإن كانوا يتظاهرون بسلمية اليوم، وهذه إحدى استحقاقات المقيم في النروج، لكنهم مع الزمن سيتحولون إلى آلات تنفيذ لهذه الأفكار والمعتقدات بطرق غير سلمية.

مثل هذه المقالات، وهي كثيرة، عندما تصدر من شخصيات لها قاعدة قرائية ومدعومة بشكل واضح من أطراف سياسية متنفذة في السلطة، بحسب وصول الأحزاب إليها عبر انتخابات ديمقراطية، تجد لها صدى واسعاً وبدأ العامة يبحثون وينبشون في التاريخ الإسلامي ليدعموا مواقفهم المؤيدة لليمين في التعامل مع أزمة اللاجئين. لم يعد القارئ والمواطن النروجي منقطعاً عن الواقع ومحيطه كما السابق، ولم يعد الانفتاح على الثقافات الأخرى مقتصراً على النشطاء وأصحاب الرأي فحسب. تصادف مؤخراً كثير من الناس يسألونك باهتمام عن الأوضاع في الشرق الأوسط ومحاولة فهم ما يحدث هناك. كل هذه التغيرات والتوجهات ساهمت بشكل ما لابراز ملف اللاجئين مجدداً على السطح وأصبح من أولويات القضايا في البلد. وعلى اثره نشطت مجالات ثقافية أخرى، كالفنون والمسارح والأدب، لاستيعاب واحتواء الثقافات المختلفة التي تتوافد على البلد.

كما لا يبرئ الصحافي كوكفولد، الإسلام، من طبيعة تنظيم القاعدة وداعش، علينا أيضاً نحن العرب خاصة، أن نتوقف عند مدى مساهمة العرب أنفسهم في ترسيخ مثل هذه النظره عن اللاجئ العربي، وخاصة السوري مؤخراً.

من يعمل في مجال حقوق الإنسان والهجرة سيصطدم بواقع نرفض الاعتراف بهِ، أو التعامل معهُ، أن معظم الأفرع العربية لهذه المنظمات تديرها "مافيات" إن صح التعبير، بعينها. وهي من تتسبب باعطاء حق اللجوء لمن لا يحتاجهُ على حساب الآلاف الذين ينتظرون دورهم. عبر عقود عديدة وجد بعض العرب، ومنهم السوريون أنفسهم، القضية الفلسطينية مفتاحاً لقبولهم كلاجئين بادعائهم أنهم فلسطينيون بدون دولة. ويحق من لا دولة له بأن يمنح اللجوء السياسي والانساني. والآن انقلب الوضع وصار هناك من ينافس السوريين في الحصول على حق اللجوء بادعائهم أنهم من سوريا ومن الأماكن الساخنة تحديداً طالما أن الدول الأوروبية أعطت الأولية في استقبالهم عن بقية اللاجئين. وهذا أمر جعل المختصين القيام بالتشديد على الفحوصات الطبية وتقصي حقيقة المتقدمين في طلب اللجوء واطالة أمد النظر في الملفات بعد الكشف عن قضايا فساد عديدة.

في بلد مثل النروج يؤمن بالحق الإنساني ليس مستغرباً أن تجد صوتاً مناهضاً للوافدين مثل الصاحفي صاحب المقال وفي المقابل ستجد عشرات الأصوات المؤيدة لاستيعابهم واستقبالهم بدون شرط. ولكن في النهاية، وكما اعتادت سياسة النروج، المشاريع "الانسانية العقلانية" هي المرجحة. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها