الأربعاء 2023/04/19

آخر تحديث: 12:17 (بيروت)

ما بعد اجتماع جدة

ما بعد اجتماع جدة
increase حجم الخط decrease
فيما يرى كثيرون أن زيارة وزير خارجية الأسد فيصل المقداد إلى الجزائر في 17 نيسان/أبريل، إنما تندرج ضمن ردّة فعل نظام الأسد على إخفاق لقاء جدّة الذي انعقد قبلها بيومين، في الوصول إلى تفاهمات حاسمة حول إعادة نظامه إلى جامعة الدول العربية، إذ يريد نظام دمشق من وراء زيارة وزير خارجيته للجزائر والتي تلتها زيارة لتونس، أن يوجه رسالة لدول لقاء جدّة (دول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى مصر والأردن والعراق)، بأن دمشق باتت أبوابها تُطرق من أكثر من جانب، وأن الآفاق الدولية تزداد انفتاحاً أمامه، إضافة إلى أن الأسد ليس هو من بات يبحث عن طوق خلاص له، بل عاد ليكون محجة العرب ومعقد آمالهم في استعادة التضامن وتوحيد الجهود العربية لمواجهة الأخطار المحدقة بالمنطقة، كما تحمل تصريحات المقداد من الجزائر، والتي أومأ من خلالها، إلى الأهمية التي تعلقها دمشق على تمتين العلاقات الثنائية بين بلاده وبقية الدول العربية كخطوة سابقة وضرورية لعودة دمشق إلى الجامعة العربية من بابها الأوسع. 
ولعل ما عزز نظرية النظام هذه، هي الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان الى دمشق الثلاثاء، وما أوردته صحيفة القبس الكويتية عن نية وزير الخارجية الكويتي زيارة دمشق الخميس، رغم نفيها رسميا من قبل الحكومة الكويتية، الا انه تم استثمارها من قبل إعلام النظام.
ويمكن للمتمعّن في السلوك السياسي والدبلوماسي لنظام الأسد، أن يدرك بسهولة نزوعه نحو تقمّص حالة توحي بالثقة العالية بالذات وذلك تماهياً مع نهجه المعهود القائم على التعالي وممارسة المزيد من الابتزاز والعنجهية حيال علاقاته العربية، إذ ربما يجد أن مجمل الحراك الإقليمي الزاحف صوب الأسد بعد زلزال 6 شباط، إنما يتيح له أن يستعيد توازنه السياسي للخروج من حالة اليتم والقطيعة، و ليكون هو المتحكم في صياغة علاقاته الدولية والإقليمية، وليس مجرّد نظام ينتظر الشفقة من الآخرين.
وربما بعث فيه هذا الإحساس الخادع باستعادة الذات الفاعلة ضرباً من الشعور بالقوة، وليس بالضرورة أن يستند هذا الشعور بامتلاك حقيقي لمقومات القوة، بل بات نظام الأسد يستمد قوته من شعوره بأنه لم يعُد يخشى خسارة المزيد، فهو بعدما ارتكب جميع الموبقات ووُصف بأقذر النعوت، ها هو اليوم يشهد تبرئته منها بيسر وسلاسة دون أن يُطلب منه تقديم الحد الأدنى الواجب عليه. فمن الناحية السياسية لم تطلب الدول العربية منه تقديم أي تنازل، وأقصى ما بات يُطلب منه هو إجراءات ذات مضامين إنسانية (الإفراج عن المعتقلين وإعادة اللاجئين)، وهي مطالب ربما أثارت لدى الأسد مشاعر الغبطة والعظمة الزائفة باعتباره المنتصر الذي يُلتَمس منه العفو عن خصومه. 
وفي مقابل ذلك، لا يمتلك أقرانه من القادة العرب المزيد من أوراق الضغط التي من شأنها تنفيس غروره المُستعاد، إذ لا يخفى على الجميع أن بشار الأسد –كذراع إيراني بالنسبة إلى دول الخليج- لا يستمد قوته أو أهميته من ذاته بل من الدور الوظيفي الذي يقوم به كامتداد للرعب الإيراني في المنطقة، وبالتالي فهو يدرك ضمناً أن أوراق القوة لديه تشبه كثيراً الدور الذي يمارسه أي قاطع طريق، طالما أن الوصول إلى طهران مرهون بالمرور بدمشق.
ويبدو ان هذا الإصرار من قبل بعض الدول الخليجية وبالأخص المملكة العربية السعودية على التواصل مع دمشق، ما هو الا مغازلة لإيران من بوابة الشام، ونابع من رغبة شديدة لدى تلك الدول لإنجاح الاتفاق السعودي-الإيراني، مقابل التطبيع مع الأسد، مهما كانت ضآلة ما سيقدمه مقابل ذلك.
ومن الواضح أيضاً أن هذا التطبيع ليس بالضرورة ان يكون مقترناً بإحراز أي تقدم إيجابي بالنسبة إلى القضية السورية، فالمعطيات تشي بأن الرياض في الآونة الأخيرة باتت تتبنى توجهات أحادية في التعامل مع النظام، وتتجاهل مكونات قوى الثورة والمعارضة وملايين السوريين المعارضين لبقاء نظام الأسد الذي قتل منهم أكثر من مليون، وهجّر وشرّد ما يقارب ال13 مليوناً خارج سوريا وداخلها، ومعتقلاته تعج بمئات الالاف من نساء وشباب سوريا المناهضين لحكمه.
هذه الاندفاعة المتسارعة تجاه نظام قاتل غارق بدم الشعب السوري واللبناني والفلسطيني، وأقصى ما يمكن ان يقدمه لجواره العربي شحنات جديدة من مخدر الكبتاغون، ما هي إلا مؤشر على قراءة خاطئة عند قيادات تلك الدول حول متطلبات الحل السياسي في سوريا، فهم يرون أن بقاء الأسد يضمن وحدة سوريا والحفاظ على هويتها العربية، وهذه قراءة لا تقوم على أسس موضوعية ولا تأخذ بعين الاعتبار أن النظام هو سبب المشكلة الأساسية والمسؤول الأكبر عن معاناة السورين وزعزعة الاستقرار في المنطقة، وعن إدخال كل القوات الأجنبية والميليشيات الطائفية إلى سوريا، متجاهلين أن التسويات التي تحصل في الأزمات الدولية تتوفر فيها ضمانات تحقيق الحد الأدنى من مصالح الأطراف المنخرطة فيها، إلا تلك التسويات التي يفرضها المنتصر على المهزوم، وبالتالي قيام تلك الدول بمبادرة لفرض تسوية في سوريا بغياب هذه المعايير هي وصفة فشل وليست نافذة امل.
مع التأكيد على ان أمل السوريين ما زال معقوداً على أشقائهم العرب وخاصة المملكة العربية السعودية، التي يعول السوريون على أن يقترن تقاربها مع نظام دمشق بغطاء سياسي وتقدم في العملية السياسية وفق القرار 2254 والقرارات الدولية ذات الصلة، التي تحقق تطلعات الشعب السوري بالانتقال السياسي، وليس مجرد التطبيع والمصالحة من أجل المصالحة كما يريد النظام.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها