الخميس 2017/03/16

آخر تحديث: 14:31 (بيروت)

الموصل: التدمير كاستراتيجية بديلة لـ"التحرير" السريع

الخميس 2017/03/16
الموصل: التدمير كاستراتيجية بديلة لـ"التحرير" السريع
الكثافة النيرانيّة لتدمير وسحق المعوّقات العمرانيّة (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
مضى قرابة 26 يوماً على انطلاق معارك استعادة الجانب الأيمن (الغربي) من مدينة الموصل، بهجوم لقوات الجيش العراقي، يتركّز عمليّاً في محور بريّ واحد جنوبي القسم الأيمن. وحفّزَ التقدم السريع بإتجاه المناطق المفتوحة والسيطرة على مطار الموصل ومعسكر الغزلاني، قوّات الجيش لإعتماد خطّة اقتحام، قائمة على استثمار الإنهيار السريع لـ"داعش"، الذي بدا أنّه واقع منذ أوّل أسبوعين من بدء المعارك.

الخطّة التي بدأ تنفيذها عشيّة اقتحام المطار والمعسكر، اعتمدت تفرُّع القوّات المُهاجمة بإتجاهين؛ الأوّل بإتجاه حيي الطيران والدنان شرقاً، والثاني بإتجاه حي العامل غرباً، بغية إنشاء محورين داخليين، ومن ثمّ القتال على عتبات أحياء المدينة القديمة. لكن سرعان ما تبدد مفعول الخطة، عقب خمسة أيّام من الاستعصاء العسكري في حيّ باب الطوب القديم، وشنّ عناصر "داعش" هجوماً معاكساً، ما أدّى الى تغيير خطّة الهجوم، وفق ما صرّح به العميد في قوّات الرد السريع في الجيش العراقي العميد رضوان الأحمدي، للإعلام، الثلاثاء.

الخطّة البديلة، والتي لم يكشف عنها أيُّ مسؤول عسكري عراقي، بدأت تتكشف ملامحها ميدانيّاً على ضوء التقدّم المُعلن عنه في بيانات القوّات المشتركة، التي جاء في آخرها، الأربعاء، أنّ القوات العراقيّة قد حققت سيطرة كاملة على ضفّة نهر دجلة الغربيّة بالكامل، ويعني ذلك أنّ إختراقاً قد تحقق في عمق أحياء المدينة القديمة المحاذيّة لنهر دجلة. وهي معاقل شديدة التحصين لتنظيم "داعش"، طالما شكّلت الهاجس الأكبر للقوّات المهاجمة من المحور الجنوبي، وفق ما عبّر عنه في مناسبات كثيرة، إجماع القيادات الأمنيّة عن صعوبة المعركة في الأحياء المدنيّة المكتظّة والأزقّة الضيّقة القديمة، والوقت الطويل الذي تحتاجه للحسم. وأكّد ذلك حديث لقيادات عسكريّة أميركية عن صعوبة المعركة والحاجة الكبيرة لتدخّلات مدفعيّة وجويّة، وفق قائد "اللواء الثاني" من "الفرقة 82" الأميركية المحمولة جواً، الكولونيل باتريك وورك، شمالي الموصل.

على ضوء ذلك، باتت الاستراتيجيّة المتبّعة في القسم الأيمن من المدينة، واضحةً بعض الشيء، وهي استراتيجية معهودة لدى الجيش العراقي، في معاركه السابقة التي خاضها ضد "داعش" في الأنبار وصلاح الدين، والمعتمدة بشكل رئيسي على الكثافة الناريّة لتدمير وسحق المعوّقات العمرانيّة، والأساليب التي يعتمدها التنظيم من تفخيخ المنازل وزرع العبوات في مداخل الأزقّة. وهو عكس ما جرى في الجانب الأيسر من المدينة، حيث كان الهجوم من محاور متعددة، وفي أحياء وشوارع واسعة يتميّز بها ذلك الجزء من المدينة، استطاعت فرقة "مكافحة الإرهاب" حينها وهي الفرقة الوحيدة المدرّبة على حرب مدن، خوض معارك داخليّة دقيقة، حققت أهدافها في ثلاثة شهور، بنسبة تدمير لم تتخطَ 20 في المئة من المنازل والمنشآت وفق تقارير رسميّة.

ولعلّ المتغيّر الأبرز، غير المرتبط بالعوامل الميدانيّة، هو الحاجة الأميركيّة لتحقيق حسم سريع ضد تنظيم "داعش" في العراق، للشروع بترتيبات مرحلة ما بعد "داعش"، والتي بات من الواضح أنّ نزوعاً أميركيّاً لإعادة التمركز في العراق، قد برز مع مجيء دونالد ترامب على رأس الإدارة الجديدة، والتي يعتبر العراق بالنسبة لها ميداناً رئيسياً في الصراع الأميركي-الإيراني، وإحدى أولويّات إدارة ترامب الملّحة. وبدأت مؤشرات العودة، تظهر في تعزيز تواجد القوّات الأميركية في الأنبار، وزيادة عدد المستشارين العسكريين في الموصل. وانعكس التوّجه الاستراتيجي الجديد للأميركيين، في معارك الجانب الأيمن، حيث تتكثّف الغارات الجويّة الأميركية والعراقيّة على الأحياء المدنيّة المكتظّة، كاشفةً عن دمار واسع، وتكتّم واضح على أعداد الضحايا من المدنيين، نظراً لغيّاب جهات مدنيّة وإغاثيّة مستقلّة عاملة في المدينة، وتعمّد حكومي لتجنّب الاشارة الى حال المدنيين، باستثناء ما نقله "المرصد العراقي لحقوق الانسان" عن وجود 700 ضحيّة مدنية، في غارات الأسبوع الماضي، على أحياء المدينة القديمة.

وبخلاف المحاذير التي حُدّدت في معارك الجانب الأيسر، المتعلٌقة بالمدنيين، والتي حُيّد بموجبها سلاح الطيران الى حد كبير، تطغى المحاذير الاستراتيجيّة للإدارة الأميركية الجديدة، والمتمثّلة بشكل أساسي بالحرص على حصر معركة استعادة الموصل بالطرف الرسمي العراقي، وبإشراف أميركي كامل.

فالأميركيون الذين باتوا يفتقدون شريكاً برّياً قويّاً من القوّات الحكوميّة، يحقق انجازات سريعة، يتحسسون خطورة إطالة أمد المعركة، وهو ما يمكن استثماره من قبل القوى المواليّة لإيران، للضغط من أجل اشراك "الحشد الشعبي" في المعارك. وذلك في حال استمرار الاستعصاء العسكري، والتقدّم البطيء في معارك الجانب الأيمن، الذي من الممكن أن يمتد شهوراً طويلة، بحسب قناعة القادة العسكريين الأميركيين. وهو ما تطلّب اعتماد استراتيجية التدمير الشامل، لتحقيق الانجازات العسكريّة، ما يهدد فعليّا نحو 900 ألف مدني في الموصل بكارثة انسانيّة حقيقيّة، لا تأبه لها ذهنيّة القادة العسكريين.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها