الخميس 2014/10/30

آخر تحديث: 18:07 (بيروت)

معارك جنوب بغداد: الحرب البادرة الاميركية الايرانية

الخميس 2014/10/30
معارك جنوب بغداد: الحرب البادرة الاميركية الايرانية
لمعارك جنوب بغداد أهمية كبيرة، بالنسبة لإعادة التموضع الايراني عسكرياً وشعبياً (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease

بعد سيطرة ميليشيا الحشد الشعبي مدعومة بطيران الجيش، على ناحية جرف الصخر جنوب العاصمة بغداد، أعلن بعض القادة العسكريين عن نجاح الاستراتيجية الجديدة في "تحرير" المدن. في وقت كانت الأنظار فيه، متجهة نحو المناطق الشمالية والغربية، لتتابع سقوط مدن وبلدات الأنبار وصلاح الدين بيد تنظيم "الدولة الإسلامية".

ليس من أولويات هذه الاستراتيجية الوليدة، في هذه المرحلة، ما يحدث في مناطق حزام بغداد الشمالي، أو في مدن وبلدات محافظة الأنبار، التي سقطت مؤخراً بيد تنظيم الدولة، والتي كان آخرها مدينة هيت. حيث حصل ذلك بعد أن انسحبت منها قوات الجيش والحشد الشعبي "تكتيكيا"، بحسب التصريحات العسكرية. أدى ذلك إلى ترك رفاق سلاحهم من صحوات "البو نمر" وغيرهم، فريسة لمجاميع "الدولة". لتقوم الأخيرة بإعدام أكثر من أربعين شخصاً ظهر الأربعاء. الأمر نفسه تكرر منذ أيام في بعض قرى قضاء حديثة، وفي ناحية العلم في صلاح الدين.


 الشائع في إيران هو استخدام أميركا لداعش في هذا الصدد، وهذا ما يحاول الكثير من صناع الرأي الموالين لإيران داخل العراق، توضيحه لجمهورهم؛ عبر الحديث عن أخطاء متعمدة ترتكبها طائرات التحالف الدولي، بقصف أرتال الحشد الشعبي في الأنبار وصلاح الدين، وإلقاء حاويات الأسلحة عشوائياً في مناطق تسيطر عليها داعش. هذا عدا عن الحديث المباشر عن حصان طروادة "داعشي" لجلب التدخل الأميركي البري، وتلويح الميليشيات الموالية لإيران بالمقاومة.


يفرض ذلك على إيران اتباع تكتيكات جديدة في إدارة صراعها من أجل استمرار هيمنتها على العراق. الأمر الذي يتيح لها إعادة ترتيب أوراقها، بعدما خسرت الكثير منها بتنحية نوري المالكي من رئاسة الوزراء. وما تبع ذلك من تعزيز دور الخصوم "السنة" في مؤسسات الدولة، والحديث عن إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، وتشكيل قوات دفاع شعبي "سني" من نواة "الصحوات" والجيش السابق، لتكون ضمن تشكيلات الجيش العراقي، في مواجهة مليشيات إيران، وعائقاً أمام تمددها غرباً.


الرد الإيراني بدأ بأسلوب الانسحابات التكتيكية؛ وإضعاف الصحوات عبر تركها وحيدة في مواجهة "داعش"،  كما حصل في هيت، والعلم وغيرهما. والانتقال إلى مواقع أكثر أهمية لها، لاسيما مناطق جنوب بغداد حيث تحقق تقدماً ملحوظاً هناك.


لمعارك جنوب بغداد أهمية كبيرة، بالنسبة لإعادة التمركز الإيراني عسكرياً وشعبياً، وباتت تشكل الأولوية لها، لكون تلك المناطق تقع على تماس مباشر مع محافظات الجنوب، التي تعتبرها إيران نقاط تمركز وانطلاق لمشروعها في العراق. والمقصود بجنوب بغداد، مناطق صدر اليوسفية وجرف الصخر، التي تقع ضمن محور استراتيجي هام، يربط مناطق غرب العراق، بمحافظتي كربلاء والحلّة، وتشكل مدخلاً لعمق العاصمة الحيوي من جهة الجنوب والغرب. وهي مناطق لم تدخل حتى الآن ضمن دائرة نيران التحالف الدولي، وهذا ما يعطي انطباعاً لإيران، أنها تُركت كقواعد آمنة ومتقدمة في عمقها، لابد من معالجتها كأولوية عسكرية واستراتيجية.


وعلى الصعيد الشعبي، تتحسس إيران والقوى الميليشياوية الموالية لها، خطورة الموقف الشعبي المتذمر من هيمنة فصائل الحشد الشعبي على الشارع الشيعي، وما يتبعه من ممارسات تسلطية ليس أقلها فرض الأتاوات بحجة دعم الجهاد. ولم يثمر هذا الجهاد سوى استمرار الهزائم والخسارات البشرية، والتدهور الأمني، لاسيما بعد سلسلة الانفجارات التي ضربت مدن الجنوب قبل أقل من أسبوعين.


"الانتصار" في جرف الصخر اعاد الاعتبار لمليشيا الحشد الشعبي، واضفى عليها مزيداً من "القداسة"، ويعطيها المزيد من الاعتبارية التي قد تجعلها بفضل جهود الإعلام الديني الموالي لإيران، أعلى شأناً من أي مؤسسة وطنية.


الخطة الأميركية تسعى لاحتواء تلك الميليشيا عبر ضبطها تحت جناح المؤسسة العسكرية، من خلال تقديم المغريات لمنتسبيها ومحاولة دمجهم ضمن المراتب العليا في مناطقهم. حتى اعتبرها وزير الدفاع خالد العتيبي جزء من القوات المسلحة. لكن للإعلام الحزبي الموالي لإيران، نغماً آخر مختلفاً عما يغرد به الوزير الجديد، إذ ان ما تبثه تلك القنوات المحتفية "بتحرير" جرف الصخر، يكاد يذكر عبارة "الجيش الوطني" من باب المجاملة، أمام ما حققته فصائل الحشد الشعبي المتمثلة بـ"كتائب حزب الله، وجند الإمام، وسرايا السلام، ومنظمة بدر، ولواء المنتظر، وفيلق العقيدة، وكتائب عاشوراء، وعصائب أهل الحق، وسرايا الخراساني". وهي تشكيلات أصبحت أكثر قوة من المؤسسات الأمنية والعسكرية، وتتحكم بالكثير من مفاصلها.


تتنوع فصول الحرب الباردة الأميركية-الإيرانية على أرض العراق، حيث الطرف الإيراني هو الأقوى نسبياً والأكثر تغلغلاً من الناحية العسكرية والمعنوية، ما يعطيه قدرة أكبر على المناورة، ليس فقط على الساحة العراقية، إنما في الإقليم ككل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها