السبت 2023/11/11

آخر تحديث: 13:31 (بيروت)

إسرائيل وحماس..لعبة عضّ الأصابع

إسرائيل وحماس..لعبة عضّ الأصابع
increase حجم الخط decrease
بعيداً عن التحليلات العاطفية، وبالنظر إلى الفارق الكبير في موازين القوى العسكرية بين الطرفين المتحاربين، ولمقاربة أي نهاية ستؤول إليها هذه الحرب، لا بد من الوقوف عند مسألتين: هل إسرائيل قادرة على خوض حرب طويلة أو لا؟ وما مدى مقدرة فصائل المقاومة الفلسطينية على الصمود في وجه الحملة العسكرية التي يشنها الجيش الإسرائيلي مستخدماً أعتى أنواع الأسلحة بما فيها المحرمة دولياً وبدعم أميركي وغربي كامل؟.
كل الحروب التي خاضتها إسرائيل في مواجهة العرب كانت خاطفة وسريعة، وأطول حرب كانت في غزة عام 2014، والتي استمرت ما يقارب الخمسين يوماً، ما يؤكد عدم استعداد الجيش الإسرائيلي لخوض معارك طويلة وخاصة في الحواضر المأهولة، ولعل ما تحدث به وزير الدفاع يوآف غالانت عندما قال: "ستكون أمامنا أيام صعبة وقد تمتد الحرب لمدة سنة"، لا يعدو كونه كلاماً ذا طابع دعائي وترويجي يدخل ضمن الحرب النفسية، ولا يمكن تطبيقه على ـرض الواقع وذلك للأسباب التالية:
بعد مرور أكثر شهر على بدء الحرب، أصبح هناك إدراك بأن شعار اجتثاث حماس فعلياً لا يمكن تحقيقه لكونها ليست حالة أو تشكيلاً عسكرياً فقط، وإنما هي مشروع مرتبط بفكرة المقاومة المتجذرة في المجتمع الفلسطيني، فبعد انقضاء الفترة السابقة من الصمود، وعلى ضوء المجازر المتنقلة والكبيرة، لم تعد فكرة حق الفلسطينيين بالدفاع عن النفس سمة فلسطينية فقط بل تولدت قناعة على صعيد الرأي العام العالمي بأن الفلسطينيين يتعرضون للإبادة ومن حقهم الدفاع عن أنفسهم، وهذا تحول كبير يدحض روايات إسرائيل بأنها الضحية.
من حيث طبيعة المعارك على الأرض، فإن إسرائيل تقاتل تشكيلات عسكرية موجودة بين مجتمعها ومنغمسة في بيئتها الحاضنة لا يمكن الفصل بينها وبين الحالة المدنية، وعدم قدرة إسرائيل على إيقاع خسائر كبيرة في صفوفها، يجعلها تلجأ الى الانتقام من المدنيين لتحقيق شيء من التوازن النفسي أمام شعبها وجنودها، باعتبار خسائرها البشرية والمادية أصبحت كبيرة، وتنتشر أخبارها في أوساط المجتمع الإسرائيلي الذي أصبح لديه مخاوف حقيقية ولم تعد لديه الثقة بمن يقود الحرب.
الانهيار الاقتصادي الإسرائيلي المتدرج وخاصة في موازاة استدعاء أعداد كبيرة من الشباب الإسرائيلي لقوات الاحتياط، والنقص الحاد في الأيدي العاملة، ما أدى الى توقف أنشطة اقتصادية بالكامل، وتعرض قطاعات كثيرة لخسائر كبيرة بملايين الدولارات. هذه الخسائر تؤخذ بالحسبان، فالمجتمع الإسرائيلي لا يتحمل أن يعيش الانهيار الاقتصادي والفقر ولديه مخاوف من أن تبلغ هذه الخسائر الاقتصادية مدىً لا يمكن تحمّله، وكل التقارير الاقتصادية تشير إلى شلل شبه تام في الكثير من القطاعات الاقتصادية.
رغم أن كل موازين القوى العسكرية تصب في صالح إسرائيل التي تمتلك أعتى أنواع الأسلحة، الا أن مصدر القوة لدى حماس أنها تخوض حرب شوارع وحرب عصابات وأغلب نشاطها العسكري تحت الأرض من خلال الأنفاق التي لم تتمكن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية من كشفها حتى الان، وبالتالي ليس من السهولة القضاء عليها، فهي منتشرة على كامل مساحة قطاع غزة وموزعة على مجموعات صغيرة في أنفاق متصلة ومؤمنة بأجهزة الحواجز الهندسية، والتي تؤمن سرعة التحرك والتخفي وضرب العدو، وقادرة على تأمين الإسناد لبعضها البعض، بالإضافة إلى قدرتها الكبيرة على المناورة ومفاجأة العدو والتسلل خلف خطوطه وتكبيد تجمعاته خسائر كبيرة، وهذا يصب في صالح فصائل المقاومة التي تعتمد أصلاً على عنصر المباغتة والاشتباك من المسافة صفر، التي تلغي الذراع الطويلة للجيش الإسرائيلي من طيران ومدفعية، ما يعني جرّ إسرائيل الى حرب استنزاف طويلة.
أما بالنسبة إلى فصائل المقاومة فان العامل الاكبر الضاغط عليها، هو واقع المدنيين وازدياد المأساة الإنسانية في ظل الحصار الخانق على غزة ومنع دخول الإمدادات، ولكن هذا العامل متوقف أيضاً على موقف المدنيين. فبعد مرور أكثر من شهر ما زال موقفهم مسانداً للمقاومة ورافضاً أن يعطي أي رسائل استسلام متشبثين بأرضهم، وهذا من أهم أسباب افشال مخطط التهجير الذي عملت عليه إسرائيل منذ الأيام الأولى للحرب.
من أهم العوامل الضاغطة على حكومة الحرب في إسرائيل، أن الرواية الإسرائيلية بدأت تضعف مقابل تعزيز وقوة الرواية الفلسطينية، حيث كان لوسائل التواصل الاجتماعي دور كبير في الوصول إلى قطاعات كبيرة من المجتمعات الغربية، وتفكيك الروايات الرسمية للدول الغربية والولايات المتحدة، بعد أن كانت وسائل الاعلام التقليدية هي المتحكمة بما يصل للراي العام، وهي تتبنى الرواية الإسرائيلية بشكل كامل. 
كُسرت هذه القاعدة وفضحت زيف الاعلام الغربي الذي قلب الحقائق وـخفى عن جمهوره حقيقة ما يجري، ما ولد حالة من الضغط الشعبي على صانع القرار في الغرب، جعلته يعيد التفكير بالضوء الأخضر الذي منحه لإسرائيل انتقاماً لعملية "طوفان الأقصى"، فبعد أن بدأت تصل مشاهد القتل والدمار للشعوب، عمّت مظاهرات كبيرة جابت مدن وعواصم غربية صاحبة قرار مؤثر وداعم لإسرائيل، وهذا ما أحدث اختراقات كبيرة في الحصن الذي حاولت تلك الحكومات ووسائل إعلامها إقامته حول الحدث الفلسطيني الكبير، والذي ولّد هذا الضغط الشعبي والغضب لدى الرأي العام تجاه الحكومات، والتحرر من وهم كانوا يعيشونه، وأصبحوا أمام حقيقة جديدة أن حكوماتهم تدعم دولة تمارس جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها