الأربعاء 2022/09/28

آخر تحديث: 18:14 (بيروت)

هذا ما سيحدث إذا ما استُخدمت القنبلة النووية التكتيكية

الأربعاء 2022/09/28
هذا ما سيحدث إذا ما استُخدمت القنبلة النووية التكتيكية
© Getty
increase حجم الخط decrease
تتسارع التطورات الميدانية على الساحتين الأوكرانية والروسية مؤخراً بعد تحقيق كييف انتصارات ساحقة ومفاجئة. وفي خضم هذه الأحداث المتسارعة، لمّحت القيادة الروسية لإمكانية استخدام السلاح النووي التكتيكي ضد القوات الأوكرانية، ما أعاد إلى الأذهان صورة هيروشيما وناغازاكي إبان الحرب العالمية الثانية. ونعرض لكم في هذا التقرير أبرز ما يميّز الأسلحة النووية التكتيكية ومدى الضرر الذي تسببه.

الفرق بين التكتيكية والاستراتيجية
بادئ ذي بدء، لا بد لنا من التوضيح بأن الأسلحة النووية التكتيكية، والتي تُسمى أيضاً بالأسلحة النووية غير الاستراتيجية، مصممة بشكلٍ عام للاستخدام في ساحة المعركة ولها مدى أقصر من الأسلحة النووية الاستراتيجية أو بعيدة المدى. وعلى عكس الأسلحة النووية الاستراتيجية، تنقسم الأسلحة النووية التكتيكية من حيث القوة إلى نوعين، الأولى تفوق قوتها القنبلة التي سقطت على هيروشيما، والثانية تنحصر قوتها التدميرية بتغيير المعادلات في أرض المعركة. ووفقاً لمركز البحوث الأمني البريطاني "روسي Rusi"، فإن الترسانة التكتيكية الروسية محدودة في مدى يصل إلى حوالي 500 كيلومتر، مقارنة بصواريخها النووية الاستراتيجية التي يبلغ مداها 4500 كيلومتر.
وفيما تمتلك الأسلحة النووية التكتيكية "قوة تفجيرية" أقل من الأسلحة الاستراتيجية، وهذا قد يجعلها أكثر فائدة عسكرياً، فإن العديد من الأسلحة التكتيكية الروسية والأميركية لها مردود أكبر بكثير من القنبلة التي أُلقيت على هيروشيما، والتي قتلت أكثر من 70 ألف شخص. وقد تصل القدرة التدميرية لأصغر سلاحٍ نووي تكتيكي إلى كيلوطنٍ واحد، وهو ما يعادل ألف طن من مادة "تي إن تي" المتفجرة، في حين قد يصل حجم أكبرها إلى مئة كيلوطن. ويمكن تحميل الرؤوس الحربية النووية التكتيكية على أنواع ٍمختلفة من الصواريخ التي تحمل عادةً رؤوساً تقليدية مثل الصواريخ المجنّحة وقذائف المدفعية. أماّ الاستراتيجية منها فتتكون من الصواريخ البالستية العابرة للقارات، والصواريخ البالستية التي تُطلق من الغواصات، والطائرات قاذفات القنابل الثقيلة المُجهَّزة بأسلحة نووية، وجميعها يمكن أن يضرب أهدافاً بعيدة عن الدولة، على مسافة آلاف الكيلومترات. وتُعدّ قنبلة "إيفان الكبير"، التي اختبرها الروس عام 1961، أكثرها قوة، بقدرة تفجيرية تعادل 50 ميغاطن، أي مليون طن من مادة "تي إن تي".

الولايات المتحدة وروسيا
تمتلك الولايات المتحدة حوالي 200 قنبلة جاذبية نووية تكتيكية ذات نواتج متفجرة قابلة للتعديل بين 0.3 و 170 كيلوطن. ( قوة قنبلة هيروشيما 15 كيلوطن). وينشر البنتاغون حوالي مئة من تلك القنابل، التي تُسمى "B61"، في خمس دول أوروبية، وهي: إيطاليا وألمانيا وتركيا وبلجيكا وهولندا. وهو عددٌ محدود بسبب الخلافات السياسية الداخلية والتعقيدات السياسية بين حلفاء الناتو، الذين غالباً ما يحتجّ سكانهم على وجود هذه الأسلحة.
وعلى الضفة المقابلة، تمتلك روسيا ما يقرب من 2000 سلاح نووي تكتيكي مع مجموعة واسعة من القدرات التدميرية التي تتراوح من منخفضة جداً إلى أكثر من 100 كيلوطن، طورها الروس للاستخدام ضد القوات والمنشآت في منطقةٍ صغيرة أو في اشتباكٍ محدود، ويمكن إطلاقها عن طريق الجو والسفن والأنظمة الأرضية، وبعضها يُنقل أيضاً بواسطة أسلحة تقليدية. وإذا ما أردنا الإشارة إلى مسرح الحرب في أوكرانيا، يمكن إطلاق هذه الأسلحة بواسطة الصواريخ قصيرة المدى التي تستخدمها روسيا حالياً لقصف أوكرانيا، مثل صاروخها الباليستي "إسكندر"، الذي يبلغ مداه حوالي 500 كيلومتر. حيث يمكن استخدام سلاح نووي تكتيكي منخفض القوة لضرب هدفٍ عسكري معزول. وتشير الأرقام الروسية إلى أنّ أقل انفجار نووي من تلك الصواريخ يعادل ثلث انفجار قنبلة هيروشيما. وهناك احتمالٌ آخر يشير له الخبراء، وهو استخدام هذه الأسلحة دون أي فائدة عسكرية تُذكر. كأن تفجّر روسيا قنبلة نووية فوق البحر الأسود لتحذير دول الناتو من مغبة مساعدة أوكرانيا. 
بدأت الولايات المتحدة في تطوير رؤوس حربية نووية خفيفة الوزن في خمسينيات القرن الماضي. واحدة من أولى هذه الأجهزة كانت قنبلة "W-54"، التي تراوحت قوتها التفجيرية من 0.1 إلى 1 كيلوطن. وخلال الحرب الباردة، صنعت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي ونشرتا عشرات الآلاف من الأسلحة النووية التكتيكية. ومع ذلك، لم تكن أي من القوتين العظميين على استعداد للمخاطرة بشن حربٍ نووية شاملة باستخدام أسلحة نووية تكتيكية. فلتدمير الأهداف الصغيرة، وجدت القوتان النوويتان أن الذخائر التقليدية الحديثة فعالة مثل الأسلحة النووية. بَيد أن ما يميّز الأسلحة النووية في الوضع التكتيكي هي أن رأساً حربياً واحداً منها يُغني عن استخدام العديد من المتفجرات التقليدية.

سيناريو مرعب
ولا ينبغي لأحد أن يتخيل أنه من المنطقي استخدام سلاح نووي تكتيكي. إذ يمتلك أي انفجارٍ نووي حراري من أي حجم قوة تدميرية ساحقة. فحتى السلاح النووي "الصغير المردود" (0.3 كيلوطن) من شأنه أن يُحدث ضرراً يفوق بكثير الضرر الناجم عن المتفجرات التقليدية. وحسب المؤرخ النووي ألكسندر ويلرشتاين، فإن أي انفجارٍ نووي من أي حجم في أي مكانٍ على الكوكب سيسبب جميع أهوال هيروشيما، وإن كان ذلك على مستوى نطاق أصغر. وقد ينتج عن السلاح النووي التكتيكي كرةً نارية وموجات صدمية وإشعاعات قاتلة من شأنها أن تسبب أضراراً صحية طويلة المدى للناجين. كما قد يؤدي التساقط الإشعاعي إلى تلوث الهواء والتربة والماء والإمدادات الغذائية.
ويؤكد عدد كبير من العلماء، صحة نظرية ويلرشتاين، فحتى الضربة النووية منخفضة القوة من شأنها أن تسبب دماراً هائلاً لمركز سكاني رئيسي مثل برمنغهام أو لندن. كما أن إلقاء قنبلة على واشنطن من شأنه أن يقتل ما يصل إلى 300 ألف شخص، دون احتساب المتضررين من الإشعاع النووي في المنطقة الأوسع.
وهذا ما دفع وزير الدفاع الأميركي السابق جيمس ماتيس في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي عام 2018، للقول: "لا أعتقدُ أن هناك شيئاً اسمه سلاح نووي تكتيكي. فأيُ سلاح نووي يُستخدم في أي وقتٍ هو عاملُ تغييرٍ استراتيجي للعبة".
وإذا ما اتُخذ القرار في الكرملين، سيكون استخدام روسيا للأسلحة النووية بهذه الطريقة غير مسبوق. ورغم أنه من الصعب التنبؤ بكيفية حدوث هذا الهجوم، حدد المحللين الذين يتابعون عن كثب الخطاب النووي الروسي مجموعةً من السيناريوهات. إذ يقول لورانس فريدمان، خبير دراسات الحرب في كلية "كينغز كوليدج لندن": "الأهداف المحتملة للضربات النووية المحدودة في أوكرانيا هي تلك التي تم تحديدها بالفعل للضربات التقليدية، أي البنية التحتية الحيوية أكثر من المدن. وجزيرة الثعبان الواقعة في البحر الأسود وغير المأهولة بالسكان، يمكن أن تُقصف بالأسلحة النووية كدليل على قوة روسيا في زرع الخوف في أوكرانيا والغرب".
ورداً على الهجوم النووي الروسي، يعتقد فرانكلين ميللر، الرئيس السابق للجنة السياسة النووية لحلف الناتو أن رد الولايات المتحدة على انفجار روسي صغير قد يكون بإطلاق أحد الرؤوس الحربية الجديدة من نوع "W76" نموذج 2، بقوة تدميرية تعادل نصف قوة قنبلة هيروشيما تقريباً، على براري سيبيريا أو ضد قاعدة عسكرية داخل روسيا.
وبناءً على ما تقدم، كل ما يُشاع عن استخدام هذه الأسلحة لغرضٍ تكتيكي، كتدمير الهياكل أو المخابئ المحصنة تحت الأرض، لا يعكس الحقيقة الكاملة للأمور. وتشرح نينا تانينوالد، المحاضرة في العلاقات الدولية بجامعة "براون" بالولايات المتحدة ذلك بقولها: "إنها أسلحة نووية، لذا، فإنها تنتج سحابة عيش الغراب، وكرة نارية. ستشعل القنبلة التكتيكية النار في كل شيءٍ في الأفق. وستطلق كمياتٍ هائلة من الإشعاع. لذلك لا ينبغي لأحد أن يعتقد أن هذه أسلحة أكثر قابلية للاستخدام بطريقة أو بأخرى".

ما بعد الانفجار
ويبقى لنا في الأخير أن نشرح ما يمكن أن يحدث أثناء انفجار قنبلة نووية تكتيكية، بما في ذلك المراحل الثلاث للاشتعال والانفجار والتساقط الإشعاعي. فعند سقوط القنبلة، قد يشاهد الناس وميضاً مفاجئاً في السماء، حتى أكثر سطوعاً من الشمس. ثم يتلاشى السطوع فجأة، لكنه يعود مرة أخرى بعد فترةٍ وجيزة ويستمر، ويصبح الجو حاراً بشكلٍ لا يُصدق. يتعرض الناس خلال هذه المرحلة للإشعاع النووي غير المرئي، كأشعة غاما والأشعة السينية والنيوترونات.
بعد ذلك سوف تأتي موجة الانفجار. ستخلق الموجة صدمة تولد ضغطاً عنيفاً تليها رياحٌ عاصفة، وسيؤدي ذلك إلى تدمير أو إتلاف جميع الهياكل المبنية داخل نصف قطر معين من مركز الانفجار، اعتماداً على القدرة التدميرية للقنبلة. وعلى سبيل المثال، سيكون لقنبلة 15 كيلوطن نصف قطر كرة نارية تبلغ حوالي 100 متر وتتسبب في دمارٍ كامل يصل إلى 1.6 كيلومتر حول مركز الانفجار. فيما قنبلة تزن كيلوطنٍ واحد، على غرار انفجار نترات الأمونيوم عام 2020 في العاصمة اللبنانية بيروت، سيكون نصف قطرها كرة نارية حوالي 50 متراً، مع أضرارٍ جسيمة لنحو 400 متر.
تنتقل موجة الصدمة أسرع من سرعة الصوت (حوالي 343 متراً في الثانية). لذا، إذا كان المرء على بعد كيلومترٍ واحد من مركز الانفجار، فلديه أقل من ثلاث ثوانٍ للعثور على ملجأ. وإذا كان على بعد خمسة كيلومترات، فلديه أقل من 15 ثانية.
أما المرحلة الثالثة ترتبط بالتداعيات الإشعاعية، حيث سترتفع سحابة من الجزيئات المشعة السامة من القنبلة أثناء الانفجار وترسبها الرياح، وتلوث كل شيء في طريقها. سيستمر هذا لساعاتٍ بعد الانفجار، أو ربما لأيام. وهذا ما أثبتته اختبارات القنابل البريطانية النووية التكتيكية في مارالينجا، حين لاحظ الخبراء النوويون بقاء التداعيات الإشعاعية لوقتٍ طويل بوضوح في الصحراء على طول مسارات بعرض كيلومترٍ واحد، ممتدة من 5 إلى 25 كيلومتراً من نقطة الصفر.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها