الأربعاء 2015/01/28

آخر تحديث: 14:33 (بيروت)

داعش: فاتتنا جولة في كوباني

الأربعاء 2015/01/28
داعش: فاتتنا جولة في كوباني
نحن في الدولة فاتتنا جولة ولكن أمامنا جولات سيكون النصر حليفنا إن شاء الله (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
انسحب تنظيم الدولة الإسلامية من مدينة كوباني "عين العرب" تحت ضغط ضربات التحالف الدولي الجوية، والمقاومة التي جوبه بها على الأرض. التنظيم جهّز لهذه الهزيمة، منذ فترة طويلة؛ وبعد أن كان خطباء التنظيم وقادته يتحدثون عن أيام لحسم "معركة عين الإسلام"، اختلف مسار خطابهم بعد شهر من الضربات الجوية، فقال أميرهم في منبج أبو علي: "لقد تحولت معركة عين الإسلام لكسر عظم، ليس بيننا وبين الملحدين من حزب العمال، بل بيننا وبين فسطاط الكفر"، قبل أن يغيب الحديث بشكل شبه نهائي، عن عين العرب مؤخراً.

إدراك التنظيم لحجم الحرب النفسية، دفعه للقيام بعدة عمليات خارجية "غزوات" لتثبيت عناصره على الأرض والحفاظ على هيبته، يقول الشرعي أبو همام الأنصاري: "بحمد الله فإن الدولة الإسلامية ما زالت تتمدد وتدخل الرعب في قلوب أعداء الله شرقاً وغربا من الجزيرة العربية إلى طرابلس الغرب، ناهيك عن البيعات المتواصلة من العالم الإسلامي لأمير المؤمنين". التنظيم عدّ مهاجمة الحرس الحدودي في السعودية، وتفجيرات طرابلس، كغزوات تدل على تمدده وقوته.

ويحاول التنظيم استثمار الهزيمة بالرجوع إلى السيرة النبوية، فتمّ تشبيه معركة عين العرب بمعركة أُحد، دون الاعتراف بالهزيمة؛ هذه الكلمة محظورة في قاموس التنظيم. يقول أبو همام: "ما أشبه اليوم بالأمس فبعد أن كاد جيش المسلمين يحسم معركة أحد انقلبت الموازين بسبب غرور بعض المسلمين وانشغالهم بالغنائم فتراجع جيش المسلمين وخسروا جولة، ونحن في الدولة فاتتنا جولة ولكن أمامنا جولات سيكون النصر حليفنا إن شاء الله".

ولم يكتفِ التنظيم بالحشد الديني والعاطفي، بل بدأ يقنع مؤيديه والشارع بلغة الأرقام، فالتنظيم قتل من الأكراد بقدر ما "استشهد" من عناصره، واستلم الأكراد عين العرب مدمرة لا محررة. يقول أبو هاجر من عناصر التنظيم: "لقد كانت معركة عين الإسلام خيراً على المسلمين فقد قتلنا أكثر من ألف ملحد باعتراف أحد الأسرى، كما أنّ الشهداء بمعظمهم ارتقوا بعمليات استشهادية وضربات التحالف الجوية. هم أجبن من أن ينتصروا علينا على الأرض، كما أنّ المدينة بقايا أطلال بعد تدميرها من قبل أحبابهم من التحالف".

ويحرص التنظيم على عدم نسب النصر للأكراد أو الجيش الحر، وزرع قادة التنظيم في عقول عناصرهم، أنهم لا يهزمون على الأرض. بل تحدث قادة التنظيم عن إنجازات عسكرية أخرى حققوها في عين العرب؛ يتابع أبو هاجر: "كسبنا مئات الشهداء في عين الإسلام ليكرمنا الله بأكثر من عشرين ألف مقاتل من الأشداء الذين سيثأرون لإخوانهم، كما أنّ الحرب لما تنته بعد، فقد أخذوا المدينة المدمرة، وغاب عنهم أننا على أطرافها محاصرين لها".

ويعزِفُ التنظيم دائماً على وتر الاختلافات والتناقضات، لإقناع مؤيديه بصواب منهجه وسلامته، وليجبرهم على الانخراط في صفوفه باعتباره ملاذهم الوحيد، يقول أبو همام: "نقول لأولئك المخدوعين بالوطنية انظروا ماذا فعل الحشد الشيعي الرافضي بالمسلمين عندما يدخل مدنهم، بل انظروا ماذا تفعل الميليشيات الإيزيدية بأهل السنة، فهم يتحينون الفرص لقتل أهل السنة". الهجوم على سنجار وبيع الإيزيديات لم يك عبثياً، فالتنظيم يدرك أنّ التطرف يغذي التطرف، ويعرف أنّ التطرف لا يملك عيناً تميز.

ووعد التنظيم مؤيديه بفتح جبهات جديدة، وتحقيق انتصارات تزيل آثار معركة عين العرب. يقول قائد الكتيبة السابق في الجيش الحر، أبو خالد: "يُستبعد أن يفتح التنظيم جبهات جديدة مع الثوار لأنّ ذلك يعني انتحاره شعبياً وإعلامياً، ولا سبيل أمامه سوى فتح جبهات وتحقيق انتصارات على النظام، فهذا السيناريو الوحيد الذي يمكنه من استرجاع هيبته". ويوجه التنظيم أنظار الناس لقضايا هامشية كعودة الطيار الأردني على الواجهة الإعلامية، يتابع أبو خالد: "التنظيم فتح باب امكانية مبادلة الكساسبة بساجدة الريشاوي وهو غير جاد باعتقادي، فمبادلة الكساسبة بهذا الوقت في ظل عدم الاتفاق بين القيادات على مصيره سيوسع الشرخ. كل ذلك من أجل توجيه الأنظار عن الخسارة التي مني بها في عين العرب".

ولم تقتصر تدابير التنظيم على ما سبق، بل قام بعدة إجراءات سبقت انسحاب مقاتليه من عين العرب، حتى لا تنهار هيبته، ولا تتهشم صورته الأسطورية، فشدد من الرقابة الأمنية، وفرض حظراً للتجول، في مناطق سيطرته، يستمر من التاسعة مساء حتى صلاة الفجر. كما أقدم على إعدام عدد من المقاتلين السابقين في الجيش الحر، وصلبهم في الساحات. يقول المحامي أبو عمرو من ريف حلب: "يحاول التنظيم الحفاظ على مستوى الخوف بهذه الإعدامات، فالتنظيم يخشى أن يؤدي انكساره في عين العرب لخروج الناس من دائرة الخوف ما يعني نهاية التنظيم. حتى وصل الأمر لتسجيل أسماء الحضور في صلاتي الفجر والعشاء".

لكنّ تلك الإجراءات لم تفلح، والهيبة لم تعد كالسابق، ولا سيما أنها ترافقت بإجراءات كثيرة على الأرض زادت من نفور الشارع. وبدأت تظهر مؤشرات، تدل ليس على التململ فحسب، بل على التمرد؛ فشهدت مناطق التنظيم عدداً من عمليات الاغتيال في مناطق مثل الباب ومنبج والرقة، وسُمعت أصوات اشتباكات في مدينة منبج، على طريق الجزيرة.

ويرى عدد من المتابعين أنّ معركة عين العرب لم تكن معركة هجومية، بل بالون اختبار، أرادت قوات التحالف من خلاله، امتحان الأكراد والثوار في إمكانية التصدي للتنظيم على الأرض. وبالتالي فقد تتغير الأمور ويُتخذ من المدينة منطلقاً لحرب شاملة ضد التنظيم في سوريا. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها